الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : بطاهر ) متعلق بيتيمم يعني يشترط لصحة التيمم طهارة الصعيد لقوله تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا } ولا طيب مع النجاسة حتى لو تيمم بغبار ثوب نجس لا يجوز إلا إذا وقع ذلك الغبار عليه بعد ما جف ولا بد أن تكون طهارته مقطوعا بها حتى لو تيمم بأرض قد أصابتها نجاسة فجفت وذهب أثرها لم يجز في ظاهر الرواية والفرق بين التيمم منها وجواز الصلاة عليها أن الجفاف مقلل لا مستأصل وقليلها مانع في التيمم دون الصلاة ويجوز أن يعتبر القليل مانعا في شيء دون شيء كقليلها في الماء مانع [ ص: 155 ] دون الثوب كذا في البدائع وسيأتي تمامه في الأنجاس إن شاء الله تعالى وظاهر كلامهم أن الأرض التي جفت نجسة في حق التيمم طاهرة في حق الصلاة والحق أنها طاهرة في حق الكل ، وإنما منع التيمم منها لفقد الطهورية كالماء المستعمل طاهر غير طهور ، وكان ينبغي للمصنف أن يقول بمطهر ليخرج ما ذكرنا كما عبر به في منظومة ابن وهبان وللحديث الوارد من قوله صلى الله عليه وسلم { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } بناء على أن الطهور بمعنى المطهر وقد تقدم الكلام فيه وفي المحيط والبدائع ولو تيمم اثنان من مكان واحد جاز ; لأنه لم يصر مستعملا ; لأن التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده لا بما فضل كالماء الفاضل في الإناء بعد وضوء الأول ا هـ .

                                                                                        وهو يفيد تصور استعماله وقصره على صورة واحدة ، وهي أن يمسح الذراعين بالضربة التي مسح بها وجهه ليس غير ( قوله : من جنس الأرض ) يعني يتيمم بما كان من جنس الأرض قال المصنف في المستصفى : كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر أو ينطبع ويلين كالحديد فليس من جنس الأرض وما عدا ذلك فهو من جنس الأرض ا هـ .

                                                                                        فلا يجوز التيمم بالأشجار والزجاج المتخذ من الرمل وغيره والماء المتجمد والمعادن إلا أن تكون في محالها فيجوز للتراب الذي عليها لا بها نفسها واللؤلؤ ، وإن كان مسحوقا ; لأنه متولد من حيوان في البحر والدقيق والرماد ويجوز بالحجر والتراب والرمل والسبخة المنعقدة من الأرض دون الماء والجص والنورة والكحل والزرنيخ والمغرة والكبريت والفيروزج والعقيق والبلخش والزمرد والزبرجد وفي فتح القدير عدم الجواز بالمرجان وفي غاية البيان والتوشيح والعناية والمحيط ومعراج الدراية والتبيين الجواز فكان الأول سهوا

                                                                                        وأما الملح ، فإن كان مائيا فلا يجوز به اتفاقا ، وإن كان جبليا ففيه روايتان وصحح كل منهما ذكره في الخلاصة لكن الفتوى على الجواز به كذا في التجنيس ويجوز بالآجر المشوي ، وهو الصحيح ; لأنه طين مستحجر وكذا بالخزب الخالص إلا إذا كان مخلوطا بما ليس من جنس الأرض أو كان عليه صبغ ليس من جنس الأرض كذا أطلق في التجنيس والمحيط وغيرهما مع أن المسطور في فتاوى قاضي خان التراب إذا خالطه شيء ما ليس من أجزاء الأرض يعتبر فيه الغلبة ، وهذا يقتضي أن يفصل في المخالط للنيء بخلاف المشوي لاحتراق ما فيه من أجزاء الأرض كذا في فتح القدير وفي فتاوى قاضي خان ، وإذا احترقت الأرض بالنار إن اختلطت بالرماد يعتبر فيه الغالب إن كانت الغلبة للتراب جاز به التيمم ، وإلا فلا وفي فتح القدير يجوز التيمم بالأرض المحترقة في الأصح ولم يفصل والظاهر التفصيل ، وفي المحيط ولو تيمم بالذهب والفضة إن كان مسبوكا لا يجوز ، وإن لم يكن مسبوكا ، وكان مختلطا بالتراب والغلبة للتراب جاز ا هـ .

                                                                                        فعلم بهذا أن ما أطلقه في فتح القدير محمول على هذا التفصيل

                                                                                        وإذا لم يجد إلا الطين يلطخه بثوبه فإذا جف تيمم به وقيل عند أبي حنيفة يتيمم بالطين ، وهو الصحيح ; لأن الواجب عنده وضع اليد على الأرض لا استعمال جزء منه والطين من جنس الأرض إلا إذا صار مغلوبا بالماء فلا يجوز التيمم به كذا في المحيط وقيد الجواز بالطين الولوالجي في فتاويه [ ص: 156 ] وصاحب المبتغى بأن يخاف خروج الوقت أما قبله فلا كي لا يتلطخ وجهه فيصير بمعنى المثلة من غير ضرورة ، وهو قيد حسن ينبغي حفظه وذكر الإسبيجابي ولو أن الحنطة أو الشيء الذي لا يجوز عليه التيمم إذا كان عليه التراب فضرب يده عليه وتيمم ينظر إن كان يستبين أثره بمده عليه جاز ، وإن كان لا يستبين لا يجوز ا هـ .

                                                                                        وبهذا يعلم حكم التيمم على جوخة أو بساط عليه غبار فالظاهر عدم الجواز لقلة وجود هذا الشرط في نحو الجوخة فليتنبه له والله سبحانه الموفق ، وهذا كله عند أبي حنيفة ومحمد

                                                                                        وقال أبو يوسف لا يجوز إلا بالتراب ، وهو قول الشافعي لما أخرجه مسلم عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم { قال وجعلت لي الأرض مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا } وروى أحمد والبيهقي { وجعل لي التراب طهورا } ولأبي حنيفة ومحمد قوله تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا } والصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان أو غيره قال الزجاج لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك ، وإذا كان هذا مفهومه وجب تعميمه وتعين حمل تفسير ابن عباس الصعيد بالتراب على الأغلب ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين { وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } ; لأن اللام فيها للجنس فلا يخرج شيء منها ; لأن الأرض كلها جعلت مسجدا وما جعل مسجدا هو الذي جعل طهورا وما في الصحيحين أيضا من حديث عمار { إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض } ولم يقل التراب وما رواه البخاري من { أنه صلى الله عليه وسلم تيمم على الجدار } قال الطحاوي حيطان المدينة مبنية من حجارة سود من غير تراب ولو لم تثبت الطهارة بهذا التيمم لما فعله صلى الله عليه وسلم

                                                                                        وأما رواية { وترابها طهور } فالجمهور على خلافه وأن الثابت وتربتها ولا يراد بها التراب بل مكان تربتها ما يكون فيه من التراب والرمل وغيره من جنس الأرض ولو سلم فالاستدلال به عمل بمفهوم اللقب ، وهو ليس بحجة عند الجمهور وما قد يتوهم أن هذا يخصص رواية الأرض ; لأنه فرد من أفراد العام فخطأ ; لأن التخصيص إخراج الفرد من حكم العام ، وهذا ربط حكم العام نفسه ببعض أفراده كذا في فتح القدير بمعناه ويدل له ما ذكر في البدائع أن الجمهور أنه إذ وافق خاص عاما لم يخصصه خلافا لأبي ثور كقوله { أيما أهاب } وكقوله في شاة ميمونة { دباغها طهورها } لنا لا تعارض فالعمل بهما واجب ، فإن قيل المفهوم مخصص عند قائليه فذكرها يخرج غيرها قلنا أما على أصلنا فظاهر ومن أجاز المفهوم فبغير اللقب ا هـ .

                                                                                        وكذا ذكر ابن الحاجب في أصوله وبهذا اندفع ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه من قبيل حمل المطلق على المقيد قال القرطبي في تفسيره : وقولهم هذا من باب المطلق والمقيد فليس كذلك ، وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم كقوله تعالى { فيهما فاكهة ونخل ورمان } ا هـ .

                                                                                        وعلى تسليم أنهما منه وقولهم إن مفهوم اللقب حجة إذا اقترن بقرينة ، وهي هنا موجودة ; لأنه لولا أن الحكم متعلق بالمذكور لم يكن لذكره فائدة قلنا إنه إنما ذكره جريا على الغالب وإشارة إلى أنه الأصل .

                                                                                        [ ص: 155 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 155 ] ( قوله : فيجوز للتراب الذي عليها ) قال في النهر قيده الإسبيجابي بأن يستبين أثر التراب بمده عليه ، وإن كان لا يستبين لا يجوز وعلى هذا كل ما لا يجوز عليه التيمم ، وهو حسن فليحفظ . ا هـ . وسيأتي في كلام المؤلف .

