الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ودم الإحصار على الآمر ودم القران ودم الجناية على المأمور ) ; لأن الآمر هو الذي أدخله في هذه العهدة فعليه خلاصه ، وأراد من الآمر المحجوج عنه فشمل الميت فإن دم الإحصار من ماله ثم قيل هو من ثلث ماله ; لأنه صلة كالزكاة وغيرها ، وقيل من جميع المال ; لأنه وجب حقا للمأمور فصار دينا كذا في الهداية ، وإذا تحلل المأمور المحصر بذبح الهدي فعليه الحج من قابل بمال نفسه ، ولا يكون ضامنا للنفقة كفائت الحج لعدم المخالفة ، وعليه الحج من قابل بمال نفسه كذا قالوا ، ولم يصرحوا بأنه في الإحصار والفوات إذا قضى الحج هل يكون عن الآمر أو يقع للمأمور ، وإذا كان للآمر فهل يجبر على الحج من قابل بمال نفسه ، وإنما وجب دم القران على المأمور باعتبار أنه وجب شكرا لما وفقه الله تعالى من الجمع بين النسكين والمأمور هو المختص بهذه النعمة ; لأن حقيقة الفعل منه ، وإن كان الحج يقع عن الآمر ; لأنه وقوع شرعي ووجوب دم الشكر مسبب عن الفعل الحقيقي الصادر من المأمور .

                                                                                        وأطلق في القران فشمل ما إذا أمره واحد بالقران فقرن أو أمره واحد بالحج وآخر بالعمرة ، وأذنا له في القران وبقي صورتان يكون بالقران فيهما مخالفا إحداهما ما إذا لم يأذنا له بالقران فقرن عنهما ضمن نفقتهما الثانية ما إذا أمره بالحج مفردا فقرن فإنه يكون ضامنا للنفقة لا ; لأن الإفراد أفضل من القران بل ; لأنه أمره بإفراد سفر له ، وقد خالف ، وفي الثانية خلافهما هما يقولان هو خلاف إلى خير ، وهو يقول إنه لم يأمره بالعمرة ، ولا ولاية لأحد في إيقاع نسك عن غيره بغير أمره فصار كما لو أمره بالإفراد فتمتع فإنه يكون مخالفا اتفاقا ، وأراد بالقران دم الجمع بين النسكين قرانا كان أو تمتعا كما صرح به في غاية البيان لكن بالإذن المتقدم ، وأطلق في دم الجناية فشمل دم الجماع ودم جزاء الصيد ودم الحلق ودم لبس المخيط والطيب ودم المجاوزة بغير إحرام ، وإنما وجب على المأمور وحده باعتبار أنه تعلق [ ص: 71 ] بجنايته لكن في الجناية بالجماع تفصيل إن كان قبل الوقوف ضمن جميع النفقة ; لأنه صار مخالفا بالإفساد ، وإن بعده فلا ضمان والدم على المأمور على كل حال ، وإذا فسد حجه لزمه الحج من قابل بمال نفسه ، وفيه ما تقدم من التردد في وقوعه عن الآمر ، ولو أتم الحج إلا طواف الزيارة فرجع ، ولم يطفه فهو حرام على النساء ويعود بنفقة نفسه ويقضي ما بقي عليه ; لأنه جان في هذه الصورة أما لو مات بعد الوقوف قبل الطواف جاز عن الآمر ; لأنه أدى الركن الأعظم كذا قالوا ، وقد قدمنا في أول كتاب الحج فيه بحثا ، وأعظمية أمرها إنما هو للأمن من الإفساد بعده لا ; لأنه يكفي فيجب على الآمر الإحجاج ، وفي فتح القدير ، وأما دم رفض النسك ، ولا يتحقق ذلك إذا تحقق إلا في مال الحاج ، ولا يبعد لو فرض أنه أمره بحجتين معا ففعل حتى ارتفضت إحداهما كونه على الآمر ، ولم أره والله سبحانه أعلم . ا هـ .

                                                                                        ولو اختلف المأمور والورثة أو الوصي فقال : وقد أنفق من مال الميت منعت من الحج ، وكذبه الآخر لا يصدق ويضمن إلا أن يكون أمرا ظاهرا يشهد على صدقه ; لأن سبب الضمان قد ظهر فلا يصدق في دفعه إلا بظاهر يدل على صدقه ، ولو اختلفا فقال : حججت ، وكذبه الآمر كان القول للمأمور مع يمينه ; لأنه يدعي الخروج عن عهدة ما هو أمانة في يده ، ولا تقبل بينة الوارث أو الوصي أنه كان يوم النحر بالبلد ; لأنها شهادة على النفي إلا أن يقيما على إقراره أنه لم يحج أما لو كان الحاج مديونا للميت أمره أن يحج بما له عليه وباقي المسألة بحالها فإنه لا يصدق إلا ببينة ; لأنه يدعي قضاء الدين هكذا في كثير من الكتب ، وفي خزانة الأكمل القول له مع يمينه إلا أن يكون للورثة مطالب بدين الميت فإنه لا يصدق في حق غريم الميت إلا بالحجة ، والقواعد تشهد للأول فكان عليه المعول .

