الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ومن أحكام المهر أنه يصح تأجيله إلى وقت مجهول كالحصاد والدياس وهو الصحيح ولو تزوجها بألف درهم على أن ينقد ما تيسر له والبقية إلى سنة كان الألف كله إلى سنة إلا أن تقيم المرأة البينة أنه تيسر له منها شيء أو كله فتأخذه كذا في الظهيرية .

                                                                                        ( قوله فإن سماها أو دونها فلها عشرة بالوطء أو بالموت ) ; لأن بالدخول يتحقق تسليم المبدل وبه يتأكد البدل وبالموت ينتهي النكاح نهايته والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع مواجبه وسيأتي أن الخلوة كالوطء فحاصله أن المهر يجب بالعقد ويتأكد بإحدى معان ثلاث وينبغي أن يزاد رابع وهو وجوب العدة عليها منه كما سيأتي في العدة لو طلقها بائنا بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا في العدة وجب كمال المهر الثاني بدون الخلوة والدخول ; لأن وجوب العدة عليها فوق الخلوة وينبغي أن يزاد خامس وهو ما لو أزال بكارتها بحجر ونحوه فإن لها [ ص: 154 ] كمال المهر كما صرحوا به بخلاف ما إذا أزالها بدفعة فإنه يجب النصف لو طلقها قبل الدخول ولو دفعها أجنبي فزالت بكارتها وطلقت قبل الدخول وجب نصف المسمى على الزوج وعلى الأجنبي نصف صداق مثلها ، وإنما لم يجب مهر المثل إذا سمى دون العشرة كما قال زفر ; لأن فساد هذه التسمية لحق الشرع ، وقد صار مقضيا بالعشرة ، فأما ما يرجع إلى حقها فقد رضيت بالعشرة لرضاها بما دونها ولا معتبر بانعدام التسمية ; لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما ولا ترضى فيه بالعوض اليسير ، وقد علم حكم الأكثر بالأولى ; لأن التقدير في المهر يمنع النقصان فقط وفي المحيط والظهيرية لو تزوجها على ألفين ألف منها لله تعالى أو للخاطب أو لولدي أو لفلان فالمهر ألف ; لأن هذا استئناء في كلام واحد وفي الظهيرية لو تزوجها على غنم بعينها على أن أصوافها لي كان له الصوف استحسانا ولو تزوجها على جارية حبلى على أن ما في بطنها تكون له الجارية وما في بطنها لها ا هـ . وكله ; لأن الحمل كجزئها فلم يصح استثناؤه وفي الولوالجية والخانية لو تزوجها على ألف درهم من نقد البلد فكسدت وصار النقد غيرها كان على الزوج قيمة تلك الدراهم يوم كسدت هو المختار ولو كان مكان النكاح بيعا فسد البيع ; لأن الكساد بمنزلة الهلاك وهلاك البدل يوجب فساد البيع بخلاف النكاح ا هـ .

                                                                                        ( قوله وبالطلاق قبل الدخول يتنصف ) أي المسمى لقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الآية والأقيسة متعارضة ففيه تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره وفيه عود المعقود عليه إليها سالما فكان المرجع فيه النص كذا في الهداية وهو بيان للواقع ; لأنه جواب سؤال مقدر كما فهمه الشارحون وتمامه في فتح القدير وشمل الدخول الخلوة لما في المجتبى ولم يذكر الخلوة مع أنها شرط لما أن اسم الدخول يشملها ; لأنها دخول حكما ا هـ .

                                                                                        وظاهر قوله يتنصف أن النصف يعود إلى ملك الزوج وأطلقه وفيه تفصيل فإن كان المهر لم يسلمه إليها عاد إلى ملك الزوج نصفه بمجرد الطلاق وإن كان مقبوضا لها فإنه لا يبطل ملك المرأة في النصف إلا بقضاء أو رضا ; لأن الطلاق قبل الدخول أوجب فساد سبب ملكها في النصف وفساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت ملكها بالقبض فأولى أن لا يمنع [ ص: 155 ] بقاءه فلو أعتق الزوج العبد المهر المقبوض بعد الطلاق قبله لم ينفذ في شيء منه ولو قضى القاضي بعد ذلك يعود نصفه إلى ملكه ; لأنه عتق سبق ملكه فلم ينفذ ونفذ عتق المرأة في الكل ، وكذا بيعها وهبتها لبقاء ملكها في الكل قبل القضاء والرضا وإذا نفذ تصرفها فقد تعذر عليها رد النصف بعد وجوبه فتضمن نصف قيمته للزوج يوم قبضت ولو وطئت الجارية بشبهة فحكم العقر حكم الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل كالأرش ; لأنه بدل من جزء من عينها فإن المستوفى بالوطء في حكم العين وفي الظهيرية

                                                                                        ولو زاد المهر زيادة منفصلة كالولد والثمر والأرش والعقر قبل القبض فكلها تتنصف بالطلاق قبل الدخول وبعد القبض لا تتنصف وعليها نصف قيمة الأصل يوم قبضت ، وكذلك لو ارتدت والعياذ بالله تعالى أو قبلت ابن الزوج وإن كانت بدل المنافع كالكسب والغلة والموهوب للمهر فهي للمرأة وليست بمهر عند أبي حنيفة وعندهما يتنصف مع الأصل ، وكذلك على هذا كسب المبيع قبل القبض ولو آجره الزوج فالأجرة له ولزمه التصدق بها والزيادة المتصلة قبل القبض تتنصف بالإجماع وبعد القبض تتنصف عند محمد خلافا لهما والزيادة المنفصلة بعد القبض إذا هلكت يتنصف الأصل دون الزيادة ولو استولد الزوج الجارية الممهورة قبل القبض وادعى نسب الولد ثم طلقها قبل الدخول تتنصف الجارية والولد ; لأن العلوق وجد في ملك الغير فلم تصح الدعوة وذكر في كتاب الدعوى أنه يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد له ; لأنه عاد إليه قديم ملكه وعتق نصف الولد بإقراره ; لأنه جزء منه ويسعى الولد في نصف قيمته للمرأة على الروايتين جميعا ثم اعلم أن حاصل الزيادة في المهر أنها إذا حدثت بعد قبض المرأة ثم طلقها قبل الدخول فإنها لا تتنصف سواء كانت متصلة متولدة أو منفصلة متولدة أولا إلا متصلة متولدة عند محمد

                                                                                        وأما إذا حدثت قبل القبض فإن المتولدة تتنصف متصلة أو منفصلة وغير المتولدة لا تتنصف وفي خيار العيب الزيادة المتولدة متصلة أو منفصلة غير متولدة وأنها لا تمنع الرد به والمتصلة غير المتولدة والمنفصلة المتولدة يمنعان الرد به وفي البيع الفاسد كل زيادة فإنها لا تمنع الاسترداد والفسخ إلا زيادة متصلة غير متولدة وفي باب الرجوع في الهبة فإن الزيادة المتصلة متولدة أو غير متولدة مانعة من الرجوع والمنفصلة متولدة أولا غير مانعة وفي باب الغصب لا يمنع من رد العين إلا الزيادة المتصلة الغير المتولدة التي لا يمكن فصل المغصوب عنها فلتحفظ هذه المواضع فإنها نفيسة

