الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولا فوت لعمرة ) لعدم توقيتها بالإجماع ( قوله : وهي طواف وسعي ) أي أفعال العمرة طواف بالبيت سبعة أشواط وسعي بين الصفا والمروة ، وليس مراده بيان ماهيتها ; لأن ركنها الطواف فقط ، وأما السعي فواجب ، وإنما لم يصرح بوجوبه فيها للعلم به من الحج ; لأن السعي فيه واجب ففي العمرة أولى ، ولم يذكر الإحرام ; لأنه شرط في النسكين حجا كان أو عمرة ، ولم يذكر الحلق ; لأنه محلل مخرج منها ، وهو من واجباتها كما في فتاوى قاضي خان ، وهي في اللغة بمعنى الزيارة يقال اعتمر فلان فلانا إذا زاره ، وفي المغرب أن أصلها القصد إلى مكان عامر ثم غلب على القصد إلى مكان مخصوص .

                                                                                        ( قوله : وتصح في السنة ، وتكره يوم عرفة ويوم النحر ، وأيام التشريق ) لما قدمنا أنها لا تتوقف ، وقد { اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته } كما في صحيح البخاري ثم المراد بالأربعة إحرامه بهن فأما ما تم له منها فثلاث الأولى عمرة الحديبية سنة ست فأحصر بها فنحر الهدي بها وحلق هو وأصحابه ، ورجع إلى المدينة . الثانية عمرة القضاء في العام المقبل ، وهي قضاء عن الحديبية هذا مذهب أبي حنيفة وذهب مالك إلى أنها مستأنفة لا قضاء عنها وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر في خلافه ، وعدم نقل أنه عليه السلام أمر الذين كانوا معه بالقضاء لا يفيد بل المفيد له نقل العدم لا عدم النقل نعم هو مما يؤنس به في عدم الوقوع ; لأن الظاهر أنه لو كان لنقل لكن ذلك إنما يعتبر لو لم يكن من الثابت ما يوجب القضاء في مثله على العموم فيجب الحكم بعلمهم به ، وقضائها من غير تعيين طريق علمي الثالثة : عمرته التي قرن مع حجته على قولنا أو التي تمتع بها إلى الحج على قول القائلين أنه حج متمتعا أو التي اعتمرها في سفره ذلك على قول القائلين بأنه أفرد واعتمر ، ولا عبرة بالقول الرابع .

                                                                                        الرابعة عمرته من الجعرانة كذا في فتح القدير ، وأطلق في المختصر الكراهة فانصرفت الكراهة إلى كراهة التحريم ; لأنها المحمل عند إطلاقها ويدل عليه ما عن عائشة رضي الله عنها قالت حلت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام يوم عرفة ويوم النحر ويومان بعد ذلك ، وعن ابن عباس أنها خمسة وذكر ثلاثة أيام التشريق ، وأطلق في كراهتها يوم عرفة فشمل ما قبل الزوال ، وما بعده ، وهو المذهب خلافا لما عن أبي يوسف أنها لا تكره قبل الزوال ، وأفاد بالاقتصار على الخمسة أنها لا تكره في أشهر الحج ، وهو الصحيح عند أهل العلم كما في غاية البيان ، ولا فرق بين المكي والآفاقي واختلفوا في أفضل أوقاتها فبالنظر إلى فعله عليه السلام فأشهر الحج أفضل وبالنظر إلى قوله فرمضان أفضل للحديث الصحيح { عمرة في رمضان تعدل حجة } ، وقد وقع في الينابيع هنا غلط فاجتنبه ، وهو أنه قال : تكره العمرة في خمسة أيام وذكر منها يوم الفطر بدل يوم عرفة كما نبه عليه في غاية السروجي ، وفي فتاوى قاضي خان [ ص: 63 ] تكره العمرة في خمسة أيام لغير القارن . ا هـ .

                                                                                        وهو تقييد حسن وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة لا إلى الخمسة كما لا يخفى ، وأن يلحق المتمتع بالقارن . ( قوله : وهي سنة ) أي العمرة سنة مؤكدة ، وهو الصحيح في المذهب ، وقيل بوجوبها وصححه في الجوهرة واختاره في البدائع ، وقال : إنه مذهب أصحابنا ، ومنهم من أطلق اسم السنة ، وهذا لا ينافي الوجوب . ا هـ .

