الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : والمجوسي شر من الكتابي ) لأن للكتابي دينا سماويا بحسب الدعوى ولهذا تؤكل ذبيحته وتجوز مناكحة الكتابية بخلاف المجوسي فكان شرا منه حتى إذا ولد ولد بين كتابي ومجوسي فهو كتابي لأن فيه نوع نظر له حتى في الآخرة بنقصان العقاب كما في فتح القدير ثم اعلم أنه بعد ما حكم بكونه تبعا لخير الأبوين لا يزول الخيرية فلو ارتد المسلم منهما لا يتبعه الولد في الردة إلا إن لحق به المرتد إلى دار الحرب فإن الصبية المنكوحة تبين من زوجها للتباين إلا إذا كان أحد الأبوين مات على إسلامه وتمامه في المحيط وبعدما حكم بكونه تبعا لأقلهما شرا إذا تمجس المتبوع بطلت التبعية ولم يقل المصنف ، والكتابي خير من المجوسي كما في المحيط وبعض الكتب لأنه لا خير في دين هؤلاء الطائفة ولكن في كل منهما خلاف الخير ، وفي المجوسية أكثر فيكون شرا منها ، وفي الخلاصة من كتاب ألفاظ التكفير لو قال : النصرانية خير من اليهودية يكفر وينبغي أن يقول اليهودية شر من النصرانية ا هـ .

                                                                                        فهذا يقتضي أنه لو قال الكتابي خير من المجوسي يكفر مع أن هذه العبارة وقعت لبعض مشايخنا كما سمعت إلا أن يقال بالفرق وهو الظاهر لأنه لا خيرية لإحدى الملتين على الأخرى في أحكام الدنيا ، والآخرة بخلاف الكتابي بالنسبة إلى المجوسي للفرق بين أحكامهما في الدنيا ، والآخرة

                                                                                        وفي الخبازية ما يقتضي أن المنع إنما هو لتفضيل النصرانية على اليهودية ، والأمر بالعكس لأن اليهود نزاعهم في النبوات ، والنصارى في الإلهيات فالنصارى أشد كفرا ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يصح قوله : في الخلاصة وينبغي أن يقول اليهودية شر من النصرانية فعلم أن التكفير إنما هو لأجل إثبات الخيرية للكافر ولذا قال في جامع الفصولين لو قال النصرانية خير من المجوسية كفر وينبغي أن يقول المجوسية شر من النصرانية ا هـ .

                                                                                        ويلزم على ما في البزازية من أن النصارى شر من اليهود [ ص: 226 ] أن الولد المتولد من يهودية ونصراني أو عكسه أن يكون تبعا لليهودي دون النصراني فإن قلت ما فائدته قلت خفة العقوبة في الآخرة وأما في الدنيا فلما ذكره الولوالجي من كتاب الأضحية أن الكافر إذا دعا رجلا إلى طعامه فإن كان مجوسيا أو نصرانيا يكره ، وإن قال اشتريت اللحم من السوق لأن المجوسي يطبخ المنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنصراني لا ذبيحة له وإنما يأكل ذبيحة المسلم أو يخنق ، وإن كان الداعي إلى الطعام يهوديا فلا بأس بأكله لأن اليهودي لا يأكل إلا من ذبيحة اليهودي أو المسلم ا هـ . فعلم أن النصراني شر من اليهودي في أحكام الدنيا أيضا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولم يقل المصنف ، والكتابي خير . . . إلخ ) لا يخفى أن في قوله السابق ، والولد يتبع خير الأبوين دينا إطلاق الخيرية على من لا خير فيه ( قوله : إلا أن يقال بالفرق وهو الظاهر . . . إلخ ) يخالفه ما يذكره قريبا من إثبات أشرية النصارى من اليهود في الدارين ( قوله : ويلزم على ما في البزازية من أن النصارى . . . إلخ ) قال في النهر : يعني وليس بالواقع ا هـ .

                                                                                        قلت بل الظاهر أنه أراد أنه الواقع بدليل قوله : بعد فعلم أن النصراني شر من اليهودي . . . إلخ ثم إن الذي في البزازية هكذا ، ولو قال : النصرانية خير من اليهودية كفر لأنه أثبت الخيرية لما هو قبيح شرعا وعقلا ثابت قبحه بالقطعي ، والمذكور في كتب أهل السنة أن المجوسي أسعد حالا من المعتزلة لإثبات المجوسي خالقين وهؤلاء خالقا إلا عدله ، وفيه [ ص: 226 ] إثبات الخيرية للمجوسي على المعتزلة القدرية أجيب عنه بأن المنهي عنه هو كونهم خيرا من كذا مطلقا لا كونهم أسعد حالا بمعنى أقل مكابرة وأدنى إثباتا للشرك إذ يجوز أن يقال كفر بعضهم أخف من بعض وعذاب بعض أدنى من بعض وأهون أو الحال بمعنى الوصف كذا قيل ولا يتم ، وقد قيل المنع من قولهم اليهودية خير من النصرانية باعتبار أن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود لأن نزاعهم في النبوات ونزاع النصارى في الإلهيات وقوله تعالى { وقالت اليهود عزير ابن الله } كلام طائفة قليلة كما صرح به في التفسير وقوله تعالى { لتجدن أشد الناس عداوة } الآية لا يرد على هذا لأن البحث في قوة الكفر وشدته لا في قوة العداوة وضعفها إذا تأملت النصوص بعلتها ومعلولها وحينئذ لا يتجه الاعتراض ا هـ .

                                                                                        كلام البزازية ( قوله : وإن قال اشتريت اللحم من السوق ) صرحوا في الحظر ، والإباحة بأنه يقبل قول الكافر ولو مجوسيا اشتريت اللحم من كتابي فيحل أو من مجوسي فيحرم إلا أن يقال المراد من الحل عدم كونه ميتة فلا ينافي الكراهة أو يقال سبب الكراهة هنا احتمال تنجس القدور بطبخ المنخنقة بها كما يومئ إليه قوله : لأن المجوسي . . . إلخ تأمل ( قوله : فلا بأس بأكله ) تقدم عند قول المتن وحل تزوج الكتابية أن الأولى عدم أكل ذبيحة أهل الكتاب إلا لضرورة تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية