الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وللمسافر وصومه أحب إن لم يضره ) أي جاز للمسافر الفطر ; لأن السفر لا يعرى عن المشقة فجعل في نفسه عذرا بخلاف المرض ; لأنه قد يخف بالصوم فشرط كونه مفضيا إلى الحرج وإنما كان الصوم أفضل إن لم يضره لقوله تعالى { وأن تصوموا خير لكم } ولأن رمضان أفضل الوقتين فكان فيه الأداء أولى ولا يرد علينا القصر في الصلوات فإنه واجب حتى يأثم بالإتمام ; لأن القصر هو العزيمة وتسميتهم له رخصة إسقاط مجاز ، وقول صاحب غاية البيان إن القصر أفضل تسامح ولو قال المصنف وصومهما أحب إن لم يضرهما لكان أولى لشموله قيد بقوله إن لم يضره ; لأن الصوم إن ضره بأن شق عليه فالفطر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام { ليس من البر الصيام في السفر } قاله لرجل صائم يصب عليه الماء وفي المحيط ولو أراد المسافر أن يقيم في مصر أو يدخل مصره كره له أن يفطر ; لأنه اجتمع في اليوم المبيح وهو السفر والمحرم وهو الإقامة فرجحنا المحرم احتياطا وصرح في الخلاصة بكراهة الصوم إن أجهده وأطلق الضرر ولم يقيده بضرر بدنه ; لأنه لو لم يضره الصوم لكن كان رفقاؤه أو عامتهم مفطرين والنفقة مشتركة بينهم فالإفطار أفضل كذا في الخلاصة والظهيرية ; لأن ضرر المال كضرر البدن وأشار إلى أن إنشاء السفر في شهر رمضان جائز لإطلاق النص خلافا لعلي وابن عباس كذا في المحيط وفي الولوالجية والسفر الذي يبيح الفطر هو الذي يبيح القصر ; لأن كلاهما قد ثبتت رخصته

                                                                                        وأطلق السفر فشمل سفر الطاعة والمعصية لما عرف وأراد بالضرر الضرر الذي ليس فيه خوف الهلاك ; لأن ما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم فالإفطار في مثله واجب لا أنه أفضل كذا [ ص: 305 ] في البدائع ومنه ما إذا أكره المريض والمسافر فإن الإفطار واجب ولا يسعه الصوم حتى لو امتنع من الإفطار فقتل يأثم كالإكراه على أكل الميتة بخلاف ما إذا كان صحيحا مقيما فأكره بقتل نفسه فإنه يرخص له الفطر والصوم أفضل حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل يثاب عليه ; لأن الوجوب ثابت حالة الإكراه وأثر الرخصة بالإكراه في سقوط الإثم بالترك لا في سقوط الواجب كالإكراه على الكفر كذا في البدائع وقيدنا بكونه أكره بقتل نفسه ; لأنه لو قيل له لتفطرن أو لأقتلن ولدك فإنه لا يباح له الفطر كقوله لتشربن الخمر أو لأقتلن ولدك فصار كتهديده بالحبس كذا في النهاية وفي فتاوى قاضي خان المسافر إذا تذكر شيئا قد نسيه في منزله فدخل فأفطر ثم خرج قال عليه الكفارة قياسا ; لأنه مقيم عند الأكل حيث رفض سفره بالعود إلى منزله وبالقياس نأخذ . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولا قضاء إن ماتا عليهما ) أي ولا قضاء على المريض والمسافر إذا ماتا قبل الصحة والإقامة ; لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر فلم يوجد شرط وجوب الأداء فلم يلزم القضاء قيد به ; لأنه لو صح المريض أو أقام المسافر ولم يقض حتى مات لزمه الإيصاء بقدره وهو مصرح به في بعض نسخ المتن لوجود الإدراك بهذا المقدار وذكر الطحاوي أن هذا قول محمد وعندهما يلزمه قضاء الكل وغلطه القدوري وتبعه في الهداية قال والصحيح أنه لا يلزمه إلا بقدره عند الكل وإنما الخلاف في النذر بأن يقول المريض لله علي صوم هذا الشهر فصح يوما ثم مات يلزمه قضاء جميع الشهر عندهما وعند محمد قضاء ما صح فيه والفرق لهما أن النذر سبب فظهر الوجوب في حق الخلف وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة فيتقدر بقدر ما أدرك فيه وإنما لم يلزمه القضاء قبل الصحة ليظهر في الإيصاء ; لأنه معلق بالصحة وإن لم يذكر أداة التعليق تصحيحا لتصرف المكلف ما أمكن فينزل عند الصحة وأجاب عنه في غاية البيان بأن الجماعة الذين أنكروا الخلاف نشئوا بعد الطحاوي بكثير من الزمان باعتبار أن الخلاف لم يبلغهم وهو ليس بحجة عليه ; لأن جهل الإنسان لا يعتبر حجة على غيره وقد ذكره بعدما ثبت عنده وهو ممن لا يتهم لأوصافه الجميلة

                                                                                        والحاصل أن الصحيح لو نذر صوم شهر معين ثم مات قبل مجيء الشهر لا يلزمه شيء بلا خلاف ، وإن [ ص: 306 ] مات بعدما صح يوما يلزمه الإيصاء بالجميع عندهما وعند محمد بقدر ما صح وفصل الطحاوي فقال إن لم يصم اليوم الذي صح فيه لزمه الكل وإن صامه لا يلزمه شيء كالمريض في رمضان إذا صح يوما فصامه ثم مات لا يلزمه شيء اتفاقا ; لأنه بالصوم تعين أنه لا يصح فيه قضاء يوم آخر بخلاف ما إذا لم يصمه حيث لا يلزمه الكل كما قدمناه على قول الطحاوي لأن ما قدر فيه صالح لقضاء اليوم الأول والوسط والأخير فلما قدر على قضاء البعض فكأنه قدر على قضاء الكل إليه أشار في البدائع وغاية البيان وفي الولوالجية ولو أوجب على نفسه اعتكاف شهر وهو مريض ثم مات قبل أن يصح لم يجب عليه ; لأنه لم يجب عليه أداء الأصل فلا يجب أداء البدل ولو أوجب على نفسه اعتكاف شهر وهو صحيح فعاش عشرة أيام ثم مات أطعم عنه الشهر كله ; لأن الاعتكاف مما لا يتجزأ

                                                                                        ( قوله : ويطعم وليهما لكل يوم كالفطرة بوصية ) أي يطعم ولي المريض والمسافر عنهما عن كل يوم أدركاه كصدقة الفطر إذا أوصيا به ; لأنهما لما عجزا عن الصوم الذي هو في ذمتهما التحقا بالشيخ الفاني دلالة لا قياسا فوجب عليهما الإيصاء بقدر ما أدركا فيه عدة من أيام أخر كما في الهداية ولو قال ويطعم ولي من مات وعليه قضاء رمضان لكان أشمل ; لأن هذا الحكم لا يخص المريض والمسافر ولا من أفطر لعذر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه بل أراد بالولي من له ولاية التصرف في ماله بعد موته فيدخل وصيهما وأراد بتشبيهه بالفطرة كالكفارة التشبيه من جهة المقدار بأن يطعم عن صوم كل يوم نصف صاع من بر أو زبيب أو صاعا من تمر أو شعير لا التشبيه مطلقا ; لأن الإباحة كافية هنا ولهذا عبر بالإطعام دون الإيتاء دون صدقة الفطر فإن الركن فيها التمليك ولا تكفي الإباحة

                                                                                        وقيد بالوصية ; لأنه لو لم يأمر لا يلزم الورثة شيء كالزكاة ; لأنها من حقوق الله تعالى ولا بد فيها من الإيصاء ليتحقق الاختيار إلا إذا مات قبل أن يؤدي العشر فإنه يؤخذ من تركته من غير إيصاء لشدة تعلق العشر بالعين كذا في البدائع من كتاب الزكاة في مسألة إذا باع صاحب المال ماله قبل أداء الزكاة ومع ذلك لو تبرع الورثة أجزأه إن شاء الله تعالى وكذا كفارة اليمين والقتل إذا تبرع الوارث بالإطعام [ ص: 307 ] والكسوة يجوز ولا يجوز التبرع بالإعتاق لما فيه من إلزام الولاء للميت بغير رضاه وأشار بالوصية إلى أنه معتبر من ثلث ماله صرح به قاضي خان في فتاويه وإلى أن الصلاة كالصوم بجامع أنهما من حقوقه تعالى بل أولى لكونها أهم ويؤدي عن كل وتر نصف صاع ; لأنه فرض عند الإمام كذا في غاية البيان ويعتبر كل صلاة بصوم يوم على الصحيح وإلى أن سائر حقوقه تعالى كذلك ماليا كان أو بدنيا عبادة محضة أو فيه معنى المؤنة كصدقة الفطر أو عكسه كالعشر أو مؤنة محضة كالنفقات أو فيه معنى العقوبة كالكفارات وإلى أن الولي لا يصوم عنه ولا يصلي لحديث النسائي { لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد } وقيدنا بكونهما أدركا عدة من أيام أخر إذ لو ماتا قبله لا يجب عليهما الإيصاء لما قدمناه لكن لو أوصيا به صحت وصيتهما ; لأن صحتها لا تتوقف على الوجوب كذا في البدائع وأشار أيضا إلى أنه لو أوجب على نفسه الاعتكاف ثم مات أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة ; لأنه وقع اليأس عن أدائه فوقع القضاء بالإطعام كالصوم في الصلاة كذا ذكره الولوالجي في فتاويه

                                                                                        فالحاصل أن ما كان عبادة بدنية فإن أوصى يطعم عنه بعد موته عن كل واجب كصدقة الفطر وما كان عبادة مالية كالزكاة فإنه يخرج عنه القدر الواجب عليه وما كان مركبا منهما كالحج فإنه يحج عنه رجلا من مال الميت ( قوله : وقضيا ما قدرا بلا شرط ولاء ) أي لا يشترط التتابع في القضاء لإطلاق قوله تعالى { فعدة من أيام أخر } والذي في قراءة أبي فعدة من أيام أخر متتابعة غير مشهور لا يزاد بمثله بخلاف قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين فإنها مشهورة فيزاد كذا في النهاية والكافي لكن المستحب التتابع وأشار بإطلاقه إلى أن القضاء على التراخي ; لأن الأمر فيه مطلق وهو على التراخي كما عرف في الأصول ومعنى التراخي عدم تعين الزمن الأول للفعل ففي أي وقت شرع فيه كان ممتثلا ولا إثم عليه بالتأخير ويتضيق عليه الوجوب في آخر عمره في زمان يتمكن فيه من الأداء قبل موته ولهذا له التطوع قبل القضاء ; لأنه يكره له تأخير الواجب عن وقته المضيق ولهذا إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل آخر فلا فدية عليه لكونها تجب خلفا عن الصوم عند العجز ولم يوجد لقدرته على القضاء ولهذا قال ( فإذا جاء رمضان آخر قدم الأداء على القضاء ) ; لأنه في وقته وهو لا يقبل غيره ويصوم القضاء بعده وهذا بخلاف قضاء الصلوات فإنها على الفور ولا يباح التأخير إلا بعذر ذكره الولوالجي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فجعل نفسه عذرا أي نفس السفر عذرا وإن عرا ) عن المشقة ; لأنها موجودة فيه غالبا ، والنادر كالعدم فأنيطت الرخصة بنفس السفر وظاهر إطلاقهم أنه لو دخل بلدا ولم ينو فيه إقامة نصف شهر أن له الفطر ويؤيده ما يأتي قريبا في كلامه من عبارة المحيط حيث علق كراهة الفطر على الإقامة في مصر أو دخوله إلى مصره ففرق بين مصره وغير مصره فعلق الكراهة في مصره على الدخول وفي غير مصره على الإقامة ويدل عليه أيضا ما يذكره عن الولوالجية من أن السفر المبيح للفطر هو المبيح للقصر والله أعلم ( قوله : وفي المحيط ولو أراد المسافر إلخ ) أي إذا كان الرجل مسافرا في أول النهار وأراد أن يدخل في أثناء النهار مصرا غير مصره وينوي فيه الإقامة أو يدخل مصره مطلقا يجب عليه صوم ذلك اليوم ترجيحا للمحرم وهو الإقامة والظاهر أن هذا إذا كان دخوله المصر في وقت النية كما يفيده ما سيأتي في شرح قول المصنف ولو نوى المسافر الإفطار إلخ حينئذ يكون قد اجتمع فيه المبيح والمحرم بخلاف ما إذا كان في وقت النية مسافرا ; لأنه تمحض فيه المبيح . نعم بعد إقامته يجب عليه إمساك بقية يومه كما سيأتي هذا ما ظهر لي ، تأمل .

                                                                                        لكن رأيت في البدائع ما يخالفه حيث قال بعد ذكره عبارة المحيط المذكورة فإن كان أكبر رأيه أنه يتفق دخوله المصر حين تغيب الشمس فلا بأس بالفطر فيه ا هـ .

                                                                                        ذكر ذلك قبيل باب الاعتكاف ( قوله : ; لأن ضرر المال كضرر البدن ) قال في النهر علل في الفتاوى أفضلية الإفطار [ ص: 305 ] بموافقة ( قوله : أي ولا قضاء على المريض والمسافر ) أرجع في النهر الضمير المجرور إلى المرض والسفر وإليه يومئ كلام الزيلعي وهو أظهر في التقييد المذكور في قوله قيد به أي بموتها على السفر والمرض وإن كان ظاهرا على ما ذكره ; لأنه بعد الصحة والإقامة لا يوصفان حقيقة بالوصف المذكور ( قوله : وغلطه القدوري ) قال في النهر يعني رواية ودراية إذ لزوم الكل متوقف على القدرة عليه ولم توجد والكتب المعتمدة ناطقة بخلاف ما قال والعادة قاضية باستحالة نقل غير المذهب وترك المذهب وبهذا اندفع ما يأتي عن غاية البيان ( قوله : ليظهر في الإيصاء ) تعليل للمنفي وهو يلزمه وقوله ; لأنه أي النذر معلق بالصحة تعليل للنفي ( قوله : ; لأنه معلق بالصحة ) أي النذر وهو قول المريض لله علي صوم هذا الشهر أي ; لأنه في قوة قوله إذا برئت ( قوله : والحاصل أن الصحيح لو نذر صوم شهر معين ثم مات قبل مجيء الشهر لا يلزمه شيء بلا خلاف وإن مات بعدما صح يوما يلزمه الإيصاء بالجميع عندهما وعند محمد بقدر ما صح وفصل الطحاوي فقال إن لم يصم اليوم الذي صح فيه لزمه الكل وإن صامه لا يلزمه شيء كالمريض في رمضان إلخ ) هكذا في بعض النسخ وفي بعضها اضطراب وعلى هذه النسخة يجب إبدال الصحيح بالمريض وفي بعض النسخ والحاصل أن الصحيح لو نذر صوم شهر معين ثم مات قبل مجيء الشهر لا يلزمه شيء ولو صام بعضه ثم مات يلزمه الإيصاء بما بقي من الشهر وأما المريض إذا نذر ثم مات قبل الصحة لا يلزمه شيء بلا خلاف وإن مات بعدما صح يوما لزمه الإيصاء بالجميع عندهما وعند محمد بقدر ما صح ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أن تفصيل الطحاوي إنما هو في القضاء كما علم من كلامه المار ولذا ردوا عليه هذا وفي السراج رجل نذر صوم رجب فأقام أياما قادرا على الصوم قبل رجب ثم مات ذكر في الفتاوى أن عليه الوصية بشهر كامل وذكر الحاكم أنه يوصي بقدر ما قدر وذكر في الكرخي أنه إن مات قبل رجب لا شيء عليه والأولان روايتان عنهما والثالث قول محمد خاصة ; لأن إلزام ما لا يقدر عليه محال ولذا لا يوصي إذا لم يقدر على قضاء رمضان ولهما على طريقة الحاكم أن النذر سبب ملزم فجاز الفعل عقيبه وإنما التأخير لتسهيل الأداء إلا أنه لا بد من التمكن من الأداء لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق ولهما وعلى طريقة الفتاوى أن اللزوم إذا لم يظهر في حق الأداء يظهر في خلفه وهو الإطعام فإذا ثبت هذا فنقول إذا نذر شهرا غير معين ثم أقام بعد النذر أياما قادرا على الصوم فلم يصم فعندهما يلزمه الوصية لجميع الشهر على كلا الطريقتين وقال محمد وزفر لقدر ما قدر ، وجه قولهما على طريق الحاكم أن ما أدركه صالح لصوم كل يوم من أيام النذر فإذا لم يصم جعل كالقادر على الجميع فوجب الإيصاء وعلى طريقة الفتاوى النذر ملزم في الذمة الساعة ولا يشترط إمكان الأداء وفائدة الخلاف إذا صام ما أدرك فعلى الأول لا يجب [ ص: 306 ] الإيصاء بالباقي وعلى الثاني يجب ومثله لو نذر ليلا صوم شهر غير معين ومات في الليل لا يجب الإيصاء على الأول لعدم الإدراك ويجب على الثاني ولو أوجب على نفسه صوم رجب ثم أقام أياما ولم يصم فقد مر ا هـ .