                                                                                        والظاهر من الرواية ما في المختصر فإن محمدا نص في كتاب الحجر أن العمرة تطوع ، وليس بينهما كبير فرق كما قدمناه مرارا واستدل لها في غاية البيان بما رواه الترمذي وصححه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم { سئل عن العمرة أواجبة هي قال : لا ، وأن تعتمروا هو أفضل } ، وأما قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فالإتمام بعد الشروع ، ولا كلام لنا فيه ; لأن الشروع ملزم ، وكلامنا فيما قبل الشروع والمراد أنها سنة في العمر مرة واحدة فمن أتى بها مرة فقد أقام السنة غير مقيد بوقت غير ما ثبت النهي عنها فيه إلا أنها في رمضان أفضل هذا إذا أفردها فلا ينافيه أن القران أفضل ; لأن ذلك أمر يرجع إلى الحج لا العمرة فالحاصل أن من أراد الإتيان بالعمرة على وجه أفضل فيها ففي رمضان أو الحج على وجه أفضل فبأن يقرن معه عمرة .

                                                                                        ثم اعلم أن للعمرة معنى لغويا ، ومعنى شرعيا وسببا وركنا وشرائط وجوب وشرائط صحة وواجبات وسننا وآدابا ، ومفسدا كالحج ، وقد بينا معناها وركنها وواجباتها ، وأما سببها فالبيت وشرائط وجوبها وصحتها ما هو شرائط الحج إلا الوقت ، وأما سننها وآدابها فما هو سنن الحج وآدابه إلى الفراغ من السعي ، وأما مفسدها فالجماع قبل طواف الأكثر من السبعة كذا في البدائع وغيره ، وقد قدمنا أنه ليس لها طواف الصدر ، وقال الحسن بن زياد يجب عليه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : نعم هو ) أي عدم نقل الأمر بالقضاء مما يؤنس به في عدم وقوع الأمر بحسب الظاهر ، وإلا لنقل لا أنه يصلح دليلا على عدمه ، وقوله لكن ذلك إلخ جواب عن الاستئناس المذكور ، وحاصله أن دليل الوجوب مطلقا ثابت فيجب الحكم بعلمهم به ، وقضائها كما هو مقتضى ذلك الدليل من غير تعيين من أين علموا بذلك ( قوله : من غير تعيين طريق علمي ) الذي في الفتح طريق علمهم بإضافته إلى ضمير الجماعة ( قوله : ولا عبرة بالقول الرابع ) لعل المراد به أنه عليه السلام حج ، ولم يعتمر ( قوله : ولا فرق بين المكي والآفاقي ) ، وأما ما في اللباب من قوله ويكره فعلها في أشهر الحج لأهل مكة ، ومن بمعناهم . ا هـ .

                                                                                        أي من المقيمين ، ومن في داخل الميقات فقال شارحه ; لأن الغالب عليهم أن يحجوا في سنتهم فيكونوا متمتعين ، وهم عن التمتع ممنوعون ، وإلا فلا منع للمكي عن العمرة المفردة [ ص: 63 ] في أشهر الحج إذا لم يحج ، ومن خالف فعليه البيان ، وإتيان البرهان . ا هـ .

                                                                                        وهو رد على ما في الفتح كما تقدم مبسوطا في باب التمتع ( قوله : وينبغي أن يكون راجعا إلى يوم عرفة إلخ ) قال في النهر هذا ظاهر في أنه فهم أن معنى ما في الخانية من استثناء القارن أنه لا بد له من العمرة ليبني عليها أفعال الحج ، ومن ثم خصه بيوم عرفة ، وهو غفلة عن كلامهم فقد قال في السراج : وتكره العمرة في هذه الأيام أي يكره إنشاؤها بالإحرام أما إذا أداها بإحرام سابق كما إذا كان قارنا ففاته الحج ، وأداء العمرة في هذه الأيام لا يكره ، وعلى هذا فالاستثناء الواقع في الخانية منقطع ، ولا اختصاص ليوم عرفة . ا هـ .

                                                                                        لأنه إذا كان المراد كراهة الإنشاء لا يكون القارن داخلا ; لأنه غير منشئ فإخراجه مما قبله منقطع فلا يكره في حقه أداؤها في الخمسة قلت : ، ولا يخفى عليك أن المتبادر من القارن في كلام الخانية المدرك لا فائت الحج وحينئذ فلا شك أن عمرته لا تكون بعد يوم عرفة ; لأنها تبطل بالوقوف ، وليس في كلام المؤلف تعرض لمن فاته الحج ، ولا ; لأن الاستثناء متصل أو منقطع فمن أين جاءت الغفلة ( قوله : ثم اعلم إلخ ) قال في اللباب : وأحكام إحرامها كإحرامه .




                                                                                        الخدمات العلمية