الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : سن لبث في مسجد بصوم ونية ) أي ونية اللبث الذي هو الاعتكاف وقد أشار المصنف إلى صفته وركنه وشرائطه أما الأول فهو السنية وهكذا في كثير من الكتب وفي القدوري الاعتكاف مستحب وصحح في الهداية أنه سنة مؤكدة وذكر الشارح أن الحق انقسامه إلى ثلاثة أقسام واجب وهو المنذور وسنة وهو في العشر الأخير من رمضان ومستحب وهو في غيره من الأزمنة وتبعه المحقق في فتح القدير والأظهر أنه سنة في الأصل كما اقتصر عليه في المتن تبعا لما صرح في البدائع وهي مؤكدة وغير مؤكدة وأطلق عليها الاستحباب ; لأنها بمعناه وأما الواجب فهو بعارض النذر وفي البدائع أنه يجب بالشروع أيضا ولا يخفى أنه مفرع على ضعيف وهو اشتراط زمن للتطوع

                                                                                        وأما على المذهب من أن أقل النفل ساعة فلا والدليل على تأكده في العشر الأخير مواظبته عليه السلام فيه كما في الصحيحين ولهذا قال الزهري عجبا للناس كيف تركوا الاعتكاف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية وإلا كانت دليل الوجوب كذا في فتح القدير ولا يخفى أن المواظبة قد اقترنت بالترك وهو ما يفيده الحديث من { أنه اعتكف العشر الأخير من رمضان فرأى خياما وقبابا مضروبة فقال لمن هذا قال لعائشة وهذا لحفصة وهذا لسودة فغضب وقال أترون البر بهذا فأمر بأن تنزع قبته فنزعت ولم يعتكف فيه ثم قضى في شوال } وقد يقال إن الترك هنا لعذر كما صرح به الفتاوى الظهيرية وقد قدمنا في المواظبة كلاما حسنا في سنن الوضوء فارجع إليه ولا فرق في المنذور بين المنجز والمعلق

                                                                                        وأشار باللبث إلى ركنه وبالمسجد والصوم والنية إلى شرائطه لكن ذكر الصوم معها لا ينبغي ; لأنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية ولا على غيره لتصريحه بعد بأن أقله نفلا [ ص: 323 ] ساعة فلزم أن الصوم ليس من شرطه فإن قلت يمكن حمله على الاعتكاف المسنون سنة مؤكدة وهو العشر الأخير من رمضان فإن الصوم من شرطه حتى لو اعتكفه من غير صوم لمرض ، أو سفر ينبغي أن لا يصح قلت لا يمكن لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره وفرعوا عليه بأنه لو نذر اعتكاف ليلة لم يصح ; لأن الصوم من شرطه والليل ليس بمحل له ، ولو نوى اليوم معها لم يصح كذا في الظهيرية وعن أبي يوسف إن نوى ليلة بيومها لزمه ولم يذكر محمد هذا التفصيل

                                                                                        ولو قال لله علي أن أعتكف ليلا ونهارا لزمه أن يعتكف ليلا ونهارا وإن لم يكن الليل محلا للصوم ; لأن الليل يدخل فيه تبعا ولا يشترط للتبع ما يشترط للأصل ، ولو نذر اعتكاف يوم قد أكل فيه لم يصح ولم يلزمه شيء ; لأنه لا يصح بدون الصوم وسيأتي بقية تفاريع النذر ومن تفريعاته هنا أنه لو أصبح صائما متطوعا ، أو غير ناو للصوم ثم قال لله علي أن أعتكف هذا اليوم لا يصح وإن كان في وقت تصح فيه نية الصوم لعدم استيفاء النهار وتمامه في فتح القدير وفي فتاوى الظهيرية ، ولو قال لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم فعليه أن يعتكف ويصوم وقد علم من كون الصوم شرطا أنه يراعى وجوده لا إيجاده للمشروط له قصدا فلو نذر اعتكاف شهر رمضان لزمه وأجزأه صوم رمضان عن صوم الاعتكاف وإن لم يعتكف قضى شهرا بصوم مقصود لعود شرطه إلى الكمال ولا يجوز اعتكافه في رمضان آخر ويجوز في قضاء رمضان الأول والمسألة معروفة في الأصول في بحث الأمر .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وأطلق عليها الاستحباب إلخ ) قال في النهر هو ظاهر في أن القدوري أطلق اسم الاستحباب على المؤكدة وغيرها ; لأنها بمعناه لكن لا يخفى ما في إطلاق المستحب على المؤكدة من المؤاخذة فالأقرب أن يقال إنه اقتصر على نوع منه وهو غير المؤكدة وكلام المصنف لا غبار عليه لأن المشكك حقيقة في أفراده ا هـ .

                                                                                        وقد يقال ما جعله الأقرب هو مراد المؤلف بإرجاع ضمير عليها لأقرب مذكور وهو غير المؤكدة كما أفاده الشيخ إسماعيل [ ص: 323 ] ( قوله : لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور ) قلت تصريحهم بذلك إنما هو بالنسبة إلى النفل يعني أنه ليس بشرط في النفل ; لأنه المحتاج إلى البيان أما المسنون فلا يكون إلا بالصوم عادة فلا حاجة إلى التنبيه عليه وإمكان تصور عدم الصوم فيه لمرض أو سفر نادر جدا ويدل على ما قلنا أنه في متن الدرر قسم الاعتكاف إلى الأقسام الثلاثة ثم قال والصوم شرط لصحة الأول يعني الواجب لا الثالث يعني المستحب ولم يتعرض للثاني وهو المسنون بنفي ولا إثبات للعلم بأنه لا يكون بدون صوم عادة وسيأتي قريبا بيان اختلاف الرواية في وجوب الصوم في الاعتكاف النفل بناء على اختلاف الرواية في أنه مقدر بيوم أم لا ومقتضاه أن التقدير مستلزم لإيجاب الصوم فيه ولا يخفى أن اعتكاف العشر الأخير مقدر فيكون الصوم شرطا فيه فتأمل ( قوله : ولو نوى اليوم معها لم يصح ) قال الرملي سيأتي الكلام على ذلك في شرح قوله وليلتان بنذر يومين فراجعه تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية