الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لذوي الأرحام ثم للحاكم ) ، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله رحمه الله تعالى وعندهما ليس لغير العصبات من الأقارب ولاية ، وإنما الولاية للحاكم بعد العصبات لحديث { الإنكاح إلى العصبات } ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة ، وقد اختلفوا في قول أبي يوسف ففي الهداية الأشهر أنه مع محمد وفي الكافي الجمهور أنه مع أبي حنيفة وفي التبيين والجوهرة والمجتبى والذخيرة الأصح أنه مع أبي حنيفة وفي تهذيب القلانسي

                                                                                        وروى ابن زياد عن أبي حنيفة وهو قولهما لا يليه إلا العصبات وعليه الفتوى ا هـ .

                                                                                        وهو غريب لمخالفته المتون الموضوعة لبيان الفتوى ولم يذكر المصنف بعد الأم البنت ; لأنه خاص بالمجنون والمجنونة فبعد الأم البنت ثم بنت الابن ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت وأطلق في ولد الأم فشمل الذكر والأنثى ، وذكر الشارح أن بعد ولد الأم ولده ، وأفاده المصنف رحمه الله بتقديم الأم على الأخت تضعيف ما نقله في المستصفى عن شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله ونقله في التجنيس عن عمر النسفي رحمه الله من أن الأخت الشقيقة أولى من الأم ; لأنها من قبل الأب ،

                                                                                        ووجه ضعفه أن الأم أقرب منها وصرح في الخلاصة بأنه يفتى بتقديم الأم على الأخت وسيأتي في آخر المختصر أن ذا الرحم قريب ليس بذي سهم ولا عصبة وأن ترتيبهم كترتيب العصبات فتقدم العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات كترتيب الإرث وهو قول الأكثر ، وظاهر كلام المصنف أن الجد الفاسد مؤخر عن الأخت ; لأنه من ذوي الأرحام ، وذكر المصنف في المستصفى أن الجد الفاسد أولى من الأخت عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث وفي فتح القدير وقياس ما صح في الجد والأخ من تقدم الجد الفاسد على الأخت ا هـ .

                                                                                        فثبت بهذا أن المذهب أن الجد الفاسد بعد الأم قبل الأخت وفي القنية أم الأب في التزويج من الأم وأطلق في نفي العصبة فشمل العصبة النسبية والسببية فمولى العتاقة ، ثم عصبته على الترتيب السابق يقدمان على الأم ولم يذكر المصنف مولى الموالاة وهو الذي أسلم أبو الصغير على يديه ووالاه ، قالوا : إن آخر [ ص: 134 ] الأولياء مقدم على القاضي ; لأن هذا العقد يفيد الخلافة في الإرث فيفيد في الإنكاح كالعصبات ، وأطلق في الحاكم فشمل الإمام والقاضي لكن قالوا : إن القاضي إنما يملك ذلك إذا كان ذلك في عهده ومنشوره فإن لم يكن ذلك في عهده لم يكن وليا كذا في الظهيرية وغيرها وفي المجتبى ما يفيد أن لنائب القاضي ولاية التزويج حيث كان القاضي كتب له في منشوره ذلك فإنه قال : ثم السلطان ثم القاضي ونوابه إذا اشترط في عهده تزويج الصغار والصغائر وإلا فلا ا هـ .

                                                                                        بناء على أن هذا الشرط إنما هو في حق القاضي دون نوابه ويحتمل أن يكون شرطا فيهما فإذا كتب في منشور قاضي القضاة فإن كان ذلك في عهد نائبه منه ملكه النائب وإلا فلا ، ولم أر فيه منقولا صريحا وفي الظهيرية

                                                                                        فإن زوجها القاضي ولم يأذن له السلطان ثم أذن له بذلك فأجاز القاضي ذلك جاز استحسانا وفي غاية البيان ولو زوج القاضي الصغيرة من ابنه كان باطلا ، وكذا إذا باع مال اليتيم من نفسه لا يجوز ; لأنه حكم وحكمه لنفسه لا يجوز ولو اشترط من وصي اليتيم يجوز وإن كان القاضي أقامه وصيا ; لأنه نائب عن الميت لا عن القاضي ا هـ .

                                                                                        وعلله في فتح القدير بأنه كالوكيل لا يجوز عقده لابنه قال والإلحاق بالوكيل يكفي للحكم مستغن عن جعل فعله حكما مع انتفاء شرطه . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 133 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 133 ] قول المصنف فالولاية للأم ) قال الرملي لم يذكر أم الأم وفي الجوهرة وأولاهم الأم ثم الجدة ثم الأخت لأب وأم إلى آخر ما ذكر وفي شرح المجمع لابن الملك والأم وأقاربها كالجدة والخال والخالة ومثله في شرح المصنف ا هـ .

                                                                                        أقول : لا يظهر من عبارة المجمع مرتبة الجدة في أنها مقدمة على الأخت كما هو صريح عبارة الجوهرة ، وقد أغفل في كثير من الكتب المعتبرة ذكر الجدة وممن صرح بذكرها وبتقديمها على الأخت كما في الجوهرة العلامة قاسم في شرح النقاية عنه الشرنبلالي في رسالة له خاصة وقال : ولم يقيد الجدة بكونها لأم أو لأب غير أن السياق يقتضي أنها الجدة لأم وعلى ذلك لا يعلم حكم الجدة لأب هل تقدم على الجدة لأم أو تتأخر عنها أو تزاحمها في ولاية التزويج ثم نقل الشرنبلالي ما يأتي عن القنية من أن أم الأب أولى من الأم

                                                                                        وقال : فعلى هذا تكون أم الأب متقدمة على أم الأم لتقدمها على الأم لكن المتون تقتضي خلاف ما في القنية ففي الكنز جعل الأم تلي العصبة فيقدم ما في المتون ، وقد يقال حيث ذكر في القنية تقدم أم الأب على الأم عارضه الكنز كانت أم الأب تلي الأم بطريق الدلالة لكن يعارضه سياق الشيخ قاسم الذي يقتضي أن الجدة هي التي لأم فتلي الأم ، وقد يقال إن الجدة التي لأم والجدة التي لأب رتبتهما واحدة فتثبت ولاية التزويج لهما في رتبة واحدة لعدم المرجح من أقربية واحدة ، وقد يقال : إن قرابة الأب لها حكم العصبة فتقدم أم الأب على أم الأم فليتأمل ا هـ .

                                                                                        قلت : وهذا الذي جزم به الرملي كما سيأتي .

                                                                                        ( قوله ثم بنت بنت البنت ) قال الرملي ثم أم الأب ثم أم الأم ثم الجد الفاسد وعليك أن تتأمل في هذا وفيما يأتي . ( قوله وفي القنية أم الأب أولى إلخ ) قال الرملي قال في النهر هذا الترتيب يعني ترتيب الكنز هو المفتى به كما في الخلاصة وحكى عن خواهر زاده وعمر النسفي تقديم الأخت على الأم ; لأنها من قوم الأب أقول : وينبغي أن يخرج ما في القنية على هذا القول ا هـ .

                                                                                        فقد علمت به ضعف ما في القنية ; لأنه مقابل لما عليه الفتوى وقيد فيها بالأم ; لأن الجدة [ ص: 134 ] لأب أولى من الجدة لأم قولا واحدا فتحصل بعد الأم أم الأب ثم أم الأم ثم الجد الفاسد تأمل ا هـ . كلام الرملي .

                                                                                        ( قوله وفي المجتبى ما يفيد إلخ ) قال في النهر إن ما في المجتبى لا يفيد عدم اشتراط تفويض الأصيل للنائب كما توهمه في البحر . ا هـ .

                                                                                        قال الرملي ، أقول : كيف لا يفيد مع إطلاقه في نوابه ، والمطلق يجري على إطلاقه ، ووجهه أنه لما فوض لهم ما له ولايته التي من جملتها تزويج الصغار والصغائر صار ذلك من جملة ما فوض إليهم ، وقد تقرر أنهم نواب السلطان حيث أذن له بالاستنابة عنه فيما فوضه إليه ، وقد قال في الخلاصة والبزازية : ولا ولاية للقاضي إلا إذا كان وليا قريبا ا هـ .

                                                                                        وهو محمول على ما إذا كان في عهده ومنشوره ، وأقول : حيث قلنا بأنه ولي لوجود ذلك يدخل في المجيز الذي يتوقف نكاح الفضولي على إجازته حيث لا ولي غيره وهي واقعة الفتوى تأمل ا هـ .

                                                                                        قلت : وقد ذكر المسألة الطرسوسي في أنفع الوسائل حيث قال : الظاهر أن النائب الذي لم ينص له القاضي على تزويج الصغار لا يملكه ; لأنه إن كان فوض إليه الحكم بين الناس فهذا مخصوص بالمرافعات وإن قال استنبتك في الحكم فكذلك لا يتعدى إلى التزويج

                                                                                        أما لو قال له استنبتك في جميع ما فوض إلي السلطان فيملك ; لأنه استنابه في التزويج أيضا حيث عمم له الولاية ، ثم قال الطرسوسي وهل يقال إنه إذا ملك التزويج في هذه الصورة هل له أن يأذن لأحد في التزويج أم لا ؟ ليس له ذلك ; لأن ولايته في المعنى من السلطان وهو لم يأذن له في ذلك فلم يملكه فبقي كأحد العقاد المأذون لهم من الحاكم الأصل ; لأنه استفاد التزويج من جهة القاضي لا من السلطان ولأنه بمنزلة الوكيل عن القاضي وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن وهل يكون تزويجه هذا بمنزلة تزويجه إذا كانت الولاية له ويكون حكما أم لا ، وكذا هل يملك ذلك لابنه ولمن لا يجوز قضاؤه له أم لا ؟ الظاهر : أنه لا يكون حكما ويملك مباشرته لابنه ونحوه ولقائل أن يمنع ويساوي بين هذا وبين الأول من حيث إن القاضي ولي أبعد فإذا أذن له الأقرب باشر أهليته وبولايته بخلاف غيره من الناس إذا باشر بوكالة من الولي ; لأنه لا ولاية له أصلا فهو وكيل محض ا هـ . ملخصا .

                                                                                        ( قوله وعلله في فتح القدير ) قال في النهر أقول : الإلحاق بالوكيل يقتضي أنه لو تزوج أو باع من ابنه أكثر من القيمة ومن مهر المثل جاز إذ لا خلاف في جواز بيع الوكيل ممن لا تقبل شهادته له بذلك وتعليلهم بأن فعله حكم يقتضي المنع مطلقا وهو الظاهر وأيضا الوكيل يلحقه العهدة والقاضي لا عهدة عليه ، وقد نص محمد في الأصل أن الورثة لو طلبوا القسمة وفيهم غائب أو صغير قال الإمام لا أقسم بينهم ولا أقضي على الوارث والصغير ; لأن قسمة القاضي قضاء منه وحيث على ذلك نص الإمام لم يبق للبحث فيه مجال . فإن قلت : فماذا تفعل فيما اتفقت كلمتهم عليه من أن شرط نفاذ القضاء في المجتهدات أن يصير الحكم حادثة تجري فيه خصومة صحيحة عند القاضي من خصم على خصم ، قلت : الظاهر إنه محمول على الحكم القولي أما الفعلي فلا يشترط فيه ذلك توفيقا بين كلامهم .




                                                                                        الخدمات العلمية