الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن استأذنها غير الولي فلا بد من القول كالثيب ) أي فلا يكفي السكوت ; لأنه لقلة الالتفات إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضا ولو وقع فهو محتمل والاكتفاء بمثله للحاجة ولا حاجة في غير الأولياء ، بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي ; لأنه قائم مقامه ، وكذلك الثيب لا يكتفى بسكوتها ; لأن النطق لا يعد عيبا وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق في حقها واستدل له في الهداية بقوله صلى الله عليه وسلم { والثيب تشاور } ، ووجهه أن المشاورة لا تكون إلا بالقول وخرج عن حقيقته في البكر بقرينة آخر الحديث { وإذنها صماتها } ولم يوجد مثلها في الثيب وبه اندفع ما ذكره في التبيين والمراد بالثيب هنا البالغة إذ الصغيرة لا تستأذن [ ص: 124 ] ولا يشترط رضاها كما في المعراج وأورد في التبيين أيضا على اشتراط القول أن الرضا بالقول لا يشترط في حق الثيب أيضا بل رضاها هنا يتحقق تارة بالقول كقولها رضيت وقبلت وأحسنت وأصبت أو بارك الله لنا ولك ونحوها وتارة بالدلالة كطلب مهرها ونفقتها أو تمكينها من الوطء وقبول التهنئة والضحك بالسرور من غير استهزاء ، فثبت بهذا أنه لا فرق بينهما في اشتراط الاستئذان والرضا وإن رضاهما قد يكون صريحا ، وقد يكون دلالة غير أن سكوت البكر رضا دلالة لحيائها دون الثيب ; لأن حياءها قد قل بالممارسة فلا يدل على الرضا ا هـ .

                                                                                        ورده في فتح القدير بأن الحق أن الكل من قبيل القول إلا التمكين فيثبت بدلالة نص إلزام القول ; لأنه فوق القول ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر ; لأن قبول التهنئة ليس بقول ، وإنما هو سكوت ولذا جعلوه من مسائل السكوت وليس هو فرق القول ، وأما الضحك فذكر في فتح القدير أولا أنه كالسكوت لا يكفي وسلم هنا أنه يكفي وجعله من قبيل القول ; لأنه حروف ، ودخل تحت غير الولي الولي الأبعد مع الأقرب لما قدمنا من أن المراد بالولي من له ولاية الاستحباب وليس للأبعد مع وجود الأقرب ذلك فهو غير ولي ، وكذا لو كان الأب كافرا أو عبدا أو مكاتبا فهو غير ولي فحينئذ لا حاجة إلى جعلها مسألتين كما في الهداية إحداهما : إذا استأذنها غير الولي

                                                                                        والثانية : أن يستأذنها ولي غيره أولى منه لدخول الثانية تحت الأولى وفي المحيط والظهيرية والثيب إذا قبلت الهدية فليس برضا ولو أكلت من طعامه أو خدمته كما كانت فليس برضا دلالة زاد في الظهيرية ولو خلا بها برضاها هل يكون إجازة ؟ لا رواية لهذه المسألة ، قال رحمه الله وعندي أن هذه إجازة ، وقد قدمنا أن رسول الولي كهو ، وأما وكيله ، فقال في القنية لو وكل رجلا في تزويجها قبل الاستئمار ثم استأمرها الوكيل بذكر الزوج ، وقدر المهر فسكتت فزوجها جاز وسكوت البكر عند العلم بنكاح وكيل الأب كسكوتها عند نكاح الأب ا هـ .

                                                                                        وفيها قبله استأمر البكر فسكتت فوكل من يزوجها ممن سماه جاز إن عرفت الزوج والمهر ا هـ .

                                                                                        وهو مشكل ; لأنها لما سكتت عند استئماره فقد صار الولي وكيلا عنها كما قدمناه وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن أو باعمل برأيك كما سيأتي في المختصر فمقتضاه عدم الجواز أو تخصيص مسألة بغير الولي ولاية استحباب وإن كان وكيلا في الحقيقة ، وقد فرع في القنية على كونه وكيلا بالسكوت ما لو استأمرها في نكاح رجل بعينه فسكتت أو أذنت ثم جرى على لسان الزوج قبل الزفاف ما وقع به الفرقة فليس له أن يزوجها منه بحكم ذلك الإذن ; لأنه انتهى بالعقد ا هـ .

                                                                                        فلو زوجها ولم يبلغها الطلاق ولا التزويج الثاني فمكنته من نفسها هل يكون إجازة لعقد الولي الذي هو كالفضولي فيه ؟ الظاهر أنه لا يكون إجازة ; لأنه إنما جعل إجازة لدلالته على الرضا وهو فرع علمها بعقد الثاني ولم أره منقولا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وبه اندفع ما ذكره في التبيين ) حيث قال وليس في الحديث [ ص: 124 ] دلالة على اشتراط النطق فإن البكر أيضا تشاور . ( قوله وفيه نظر ; لأن قبول التهنئة إلخ ) أقره في النهر وأجاب بعضهم بأنه غير وارد ; لأنه قال من قبيل القول لا من القول وقبول التهنئة ينزل منزلة القبول في الرضا ا هـ .

                                                                                        وأنت خبير بأنه لو صح ذلك لما احتيج إلى استثناء التمكين وأيضا حينئذ يلزم عليه تسليم الإيراد المقصود رده إذ لا شك أن الزيلعي يسلم أن ما ذكر من قبيل القول في الإلزام ، وإنما النزاع في اشتراط خصوص القول . ( قوله وهو مشكل ; لأنها لما سكتت إلخ ) نقله في النهر وأقره وقال في الرمز أنت خبير بأن الذي استأمرها هو الوكيل وسكوتها له كسكوتها لوليها فهي راضية بفعله فهو الوكيل عنها ، وإنما ترد الشبهة لو كان رسولا في استئمارها فافهم ا هـ .

                                                                                        قلت : وفيه غفلة عن منشأ الإشكال فإن منشأه المسألة المذكورة في قوله وفيها قبله إلخ ولعلها ساقطة من نسخة البحر التي وقعت للمجيب فلا لوم عليه .




                                                                                        الخدمات العلمية