الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والعدة ) أي وتثبت العدة فيه وجوبا بعد الوطء في النكاح الفاسد لا الخلوة كما في القنية إلحاقا للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط ولو اختلفا في الدخول فالقول له فلا يثبت شيء من هذه الأحكام كما في الذخيرة ولم يبين المصنف ابتداءها للاختلاف فيه ، والصحيح أنه من وقت التفريق لا من آخر الوطآت ; لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها بالتفريق كالطلاق في النكاح الصحيح ولا إحداد عليها في هذه العدة ولا نفقة لها فيها ; لأن وجوبها باعتبار الملك الثابت بالنكاح وهو منتف هنا والمراد بالعدة هنا عدة الطلاق ، وأما عدة الوفاة فلا تجب عليها من النكاح الفاسد ولو كانت هذه المرأة الموطوءة أخت امرأته حرمت عليه امرأته إلى انقضاء عدتها كذا في فتح القدير وظاهر كلامهم أن ابتداءها من وقت التفريق قضاء وديانة وفي فتح القدير ويجب أن يكون هذا في القضاء أما فيما بينهما وبين الله تعالى إذا علمت أنها حاضت بعد آخر وطء ثلاثا ينبغي أن يحل لها التزوج فيما بينها وبين الله تعالى على قياس ما قدمنا من نقل العتابي ا هـ .

                                                                                        ومحله فيما إذا فرق بينهما أما إذا حاضت ثلاث حيض من آخر الوطآت ولم يفارقها فليس لها التزوج اتفاقا كما أشار إليه في غاية البيان

                                                                                        وظاهر كلام الزيلعي [ ص: 185 ] يوهم خلافه والتفريق في النكاح الفاسد إما بتفريق القاضي أو بمتاركة الزوج ولا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد بل هو متاركة فيه ولا تحقق للمتاركة إلا بالقول إن كانت مدخولا بها كقوله تاركتك أو تاركتها أو خليت سبيلك أو خليت سبيلها أو خليتها ، وأما غير المدخول بها فتتحقق المتاركة بالقول وبالترك عند بعضهم وهو تركها على قصد أن لا يعود إليها وعند البعض لا تكون المتاركة إلا بالقول فيهما حتى لو تركها ومضى على عدتها سنون لم يكن لها أن تتزوج بآخر وإنكار الزوج النكاح إن كان بحضرتها فهو متاركة وإلا فلا كإنكار الوكيل الوكالة ، وأما علم غير المتاركة بالمتاركة فنقل في القنية قولين مصححين الأول أنه شرط لصحة المتاركة هو الصحيح حتى لو لم يعلمها لا تنقضي عدتها ثانيهما إن علم المرأة في المتاركة ليس بشرط في الأصح كما في الصحيح ا هـ .

                                                                                        وينبغي ترجيح الثاني ولهذا اقتصر عليه الزيلعي وظاهر كلامهم أن المتاركة لا تكون من المرأة أصلا كما قيده الزيلعي بالزوج لكن في القنية أن لكل واحد منهما أن يستبد بفسخه قبل الدخول بالإجماع وبعد الدخول مختلف فيه وفي الذخيرة ولكل واحد من الزوجين فسخ هذا النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ وعند بعضهم إن لم يدخل بها فكذلك وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا بمحضر من صاحبه ا هـ .

                                                                                        وهكذا في الخلاصة ، وهذا يدل على أن للمرأة فسخه بمحضر الزوج اتفاقا ولا شك أن الفسخ متاركة إلا أن يفرق بينهما وهو بعيد والله سبحانه وتعالى أعلم ومن أحكام العقد الفاسد أنه لا يحد بوطئها قبل التفريق للشبهة ويحد إذا وطئها بعد التفريق كذا في البدائع وغيره وظاهره أنه لا فرق فيه بين أن يكون في العدة أو لا ولم أره صريحا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولو اختلفا في الدخول فالقول له فلا يثبت شيء من هذه الأحكام ) قال الرملي وفي التتارخانية إذا تزوجها نكاحا فاسدا أو خلا بها وجاءت بولد وأنكر الزوج الدخول فعن أبي يوسف رحمه الله روايتان في رواية قال يثبت النسب ويجب المهر والعدة وفي رواية لا يثبت النسب ولا يجب المهر والعدة وهو قول زفر رحمه الله وإن لم يخل بها لا يلزمه الولد ا هـ .

                                                                                        ومثله في الزيلعي فقوله هنا لا يثبت شيء من الأحكام موافق للرواية الموافقة لقول زفر فهو اختيار لها تأمل .

                                                                                        ( قوله وظاهر الزيلعي يوهم خلافه ) عبارته ويعتبر ابتداؤها من وقت التفريق وقال زفر من آخر الوطآت واختاره أبو القاسم الصفار حتى لو حاضت ثلاث [ ص: 185 ] حيض من آخر الوطآت قبل التفريق فقد انقضت . ( قوله حتى لو تركها ) قال الرملي هذا الضمير للمدخول بها إذ غيرها لا عدة عليها ففي كلامه ما لا يخفى من التشويش تأمل . ( قوله إلا أن يفرق بينهما وهو بعيد ) قال في النهر من تصفح كلامهم جزم بالفرق بينهما وذلك أن المتاركة في معنى الطلاق فيختص به الزوج ، وأما الفسخ فرفع العقد فلا يختص به وإن كان في معنى المتاركة ا هـ .

                                                                                        قال الرملي أقول : بعدما صرحوا بأنه لا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد كيف يقال بأن في المتاركة التي هي مفاعلة تقتضي الاشتراك معنى الطلاق فيختص به الزوج فالحق ما ذكره من عدم الفرق ، ولذا جزم به ابن غانم المقدسي في شرح الكنز المنظوم ويدل على هذا ما ذكره في جامع الفصولين بعد أن ذكر في الفصل الثلاثين بالفارسية في النكاح الفاسد ما معناه قال لها إن ضربتك فأمرك بيدك فضربها فطلقت نفسها بحكم الأمر فإن قيل هو متاركة فله وجه وهو الظاهر ولو قيل لا فله وجه فطلاق الفاسد فسخ ومتاركة . ا هـ .

                                                                                        فقوله فطلاق الفاسد متاركة يدل على صحة المتاركة منها والمعنى فيه أنه لما لم يصح التعليق لعدم شرطه وهو الملك أو الإضافة إلى الملك اعتبر مجرد قولها طلقت نفسي وهو فسخ ومتاركة فصح منها فيظهر به صحة متاركتها كفسخها تأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت : ما عزاه إلى الفصولين ذكره في البزازية هنا في الثالث عشر في النكاح الفاسد وزاد على ما هنا ونصه جعل أمرها بيدها في النكاح الفاسد إن ضربها بلا جرم فطلقت نفسها بحكم التفويض إن قيل يكون متاركة كالطلاق وهو الظاهر فله وجه وإن قيل لا فله وجه أيضا ; لأن المتاركة فسخ وتعليق الفسخ بالشرط لا يصح ولو قال لها طلقي نفسك وطلقت نفسها يكون متاركة ; لأنه لا تعليق فيه وفي الأول تعليق الفسخ بالضرب ا هـ .

                                                                                        وبه يظهر أن التطليق جاء من قبله لكونه هو الذي فوض لها الطلاق فيكون متاركة صادرة منه في الحقيقة لا منها ولو كان الطلاق متاركة منها لتحقق منها بدون تفويض فلا يدل ما نقله على صحة متاركتها فتدبر . ( قوله ولم أره صريحا ) سيذكر المؤلف في باب العدة أنه ينبغي أن يقيد بما بعد العدة ; لأن وطء المعتدة لا يوجب الحد ا هـ .

                                                                                        وأقره عليه في النهر هناك وسيأتي رده .




                                                                                        الخدمات العلمية