الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وإذا احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه أو داوى جائفة أو آمة بدواء ، ووصل إلى جوفه أو دماغه أفطر ) لقوله عليه السلام { الفطر مما دخل ، وليس مما خرج } رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، وهو مخصوص بحديث الاستقاء أو الفطر فيه باعتبار أنه يعود شيء ، وإن قل حتى لا يحس به كذا في فتح القدير فإن قلت : ظاهره أن الخارج لا يبطل الصوم أصلا إلا في الاستقاء ، والحصر ممنوع ; لأن الحيض والنفاس كل منهما يفسد الصوم كما صرح به في البدائع قلت لا يرد ; لأن إفسادهما الصوم باعتبار منافاتهما الأهلية له شرعا على خلاف القياس بإجماع الصحابة بخلاف الجنون والإغماء بعد النية لا يفسدان الصوم ; لأنهما لا ينافيان أهلية الأداء ، وإنما ينافيان النية كذا في البدائع ، والراوية بالفتح في احتقن واستعط أي وضع الحقنة في الدبر وصب السعوط ، وهو الدواء في الأنف وبالضم في أقطر والجائفة اسم لجراحة وصلت إلى الجوف والآمة الجراحة وصلت إلى أم الدماغ وأطلق في الإقطار في الأذن فشمل الماء والدهن ، وهو في الدهن بلا خلاف

                                                                                        وأما الماء [ ص: 300 ] فاختار في الهداية عدم الإفطار به سواء دخل بنفسه أو أدخله وصرح الولوالجي بأنه لا يفسد صومه مطلقا على المختار معللا بأنه لم يوجد الفطر صورة ، ولا معنى له ; لأنه مما لا يتعلق به صلاح البدن بوصوله إلى الدماغ ، وجعل السعوط كالإقطار في الأذن ، وصححه في المحيط ، وفي فتاوى قاضي خان أنه إن خاض الماء فدخل أذنه لا يفسد ، وإن صب الماء في أذنه فالصحيح أنه يفسد ; لأنه وصل إلى الجوف بفعله ورجحه المحقق في فتح القدير وبهذا يعلم حكم الغسل ، وهو صائم إذا دخل الماء في أذنه ، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد

                                                                                        فلو دخل الماء في الغسل أنفه أو أذنه ووصل إلى الدماغ لا شيء عليه ا هـ .

                                                                                        ولو شد الطعام بخيط وأرسله في حلقه وطرف الخيط في يده لا يفسد الصوم إلا إذا انفصل ، وذكر الولوالجي أن الصائم إذا استقصى في الاستنجاء حتى بلغ مبلغ المحقنة فهذا أقل ما يكون ، ولو كان يفسد صومه ، والاستقصاء لا يفعل ; لأنه يورث داء عظيما ، وفي الظهيرية ولو أدخل خشبة أو نحوها وطرفا منها بيده لم يفسد صومه قال في البدائع : وهذا يدل على أن استقرار الداخل في الجوف شرط لفساد الصوم ، وكذا لو أدخل أصبعه في استه أو أدخلت المرأة في فرجها هو المختار إلا إذا كانت الأصبع مبتلة بالماء أو الدهن فحينئذ يفسد لوصول الماء أو الدهن وقيل إن المرأة إذا حشت الفرج الداخل فسد صومها والصائم إذا أصابه سهم وخرج من الجانب الآخر لم يفسد صومه ولو بقي النصل في جوفه يفسد صومه ا هـ .

                                                                                        وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان : وإن بقي الرمح في جوفه اختلفوا فيه والصحيح : أنه لا يفسد ; لأنه لم يوجد منه الفعل ، ولم يصل إليه ما فيه صلاحه