                                                                                        وأما المتصلة الغير المتولدة كالصبغ في مسألة الزيادة في المهر فخارجة عن البحث واعلم بأن الأوصاف لا تفرد بالعقد ولا تفرد بضمان العقد والإتلاف يرد على الأوصاف فأمكن إظهار حكم الإتلاف فيها فنقول إذا حدث في المهر عيب سماوي إن شاءت أخذته ناقصا بلا غرمه النقصان وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد وإن حدث بفعل الزوج فإن شاءت أخذته وقيمة النقصان وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد وإن حدث بفعل الزوج صارت قابضة وإن حدث بفعل أجنبي فإن شاءت أخذته وقيمة النقصان من الأجنبي وإن شاءت أخذت قيمته من الزوج ولا حق لها في النقصان وإن حدث بفعل المهر فكالآفة السماوية في رواية وفي ظاهر الرواية هو كحكم جناية الزوج والحدوث بفعل المهر أن يكون المهر عبدا فقطع يده أو فقأ عينه وإذا قبضت المهر فتغيب بفعلها أو بآفة سماوية أو بفعل المهر قبل الطلاق أو بعده قبل الحكم بالرد فإن شاء الزوج أخذ نصفه ولا يضمنها النقصان وإن شاء ضمنها نصف قيمته صحيحا يوم القبض وإن كان ذلك بعد الطلاق والحكم بالرد فللزوج أن يأخذه ونصف الأرش وإن تعيب بفعل الأجنبي يضمنها نصف القيمة لا غير

                                                                                        وإن تعيب بفعل الزوج فهو بالخيار كما في الأجنبي كذا في الظهيرية فصار حاصل وجوه النقصان عشرين [ ص: 156 ] لأنه إما أن يكون بآفة سماوية أو بفعله أو بفعلها أو بفعل المهر أو بفعل الأجنبي وكل من الخمسة على أربعة ; لأنه إما أن يكون في يد الزوج أو في يدها قبل الطلاق أو في يدها بعده قبل الحكم بالرد أو بعده بعد الحكم وأحكامها مذكورة كما أن حاصل وجوه الزيادة ثمانية ; لأنها إما أن تكون متصلة متولدة أولا أو منفصلة متولدة أولا وكل منها إما أن تكون في يده أو في يدها والأحكام مذكورة إلا حكم المتصلة الغير المتولدة كالصبغ لظهور أنها لا تتنصف وينبغي أن تكون وجوه النقصان خمسة وعشرين فإن النقصان في يد الزوج أعم من أن يكون قبل الطلاق أو بعده فهي خمسة في خمسة وإذا ولدت الجارية الممهورة في يد الزوج فهلكا ثم طلقها قبل الدخول بها أخذت نصف قيمة الأم لا غير وإن قتلهما الزوج فإن شاءت ضمنته نصف قيمة الأم يوم العقد وإن شاءت ضمنت عاقلته نصف قيمتها وتضمن العاقلة نصف قيمة الولد يوم القتل ولا يضمن الزوج نقصان الولادة إلا أن يكون فاحشا ولو تزوجها على زرع بقل فاستحصد الزرع في يدها ثم طلقها قبل الدخول بها فلا سبيل للزوج على الزرع .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وينبغي أن يزاد رابع إلخ ) فيه أن وجوب العدة وتمام المهر عليها في هذه الصورة باعتبار الوطء السابق لبقاء أثره وهو العدة وسيأتي في العدة أن هذه المسألة إحدى المسائل العشر المبنية على أن الدخول في النكاح الأول دخول في الثاني ( قوله وينبغي أن يزاد خامس إلخ ) فيه أن الظاهر أن وجوب كمال المهر هنا بسبب الخلوة فإن المتبادر أنه اختلى بها فأزال بكارتها بأصبعه أو حجر وأن إزالتها بالدفعة في غير الخلوة فلذا وجب في الأول التمام وفي الثاني النصف وإلا بأن كان كل منهما في الخلوة أو بدونها فما وجه الفرق بينهما تأمل ثم رأيت في جنايات الخانية ما يشير إلى [ ص: 154 ] ما قلته فإنه ذكر أنه لو دفع امرأته قبل الدخول بها فذهبت عذرتها ثم طلقها قبل الدخول عليه بنصف المهر في قول أبي حنيفة وكله في قول محمد وزفر واختلفت الرواية عن أبي يوسف . ا هـ .

                                                                                        ومثله في الفتح من هذا الباب فقوله لو دفع امرأته قبل الدخول يشير إلى أن مسألة إزالتها بالحجر بعد الدخول وفي جنايات الفتاوى الهندية عن المحيط ولو دفع امرأته ولم يدخل بها فذهبت عذرتها ثم طلقها فعليه نصف المهر ولو دفع امرأة الغير وذهبت عذرتها ثم تزوجها ودخل وجب لها مهران ا هـ .

                                                                                        أي : مهر بالدفع ومهر بالنكاح والدخول ودل كلامه أن الزوج إذا أزال بكارة زوجته بغير الوطء لا يلزمه شيء ، وإنما لزمه هنا نصف المهر بالطلاق قبل الدخول وبه يعلم أن إزالتها بالحجر أو الإصبع كذلك ، وإنما لزمه كل المهر ; لأنه في العادة لا يكون إلا في الخلوة حتى لو ضربها بحجر في غير الخلوة فأزال بكارتها وطلقها قبل الدخول لا يلزمه سوى نصف المهر بحكم النكاح لا بحكم الضرب . ( قوله ولو دفعها أجنبي فزالت بكارتها إلخ ) قال في النهر وفي جامع الفصولين تدافعت جارية مع أخرى فزالت بكارتها وجب عليها مهر المثل ا هـ .

                                                                                        وهو بإطلاقه يعم ما لو كانت المدفوعة متزوجة فيستفاد منه وجوبه على الأجنبي كاملا فيما إذا لم يطلقها الزوج قبل الدخول فتدبره . ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء فيه إن عبارة جامع الفصولين تدل على وجوب كمال مهر المثل مطلقا من غير تفصيل بين ما إذا طلقها قبل الدخول أو لم يطلقها كما لا يخفى وحينئذ يعارض إيجاب المؤلف نصف مهر المثل على الأجنبي فيما إذا طلقها الزوج قبل الدخول هذا وقال في المنح لكن في جواهر الفتاوى ولو افتض مجنون بكارة امرأة بإصبع وأفضاها فقد أشار في المبسوط والجامع الصغير إذا افتضها كرها بإصبع أو حجر أو آلة مخصوصة حتى أفضاها فعليه المهر ولكن مشايخنا يذكرون أن هذا وقع سهوا ولا يجب إلا بالآلة الموضوعة لقضاء الشهوة والوطء ويجب الأرش في ماله ا هـ .

                                                                                        كلام المنح فليحرر . ا هـ . قلت : الظاهر أن ما في جامع الفصولين مبني على ما في المبسوط والجامع الصغير ( قوله أي المسمى ) هذا بناء على أن يتنصف بالياء ، قال في النهر إلا أن كونه بالتاء الفوقية أولى وأنه لو سمى ما دونها لا يتنصف المسمى فقط وفي المبسوط وغيره تزوجها على ثوب قيمته خمسة فطلقها قبل الدخول كان لها نصف الثوب ودرهمان ونصف وما في الخلاصة لو تزوجها على أقل من العشرة أو ثوب قيمته أقل من عشرة كان لها نصف المسمى عند الطلاق قبل الدخول محمول على هذا .

                                                                                        ( قوله وظاهر قوله يتنصف إلخ ) قال في النهر ومعنى تنصيفها استحقاق الزوج النصف منها لا أنه يعود إلى ملكه كما فهمه في البحر فلا يرد أن هذا إذا لم يكن مقبوضا لها ا هـ .

                                                                                        ووجهه أن استحقاق النصف أعم من أن يكون نصف العين أو القيمة فلا يحتاج إلى التقييد بخلاف ما ذكره المؤلف [ ص: 155 ]

                                                                                        ( قوله بعد الطلاق قبله ) الظرفان متعلقان بأعتق والضمير في قبله للقضاء أو الرضا وأفرد الضمير لمكان أو . ( قوله أولا ) أي أو لم تكن متولدة فيهما ولو قال سواء كانت متصلة أو منفصلة متولدة أو لا لكان أخصر وأظهر .




                                                                                        الخدمات العلمية