الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : أو أفسد حجه بجماع في أحد السبيلين قبل الوقوف بعرفة ) معطوف على قبل أي تجب شاة لما ورد عن الصحابة من الفساد به ووجوب الهدي ، وأدناه شاة ويقوم الشرك في البدنة مقامها كما صرح به في غاية البيان ، وما اختاره المصنف من الفساد بالجماع في الدبر هو أصح الروايتين عن أبي حنيفة كقولهما لكمال الجناية كما في فتح القدير ، ومراده من آدمية . أما وطء البهيمة فلا يفسد مطلقا لقصوره وأطلق في الجماع فشمل ما إذا أنزل أو لم ينزل أولج ذكره كله أو بقدر الحشفة ، وفي معراج الدراية ، ولو استدخلت ذكر الحمار أو ذكرا مقطوعا يفسد حجها بالإجماع ، ولو لف ذكره بخرقة ، وأدخله إن وجد حرارة الفرج واللذة يفسد ، وإلا فلا . انتهى . وشمل ما إذا كان عامدا أو ناسيا عالما أو جاهلا مختارا أو مكرها رجلا أو امرأة ، ولا رجوع له على المكره كما ذكره الإسبيجابي وحكى في فتح القدير خلافا بين ابن شجاع والقاضي أبي حازم في رجوع المرأة بالدم إذا أكرهها الزوج على الجماع فقال الأول لا ، وقال الثاني نعم ، ولم أر قولا في رجوعها بمؤنة حجها وشمل الحر والعبد لكن في العبد يلزمه الهدي ، وقضاء الحج بعد العتق سوى حجة الإسلام ، وكل ما يجب فيه المال يؤاخذ به بعد عتقه بخلاف ما فيه الصوم فإنه يؤاخذ به للحال ، ولا يجوز إطعام المولى عنه إلا في الإحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا عتق فعليه حجة وعمرة ، وشمل الوطء الحلال والحرام ووطء المكلف وغيره كما صرح به في المحيط وصرح الولوالجي بأن الصبي والمعتوه يفسد حجهما بالجماع لكن لا دم عليهما ، وفي مناسك ابن الضياء : وإذا جامع الصبي حتى فسد حجه لا يلزمه شيء . انتهى .

                                                                                        وبهذا ظهر ضعف ما في فتح القدير من قوله ، ولو كان [ ص: 17 ] الزوج صبيا يجامع مثله فسد حجها دونه ، ولو كانت هي صبية أو مجنونة انعكس الحكم . انتهى . فإن هذا الحكم تعلق بعين الجماع وبالعذر لا ينعدم الجماع فلا ينعدم الحكم المتعلق به ، وإنما لم يلزمهما حكم الفساد لما فيه من الضرر ويؤيده أن المفسد للصلاة والصوم لا فرق بين المكلف وغيره فكذلك الحج وشمل ما إذا تعدد الجماع فإنه يلزمه دم واحد إن كان المجلس متحدا سواء كان لامرأة أو نسوة أما إذا تعدد المجلس ، ولم يقصد به رفض الحجة الفاسدة لزمه دم آخر عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ولو نوى بالجماع الثاني رفض الفاسدة لا يلزمه بالثاني شيء كذا في فتاوى قاضي خان مع أن نية الرفض باطلة ; لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد ، وهو تعجيل الإحلال كانت متحدة فكفاه دم واحد ولهذا نص في ظاهر الرواية أن المحرم إذا جامع النساء ورفض إحرامه ، وأقام يصنع ما يصنعه الحلال من الجماع والطيب ، وقتل الصيد عليه أن يعود كما كان حراما ويلزمه دم واحد كما ذكره في المبسوط .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ويقوم الشرك في البدنة مقامها ) مخالف لما مر كما نبهنا عليه أوائل باب الجنايات ( قوله : فلا يفسد مطلقا ) قال : الرملي أي سواء أنزل أو لم ينزل ، وقد ألحقوا التي لا تشتهى بالبهيمة كما تقدم في الصوم ، وهو يقتضي عدم الفساد بوطء الميتة والصغيرة التي لا تشتهى تأمل ( قوله : ولو استدخلت ذكر الحمار إلخ ) لينظر ما الفرق بين هذا وبين ما مر من أنه لو أتى بهيمة فأنزل لم يفسد حجه ، وعليه دم ، وإلا فلا شيء عليه ( قوله : ولا يجوز إطعام المولى ) أي أو غيره ، وقيل يجوز لباب ونقل شارحه الأول عن البدائع وغيره والثاني أي الجواز عن الكرماني ثم قال : لكن بقي ما إذا استدان ، وهو مأذون أو مكاتب لم أر من تعرض له مع أنه أولى بالجواز من التبرع عنه .

                                                                                        ( قوله : وشمل الوطء الحلال والحرام ) أي الوطء لحليلته أو لأجنبية ، وإلا فالوطء هنا كله حرام يعارض الإحرام ( قوله : وبهذا ظهر ضعف ما في فتح القدير ) قال في النهر : ويدل على ذلك قولهم لو أفسد الصبي حجه لا قضاء عليه ، ولا يتأتى ذلك بغير الجماع . ا هـ .

                                                                                        قال في الشرنبلالية وفيه تأمل ; لأن [ ص: 17 ] الفساد لا ينحصر في الجماع إذ يكون بفوت الوقوف بعرفة ( قوله : ; لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال ) قال في الشرنبلالية ينظر فيه مع ما سنذكره من تحليل المولى أمته بنحو قص ظفر وبالجماع ، وإن كان لا ينبغي له فعله ابتداء . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال المنظور إليه هنا خصوص هذا المجامع ، وهو ، ولا يخرج إلا بالأعمال ( قوله : لكن لما كانت المحظورات إلخ ) يعني أنه ، وإن أخطأ في تأويله يرتفع عنه الضمان لما ذكر فإن التأويل الفاسد معتبر في رفع الضمان كالباغي إذا أتلف مال العادل فإنه لا يضمن ; لأنه أتلف عن تأويل كما في الشرنبلالية عن الكافي ( قوله : ولهذا نص في ظاهر الرواية إلخ ) قال في اللباب اعلم أن المحرم إذا نوى رفض الإحرام فجعل يصنع ما يصنعه الحلال من لبس الثياب والتطيب والحلق والجماع ، وقتل الصيد فإنه لا يخرج بذلك من الإحرام ، وعليه أن يعود كما كان محرما ويجب دم واحد لجميع ما ارتكب ، ولو كل المحظورات ، وإنما يتعدد الجزاء بتعدد الجنايات إذا لم ينو الرفض ثم نية الرفض إنما تعتبر ممن زعم أنه خرج منه بهذا القصد لجهله مسألة عدم الخروج ، وأما من علم أنه لا يخرج منه بهذا القصد فإنها لا تعتبر منه . ا هـ . قال شارحه ، وكذا ينبغي أن لا يعتبر منه إذا كان شاكا في المسألة أو ناسيا لها .




                                                                                        الخدمات العلمية