                                                                                        ما في السراج ملخصا وبه علم وجه الفرق بين النذر المعين والمطلق ثم قال في السراج مريض لا يقدر على الصوم نذر صوم رجب ثم دخل وهو مريض ثم صح بعده يوما أو يومين فلم يصم ثم مرض ومات فعليه الإيصاء بجميع الشهر أما على طريقة الفتاوى فظاهر وكذا على طريقة الحاكم ; لأن بخروج الشهر المعين وصحته بعده وجب عليه صوم شهر مطلق فإذا لم يصم فيه وجب عليه الإيصاء بجميع الشهر كما في النذر المطلق إذا بقي يوما أو يومين يقدر على الصوم ولم يصم ثم مات ا هـ .

                                                                                        ( قوله : لكان أشمل إلخ ) أجاب في النهر بأن من أفطر متعمدا فوجوبها عليه بالأولى على أن الفصل معقود للعوارض ( قوله : بل أراد بالولي ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها بدون بل ( قوله : وكذا كفارة اليمين والقتل إلخ ) كذا في الزيلعي والدرر قال في الشرنبلالية أقول : لا يصح تبرع الوارث في كفارة القتل بشيء ; لأن الواجب فيها ابتداء عتق رقبة مؤمنة ولا يصح إعتاق الوارث عنه كما ذكره والصوم فيها بدل عن الإعتاق لا يصح فيه الفدية كما يأتي ا هـ .

                                                                                        ومثله في العزمية معترضا على صاحب الدرر والزيلعي وادعى أن الزيلعي وهم في فهم كلامهم الكافي وعبارة الكافي على ما في شرح الشيخ إسماعيل على معسر كفارة يمين أو قتل وعجز عن الصوم لم تجز الفدية كمتمتع عجز عن الدم والصوم ; لأن الصوم هنا بدل ولا بدل للبدل فإن مات وأوصى بالتكفير صح من ثلثه وصح التبرع في الكسوة والإطعام ; لأن الإعتاق بلا إيصاء إلزام الولاء على الميت ولا إلزام في الكسوة والإطعام انتهت وأنت خبير بأنها نص فيما قاله الزيلعي وأما ما ادعاه في العزمية من أن الموضوع في كلام الكافي هو الكفارة مطلقا ولما وقع في سياق كلامه ذكر كفارة يمين أو قتل وهما قد اشتركا في مسألة الإعتاق ذهل الزيلعي عن حقيقة الحال فساق كلامه على تعلق المسألة بهما وقال ما قال ا هـ .

                                                                                        فبعيد ولا ينافي ذلك ما سيأتي في شرح قوله وللشيخ الفاني من أنه لو وجبت عليه كفارة يمين أو قتل لا تجوز له الفدية ; لأن الصوم هنا بدل عن غيره فإن ذاك في الحي وما هنا فيما إذا تبرع عنه الولي فيصح لعدم إمكان الأصل لعدم إمكان الإعتاق لما فيه من الإلزام كما بسطه الشيخ إسماعيل في الجواب عن الدرر وفي الإمداد في فصل إسقاط الصلاة ولزم عليه يعني من أفطر في رمضان الوصية بما قدر عليه وبقي في ذمته حتى أدركه الموت وأوصى بفدية ما عليه من صيام فرض وكذا صوم كفارة يمين وقتل خطإ وظهار وجناية على إحرام وقتل محرم صيدا وصوم منذور فيخرج عنه وليه من ثلث ما ترك ا هـ .

                                                                                        فقد نص على جواز الإيصاء بذلك وحينئذ فلا مانع من التوفيق [ ص: 307 ] بما مر والله تعالى أعلم وبه يندفع ما في حاشية مسكين عن الأقصر أي من أن مرادهم بالقتل قتل الصيد لا قتل النفس ; لأنه ليس فيه إطعام ا هـ .

                                                                                        فليتأمل وليراجع كي يظهر الحق .




                                                                                        الخدمات العلمية