                                                                                        وذكر الولوالجي ، وأما الوجور في الفم فإنه يفسد صومه ; لأنه وصل إلى جوف البدن ما هو مصلح للبدن فكان أكلا معنى لكن لا تلزمه الكفارة لانعدام الأكل صورة وعن أبي يوسف في السعوط والوجور الكفارة ، ولو استعط ليلا فخرج نهارا لا يفطر ، وأطلق الدواء فشمل الرطب واليابس ; لأن العبرة للوصول لا لكونه رطبا أو يابسا وإنما شرطه القدوري ; لأن الرطب هو الذي يصل إلى الجوف عادة حتى لو علم أن الرطب لم يصل لم يفسد ولو علم أن اليابس وصل فسد صومه كذا في العناية لكن بقي ما إذا لم يعلم يقينا أحدهما وكان رطبا فعند أبي حنيفة يفطر للوصول عادة وقالا لا لعدم العلم به ، فلا يفطر بالشك بخلاف ما إذا كان يابسا ، ولم يعلم فلا فطر اتفاقا كذا في فتح القدير ، وقوله : إلى جوفه عائد إلى الجائفة وقوله إلى دماغه عائد إلى الآمة ، وفي التحقيق أن بين الجوفين منفذا أصليا فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن كذا في النهاية والبدائع ولهذا لو استعط ليلا ، ووصل إلى الرأس ثم خرج نهارا لا يفسد كما قدمناه ، وعلله في البدائع بأنه لما خرج علم أنه لم يصل إلى الجوف أو لم يستقر فيه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : أو الفطر فيه ) أي في الاستقاء ( قوله : حتى لا يحس به ) أي فلا يكون الحديث الأول مخصوصا بحديث الاستقاء ( قوله : وبالضم في أقطر ) قال [ ص: 300 ] في النهر قيل : الصواب قطر ; لأن أقطر لم يأت متعديا يقال : أقطر الشيء حان له أن يقطر بخلاف قطر فإنه جاء متعديا ، ولازما وبالتضعيف متعد لا غير وأما الإقطار بمعنى التقطير فلم يأت ذكره الجوهري وبهذا تبين فساد ما قيل إن أقطر على لفظ المبني للمفعول ; لأن مبناه على أن يجيء الإقطار متعديا ، ولا صحة له على أنه لو صح لكان حقه أن يقرأ على لفظ المبني للفاعل لتتفق الأفعال وتنتظم الضمائر في سلك واحد وأقول : في المغرب : قطر الماء صبه تقطيرا أو قطره وأقطره لغة ، وعلى هذه اللغة يتخرج كلامهم ، وحينئذ فيصح بناؤه للفاعل ، وهو الأولى لما مر وللمفعول ، ونائب الفاعل هو قوله : في أذنه أي وجد إقطارا في أذنه ( قوله : وإن بقي الرمح في جوفه ) عبارة قاضي خان ، وإن بقي الزج فالظاهر أن ما هنا تحريف من النساخ ( قوله : لأنه لم يوجد منه الفعل ) ذكر في النهر أنه يشكل عليه مسألة الاستنجاء السابقة ، ومسألة ما إذا أدخل خشبة وغيبها حيث يفطر في الصورتين مع أنه لم يوجد منه الفعل أعني صورة الفطر ، وهو الابتلاع ، ولا معناه ، وهو ما فيه صلاحه لما ذكروه من أن إيصال الماء إلى المحقنة يوجب داء عظيما ، قال : وجوابه أن هذا مبني على تفسير الصورة بالابتلاع كما في الهداية والأولى تفسيرها بالإدخال بصنعه كما علل به الإمام قاضي خان الفساد بإدخال الماء أذنه بأنه موصل إليه بفعله فلا يعتبر فيه صلاح البدن كما لو أدخل خشبة وغيبها إلى آخر كلامه ا هـ .

                                                                                        نعم يرد ذلك على تعليل الولوالجي لعدم الفساد بإدخال الماء أذنه ، ويرد عليه أيضا كما قاله الرملي الإفطار بوصول الماء إلى الدماغ في الاستنشاق فإنه إذا فسد مع عدم القصد فكيف لا يفسد في الإقطار والسعوط مع القصد ثم قال لكن مع ذلك هو معارض بما في الشروح ، وإذا عارض ما في الفتاوى ما في الشروح يعمل بما في الشروح ا هـ .

                                                                                        وفيه أن ما في الولوالجية اختاره في الهداية كما مر والهداية معدودة من المتون ، وهي مقدمة على الشروح فأين المعارضة .




                                                                                        الخدمات العلمية