الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ثم اشرب من زمزم والتزم الملتزم وتشبث بالأستار والتصق بالجدار ) بيان للمستحب وقدم الشرب من ماء زمزم على غيره ; لأن المختار تقديمه كما ذكره الشارح ، واختار في فتح القدير تأخيره عن التزام الملتزم وتقبيل العتبة وكيفيته أن يأتي زمزم فيستقي بنفسه الماء ويشربه مستقبل القبلة ويتضلع منه ويتنفس مرات ويرفع بصره في كل مرة ، وينظر إلى البيت ويمسح به وجهه ورأسه وجسده ويصب عليه إن تيسر ، والملتزم ما بين الركن والباب كما رواه البيهقي حديثا مرفوعا ، والتشبث التعلق والمراد بالأستار أستار الكعبة إن كانت قريبة بحيث ينالها ، وإلا وضع يديه فوق رأسه مبسوطتين على الجدار قائمتين ويجتهد في إخراج الدمع من عينه

                                                                                        ولم يذكر المصنف أنه يمشي القهقرى وذكره في المجمع لكن يفعله على وجه لا يحصل منه صدم أو وطء لأحد وهو باك متحسر على فراق البيت الشريف وبصره ملاحظ له حتى يخرج من المسجد وفي رسالة الحسن البصري التي أرسلها إلى أهل مكة أن الدعاء هناك يستجاب في خمسة عشر موضعا في الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وخلف [ ص: 379 ] المقام وعلى الصفا وعلى المروة وفي السعي وفي عرفات وفي مزدلفة وفي منى وعند الجمرات الثلاث ، وزاد غيره وعند رؤية البيت وفي الحطيم لكن الثاني هو تحت الميزاب فهو ستة عشر موضعا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولم يذكر المصنف إلخ ) قال في النهر لم يذكر تقبيل العتبة قبل الشرب كما في الفتح ولا الاستقاء بنفسه ولا رجوع القهقرى كما في المجمع لما قيل من أنه لم يثبت شيء من ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام ، وأما الالتزام والتشبث فجاء فيهما حديثان ضعيفان ا هـ .

                                                                                        وما ذكره من أنه عليه السلام لم يثبت عنه الاستقاء بنفسه لما في الفتح عن الطبقات مرسلا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما أفاض نزع بالدلو لم ينزع معه أحد فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر ، وقال لولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لم ينزع منها أحد غيري وجمع في الفتح بين هذا وبين ما في حديث جابر أنهم نزعوا له بأن هذا كان عقب طواف الوداع وذاك عقب طواف الإفاضة وتمامه فيه على أن قوله لولا أن تغلبكم الناس إلخ يكفي في إثبات المقصود ويدل على أن تركه له كان لذلك العذر إن لم يثبت نزعه عليه الصلاة والسلام بنفسه . ( قوله في خمسة عشر موضعا ) قال في الشرنبلالية ورأيت نظما للشيخ العلامة عبد الملك بن جمال الدين منلا زاده العصامي ذكر فيه المواطن للدعاء في مكة المشرفة ، وعين فيه ساعاتها زيادة على ما في رسالة الحسن البصري رحمه الله طبق ما صرح به الشيخ العلامة أبو بكر بن الحسن النقاش في مناسكه فكانت خمسة عشر موضعا فقال

                                                                                        قد ذكر النقاش في المناسك وهو لعمري عمدة للناسك إن الدعا في خمسة وعشره
                                                                                        بمكة يقبل ممن ذكره وهي المطاف مطلقا والملتزم
                                                                                        بنصف ليل فهو شرط ملتزم وداخل البيت بوقت العصر
                                                                                        بين يدي جذعيه فاستقر وتحت ميزاب له وقت السحر
                                                                                        وهكذا خلف المقام المفتخر وعند بئر زمزم شرب الفحول
                                                                                        إذا دنت شمس النهار للأفول ثم الصفا ومروة والمسعى
                                                                                        بوقت عصر فهو قيد يرعى كذا منى في ليلة البدر إذا
                                                                                        تنصف الليل فخذ ما يحتذى ثم لدى الجمار والمزدلفه
                                                                                        عند طلوع الشمس ثم عرفه بموقف عند غروب الشمس قل
                                                                                        ثم لدى السدرة ظهرا وكمل وقد روى هذا الوقوف طرا
                                                                                        من غير تقييد بما قد مرا بحر العلوم الحسن البصري عن
                                                                                        خير الورى ذاتا ووصفا وسنن صلى عليه الله ثم سلما
                                                                                        وآله والصحب ما غيث هما

                                                                                        ا هـ .

                                                                                        قلت ولا يخفى أن الجمار ثلاثة ، وأنه ليس في كلام الحسن ذكر السدرة فبها تبلغ ستة عشر موضعا فتنبه له ا هـ .

                                                                                        ما في الشرنبلالية قلت في عد جمرة العقبة من تلك الأماكن نظر لما مر من أنه لا وقوف ولا دعاء عندهما فالظاهر أن الراجز لم يعتبرها فذكر بدلها السدرة ، ولعله صح نقلها عنده عن الحسن فنسبها إليه ، وسقطت من كلام المؤلف تبعا للفتح أو عدوا جمرة العقبة بناء على ما قدمناه عن الفتح في محله من أنه قيل أنه يقول اللهم اجعل حجي مبرورا وسعيي مشكورا وذنبي مغفورا فليتأمل هذا ، وقد نظم في النهر الأماكن بقوله [ ص: 379 ]

                                                                                        دعاء البرايا يستجاب بكعبة وملتزم والموقفين كذا الحجر
                                                                                        طواف وسعي مروتين وزمزم مقام وميزاب جمارك تعتبر

                                                                                        ومراده بالموقفين عرفة والمزدلفة وبالمروتين الصفا والمروة تغليبا وما ذكره بناء على عد الجمار ثلاثا لكن نقص مما ذكره المؤلف منى ، وذكر بدله الحجر ولم يذكر أيضا عن رؤية البيت والسدرة وقد زاد في الدر المختار عن اللباب هذه الثلاثة مع موضعين آخرين في الحجر وعند الركن اليماني ونظمت هذه الخمسة إلحاقا لما في النهر بقولي

                                                                                        ورؤية بيت ثم حجر وسدرة وركن يمان مع منى ليلة القمر

                                                                                        وقولي ليلة القمر تابعت فيه قوله في الدر ليلة البدر ومثله ما مر في الأرجوزة ، والظاهر أن المراد بها ليلة الثالث عشر ; لأن الحاج لا يمكث في منى بعدها تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية