الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وصح ضمان الولي المهر ) ; لأنه من أهل الالتزام ، وقد أضافه إلى ما يقبله فيصح والمراد به أنه في الصحة أما في مرض الموت فلا ; لأنه تبرع لوارثه في مرض موته ، وكذلك كل دين ضمنه عن وارثه أو لوارثه كما في الذخيرة ، وأما إذا لم يكن وارثا له فالضمان في مرض الموت من الثلث كما صرحوا به في ضمان الأجنبي وأطلق في الولي فشمل ولي المرأة وولي الزوج الصغيرين والكبيرين أما ولي الزوج الكبير فهو وكيل عنه كالأجنبي وولايته عليه ولاية استحباب وحكم ضمان مهره كحكم ضمان الأجنبي فإن ضمن عنه بإذنه رجع وإلا فلا كما في فتح القدير ، وأما إن كان صغيرا بأن زوج ابنه وضمن للمرأة مهرها فلأن الولي سفير ومعبر فيه وليس بمباشر بخلاف ما إذا اشترى له شيئا ثم ضمن عنه الثمن للبائع حيث لا يصح ضمانه ; لأنه أصيل فيه فيلزمه الثمن ضمن أو لم يضمن ولا بد في صحته من قبول المرأة كما في الذخيرة كغيره من الكفالات ، والمجانين كالصبيان في ذلك كذا في الخانية واستفيد من صحة الضمان أن لها مطالبة الولي ومطالبة الزوج وإذا بلغ لا قبله ; لأنه ليس من أهله وأنه لو أدى الأب من مال نفسه فإنه لا رجوع له على الصغير ; لأن الكفيل لا رجوع له إلا بالأمر ولم يوجد لكن ذكر في الذخيرة أنه إن شرط الرجوع في أصل الضمان فله الرجوع كأنه كالإذن من البالغ في الكفالة وفي فتاوى الولوالجي لا رجوع له إلا إذا أشهد عند الأداء أنه يؤدي ليرجع عليه وفي فتح القدير ولا يخفى أن هذا أعني عدم الرجوع إذا لم يشهد مقيد [ ص: 188 ] بما إذا لم يكن للصغير مال . ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية أنه إذا أشهد عند الأداء أنه أدى ليرجع رجع وإن لم يشهد عند الضمان ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن الإشهاد عند الأداء أو الضمان شرط الرجوع وفي غاية البيان لو أدى الأب من مال نفسه فالقياس أن يرجع ; لأن غير الأب لو ضمن بإذن الأب وأدى يرجع في مال الصغير فكذا الأب ; لأن قيام ولاية الأب عليه في الصغر بمنزلة أمره بعد البلوغ وفي الاستحسان لا رجوع له ; لأن الآباء يتحملون المهور عن أبنائهم عادة ولا يطمعون في الرجوع والثابت بالعرف كالثابت بالنص إلا إذا شرط الرجوع في أصل الضمان فحينئذ يرجع ; لأن الصريح يفوق الدلالة أعني دلالة العرف بخلاف الوصي إذا أدى المهر عن الصغير بحكم الضمان يرجع ; لأن التبرع من الوصي لا يوجد عادة فصار كبقية الأولياء غير الأب .

                                                                                        والحاصل أن عدم الرجوع مخصوص بالأب واستفيد من صحة الضمان أيضا أن الأب لو مات قبل الأداء فللمرأة الاستيفاء من تركة الأب ; لأن الكفالة بالمال لا تبطل بموت الكفيل وإذا استوفت قال في المبسوط رجع سائر الورثة بذلك في نصيب الابن أو عليه إن كان قبض نصيبه ولم يذكر فيه خلافا

                                                                                        وذكر الولوالجي أن أبا يوسف قال إن الأب متبرع ولا يرجع هو ولا وارثه بعد موته على الابن بشيء وحكم الاستيفاء في مرض الموت كالاستيفاء بعد الموت من أن الورثة يرجعون عليه كما في غاية البيان واستفيد من القول بصحة الضمان أيضا أنه لو لم يضمن الأب مهر ابنه الصغير لا يطالب به ولو كان عاقدا ; لأنه لو لزمه بلا ضمان لم يكن للضمان فائدة ولما في المعراج لو زوج ابنه الصغير لا يثبت المهر في ذمة الأب بل يثبت في ذمة الابن عندنا سواء كان الابن موسرا أو معسرا ذكره في المنظومة وشرحها معللا بأن النكاح لا ينفك عن لزوم المال إنما ينفك عن إيفاء المهر في الحال فلم يكن من ضرورة الإقدام على تزويجه ضمان المهر عنه ، وهذا هو المعول عليه كما في فتح القدير وبه اندفع ما في شرح الطحاوي من أن للمرأة مطالبة أب الصغير بمهرها ضمن أو لم يضمن . ا هـ .

                                                                                        وجوابه أن كلام شارح الطحاوي محمول على ما إذا كان للصغير مال فإن لها مطالبة الأب بغير ضمان ليؤدي من مال الصغير والدليل على هذا الحمل أن صاحب المعراج نقل أولا ما في شرح الطحاوي ثم بعد أسطر ذكر ما ذكرناه عنه من عدم لزوم المهر على الأب بلا ضمان لكن قيده بالابن الفقير فتعين أن يكون الأول في الابن الغني وبه اندفع ما في فتح القدير وفي الذخيرة إذا اشترى لابنه الصغير شيئا آخر سوى الطعام والكسوة ونقد الثمن من مال نفسه فإنه يرجع على الصغير بذلك وإن لم يشترط الرجوع ; لأنه لا عرف أن الآباء يتحملون الثمن عن الأبناء ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة لو كبر الابن ثم أدى الأب إن أشهد يرجع وإن لم يشهد لا ولو كان على الأب دين للصغير فأدى مهر امرأته ولم يشهد ، ثم قال بعد ذلك إنما أديت مهره عن دينه الذي علي صدق . ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية إذا أعطى الأب أرضا في مهر امرأته ثم مات الأب قبل قبض المرأة لا تكون الأرض لها ; لأنها هبة من الأب لم تتم بالتسليم فإن ضمن المهر وأدى الأرض عنه ثم مات قبل التسليم كانت الأرض للمرأة ; لأنه بيع فلا يبطل بالموت ، وأما ضمان ولي المرأة المهر عن زوجها فلا يخلو إما أن تكون كبيرة أو صغيرة فإن كانت كبيرة فظاهر ; لأنه كالأجنبي إذا ضمن لها المهر ويثبت لها الخيار إن شاءت طالبته وإن شاءت طالبت زوجها إن كان كبيرا و هي أهل للمطالبة ويرجع الولي بعد الأداء على الزوج إن ضمن بأمره سواء كانت الكبيرة عاقلة أو مجنونة ، وأما إذا كانت صغيرة زوجها الأب وضمن مهرها فإنما صح ; لأنه سفير ومعبر لا ترجع الحقوق إليه

                                                                                        وإنما ملك قبض مهر الصغيرة بحكم الأبوة باعتبار أنه عاقد ولهذا لا يملكه بعد بلوغها إلا برضاها صريحا أو دلالة بأن تسكت وهي بكر بخلاف [ ص: 189 ] ما إذا باع مال الصغير وضمن الثمن عن المشتري فإنه لا يصح ; لأنه أصيل فيه حتى ترجع الحقوق عليه ويصح إبراؤه من الثمن عندهما خلافا لأبي يوسف لكنه يضمنه للولد لتعديه بالإبراء ويملك قبض الثمن بعد بلوغه فلو صح الضمان لصار ضامنا لنفسه وبهذا علم أن قوله ( وتطالب زوجها أو وليها ) مخصوص بما إذا كان الضامن وليها مع أن الحكم أعم فلو قال وتطالب زوجها أو الولي الضامن لكان أولى ليشمل ما إذا كان الضامن وليه وقول الشارح الزيلعي في الصورة الثانية فالمطالبة إلى ولي الزوج مكان وليها غير صحيح ; لأن المطالبة عليه لا إليه وجعل إلي بمعنى علي هنا مجازا بعيد كما لا يخفى ولا بد من تقييد الزوج بالبلوغ ; لأنه ليس لها مطالبة الصغير بل وليها فقط ولا بد من تقييد صحة ضمانه لها من قبولها أو قبول قابل في المجلس ; لأن الموجود شطر فلا يتوقف على ما وراء المجلس في المذهب كما في البزازية وظاهره أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وإطلاقهم صحة ضمانه مهر الصغيرة يقتضي أن لا يشترط قبول أحد في المجلس وأن إيجابه يكون مقام القبول عنها ولا بد من التقييد بصحة وليها إذ ضمانه في مرضه باطل لما قدمنا من أن الضمان في مرض الموت للوارث أو عنه باطل وينبغي تقييده بما إذا كانت موليته وارثته

                                                                                        وأما إذا لم تكن وارثته كما إذا كانت بنت عمه مثلا وله وارث يحجبها فالضمان صحيح مطلقا كما لا يخفى ويكون من الثلث كما قدمناه ، وأشار بصحة ضمان الولي إلى صحة ضمان الرسول في النكاح والوكيل بالأولى فلو ضمن الرسول المهر ثم جحد الزوج الرسالة اختلف المشايخ فيما يلزم الرسول وصحح في المحيط أن المرأة إذا طلبت التفريق من القاضي وفرق بينها وبين الزوج كان لها على الرسول نصف المهر وإن لم تطلب التفريق كان لها جميع المهر ولو زوجه الوكيل على ألف من ماله أو على هذه الألف لم يلزمه شيء ولو ضمن المهر لزمه فإن كان بغير إذن الزوج فلا رجوع له بخلاف الوكيل بالخلع فإنه إذا ضمن البدل عنها رجع به عليها وإن لم تأمره بالضمان لانصراف التوكيل إلى الأمر بالضمان لصحة الخلع بلا توكيل منها بخلاف النكاح فإنه لا يصح بلا توكيل منها فانصرف الأمر إليه ولو زوجه الوكيل امرأة على عرضه جاز فإن هلك في يد الوكيل رجعت بقيمته على الزوج وفي الخلع ترجع على الوكيل والكل من المحيط .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وفي فتح القدير ) ولا يخفى أن هذا نظر فيه في النهر بما يأتي عن غاية البيان ، ثم قال [ ص: 188 ] بعد كلام وإذا كان في ذي المال لا يرجع إلا إذا أشهد ففي الفقير أولى وقال أيضا بقي أن غير الأب هل يرجع بدون الإشهاد في الفقير لم أره لهم . ( قوله : والحاصل أن عدم الرجوع مخصوص بالأب ) يشير إلى ما في عبارة الزيلعي من المؤاخذة حيث قال إذا أدى الولي من مال نفسه فله أن يرجع في مال الصغير إن أشهد أنه يؤديه ليرجع عليه وإن لم يشهد فهو متطوع استحسانا فلا يكون له الرجوع في ماله ا هـ .

                                                                                        فإطلاقه ليس على ظاهره ; لأن عدم الرجوع عند عدم الإشهاد خاص بالأب . ( قوله والدليل على هذا الحمل ) أقول : ويدل عليه أيضا ما في غرر الأفكار لو زوج ابنه الصغير امرأة بمهر فعلماؤنا لم يوجبوا إبراء ذلك المهر على الأب وقت فقر الابن لانعدام كفالة الأب عنه صريحا ودلالة وأوجبه مالك على الأب والشافعي وأحمد في رواية وافقاه ; لأن قبول المهر عن صغير لا مال له دليل على ضمانه قلنا لا دلالة لقبوله المهر عنه بل على أدائه من مال الصغير قبل البلوغ إذا حصل مال له أو على أداء ابنه بنفسه بعد بلوغه [ ص: 189 ] ( قوله في الصورة الثانية ) أي صورة ما إذا كان الضامن وليه وسماها ثانية نظرا إلى قوله ليشمل وإن كان في التقرير ذكرها أولا .




                                                                                        الخدمات العلمية