                                                                                        [ ص: 70 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 70 ] ( قوله : وعليه الحج من قابل بمال نفسه ) مكروه مع ما قبله ، وأظن أنه تغيير من سبق القلم والأصل ، وعليه الحج من قابل في نفسه ; لأن عبارة السراج عن الكرخي فلا يلزمه الضمان ، وعليه في نفسه الحج من قابل ; لأن الحج لزمه بالدخول إلى آخر ما يأتي عن النهر ( قوله : ولم يصرحوا بأنه في الإحصار والفوات إلخ ) قال : في النهر علله في السراج بأن الحج لزمه بالدخول فإن فات لزمه قضاؤه ، وهو ظاهر على قول محمد إن الحج يقع عن الحاج . ا هـ .

                                                                                        يعني ، وعلى قول غيره من أنه يقع عن الآمر فينبغي أن يكون القضاء عنه وتلزمه النفقة . ا هـ .

                                                                                        قلت : رأيت في التتارخانية ما هو صريح في الجواب قال : وفي المنتقى إذا أوصى أن يحج عنه فأحج الوصي عنه رجلا فأحرم الرجل بالحج عن الميت ثم قدم ، وقد فاته الحج قال محمد رحمه الله يحج عن الميت من بلده إذا بلغت النفقة ، وإلا فمن حيث بلغ ، وعلى المحرم قضاء الحج الذي فات عن نفسه ، ولا ضمان عليه فيما أنفق ، ولا نفقة له بعد الفوت . ا هـ .

                                                                                        وفيها قبل هذا بنحو ورقة التهذيب قال أبو يوسف الحاج عن الغير إذا فسد حجه قبل الوقوف عليه ضمان النفقة ، وعليه الحج الذي أفسده ، وعمرة وحجة للآمر ، ولو فاته الحج لا يضمن ; لأنه أمين ، وعليه قضاء الفائت وحج عن الآمر ثم قال : وفي الحاوي ، وإن كان شغله حوائج نفسه حتى فاته الحج فإنه ضامن للنفقة ، ولو حج بعد ذلك من قابل من ماله عن الميت يجوز عن الميت . ا هـ .

                                                                                        نقله في السراج ثم قال : وقال زفر لا يجزئه عنه ويضمن المال ، وإن فاته الحج بآفة سماوية أو بمرض أو سقط من البعير قال محمد لا يضمن النفقة ونفقته في رجوعه من ماله خاصة ثم نقل عن الكرخي ما قدمناه من أنه لا يلزمه الضمان ، وعليه في نفسه الحج من قابل إلى آخر ما ذكره في النهر والذي تحرر من هذه النقول أنه إما أن يفوته بتقصيره أو لا ففي الأول يضمن النفقة ويحج من قابل عن الميت من ماله كما في الحاوي ، وفي الثاني لا يضمن النفقة ، ويحج من قابل عن نفسه على ما في المنتقى والسراج ، وأما على ما في التهذيب فعن الآمر ، والظاهر أن الأول قول محمد كما صرح به في المنتقى والثاني قول أبي يوسف كما هو ظاهر عبارة التهذيب ويدل عليه ما مر في النهر عن السراج ثم على ما في التهذيب من أنه عن الآمر ظاهر قوله ، وعليه قضاء الفائت وحج عن الآمر أنه يجبر عليه من ماله والظاهر أن قوله وحج عن [ ص: 71 ] الآمر هو المراد بقضاء الفائت لا غيره تأمل .

                                                                                        ( قوله : وفيه ما تقدم من التردد في وقوعه عن الآمر ) قد علمت مما مر عن التتارخانية عن التهذيب أنه إذا أفسده قبل الوقوف عليه قضاء الحج الذي أفسده ، وعمرة وحجة للآمر وصرح في المعراج بأن الأصح أن عليه حجة أخرى للآمر سوى القضاء فيحج عن نفسه ثم عن الآمر . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : فيجب على الآمر الإحجاج ) لا يخفى أنه بحث مع المنقول ، وقد مر جوابه عن المقدسي .




                                                                                        الخدمات العلمية