                                                                                        ( قوله : فكان الأول سهوا ) أقول : الذي حرره صاحب المنح عدم الجواز بالمرجان لشبهه بالنبات لكونه أشجارا نابتة في قعر البحر قال فلا سهو في كلام الكمال بل الصواب ما ذهب إليه وأطال في هذا المحل وأرجع العلامة المقدسي فيما نقل عند كلام الكمال إلى كلامهم قال ; لأنه قال لا اللؤلؤ والمرجان فالمراد صغار اللؤلؤ كما فسر به في الآية في سورة الرحمن ، وهو غير ما أراده في التوشيح وغاية البيان ( قوله : بخلاف المشوي لاحتراق ما فيه من أجزاء الأرض ) كذا فيما رأينا من النسخ ، وهو مشكل لاقتضائه أن لا يجوز بالآجر المشوي ثم راجعت فتح القدير فإذا فيه لاحتراق ما فيه مما ليس من أجزاء الأرض فظهر أن في عبارة المؤلف سقطا بسببه اختل الكلام ( قوله : وقيد الجواز بالطين الولوالجي إلخ ) قال الرملي أقول : في استفادة تقييد الجواز بما ذكر نظر إذ عبارة الولوالجي المسافر إذا كان في ردغة طين ولم يجد الصعيد فنفض لبده أو ثوبه وتيمم بغباره جاز ; لأنه من أجزاء الأرض ، وإن لم يكن فيه غبار لطخ ثوبه من الطين حتى إذا جف تيمم ; لأن هذا تحصيل التراب فيجب عليه ذلك كما يجب عليه تحصيل الماء لو قدر عليه ، وإن ذهب الوقت قبل أن يجف لا يتيمم بالطين ما لم يجف لكن مشايخنا قالوا هذا قول أبي يوسف رحمه الله ، فإن عنده لا يجوز التيمم إلا بالتراب أو بالرمل فأما عند أبي حنيفة ، فإن خاف ذهاب الوقت تيمم بالطين ; لأن التيمم بالطين عنده جائز ; لأنه من أجزاء الأرض إلا أنه لا يتيمم قبل خوف ذهاب الوقت كي لا يتلطخ بوجهه فيصير بمعنى المثلة هذا إذا لم يقدر على الصعيد

                                                                                        أما إذا قدر عليه مع هذا كما لو نفض ثوبه وتيمم بغباره جاز في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا يجوز ; لأن الجواز عنده [ ص: 156 ] متعلق بالتراب أو بالرمل ولم يوجد ا هـ .

                                                                                        كلامه فقوله ; لأن التيمم عنده بالطين جائز إلخ صريح في عدم اشتراط خروج الوقت له كان في معنى المثلة وجب تأخير فعله إلى ذلك الوقت لئلا يباشر ما هو في معنى المثلة لغير ضرورة لا أنه لو فعله لم يجز ، وهذا مستفاد من إطلاق المتون جوازه من جنس الأرض وبما سبق ظهر لك صحة ما بحثته في التيمم على الجوخة وأنه على التفصيل بحصول الغبار وعدمه تأمل ثم إني رأيت الشيخ عمر بن نجيم رحمه الله في النهر ذكر عين ما ذكرته حيث قال ثم إني راجعت الفتاوى الولوالجية فإذا الذي فيها ونقل عبارته المتقدمة ثم قال فتوهم رحمه الله أن معناه لا يصح التيمم وليس كذلك بل معناه لا ينبغي له فعل ذلك بلا ضرورة ولو فعل جاز ; لأنه تيمم بما هو من أجزاء الأرض ولا جائز أن يكون من أجزائها في حال دون حال ( قوله : فالظاهر عدم الجواز ) قال الرملي بل الظاهر التفصيل إن استبان أثره جاز ، وإلا لا لوجود الشرط خصوصا في ثياب ذوي الأشغال تأمل ( قوله : وقال أبو يوسف لا يجوز إلخ ) قال الرملي قال في الحاوي القدسي والمختار قول أبي يوسف وقال في شرح المنظومة المسمى بالحقائق والصحيح قول الشيخين ا هـ .

                                                                                        وأقول : قول الشيخين هو الذي اعتمده أصحاب المتون فلا يخفى أن ما في الحاوي غريب والله تعالى أعلم قوله { وجعل تربتها لنا طهورا } ما سيأتي من قوله ، وأما رواية وترابها طهورا إلخ يقتضي أن يكون المذكور هنا ترابها لا تربتها تأمل ( قوله : وقولهم إن مفهوم اللقب حجة ) بجر قول عطفا على المصدر المسبوك الواقع [ ص: 157 ] مضاف إلى تسليم أي وتسليم قولهم أن مفهوم اللقب حجة .




                                                                                        الخدمات العلمية