الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : والصريح يلحق الصريح ، والبائن ) فلو قال لها : أنت طالق ثم قال أنت طالق أو طلقها على مال وقع الثاني وكذا لو قال لها : أنت بائن أو خالعها على مال ثم قال لها : أنت طالق أو هذه طالق كما في البزازية يقع عندنا لحديث الخدري مسندا { المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة } ولما ذكر في الأصول من بحث الخاص أطلقه فشمل المنجز ، والمعلق إذا وجد شرط فكما يقع في العدة منجزا يقع إذا وجد شرط فيها .

                                                                                        وأما إذا علقه في العدة فإنه يصح في جميع الصور إلا إذا كان الطلاق بائنا علق البائن في العدة فإنه غير صحيح اعتبارا بتنجيزه كما في البدائع قيدنا الصريح اللاحق للبائن بكونه خاطبها به أو أشار إليها للاحتراز عما إذا قال : كل امرأة له طالق فإنه لا يقع على المختلعة وكذا إذا قال : إن فعلت كذا فامرأته كذا لا يقع على المعتدة من بائن كما في البزازية ، والمراد بالصريح هنا ما وقع به الرجعي فتدخل الكنايات الرواجع من اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة وما ألحق بالثلاثة فلو أبانها أو خالعها ثم قال لها في العدة اعتدي ناويا وقع الثاني في ظاهر الرواية خلافا لما روي عن أبي يوسف نظرا إلى أنها كناية وجه ظاهر الرواية أن الواقع بها رجعي فكان في معنى الصريح كما في البدائع وما في الظهيرية لو قال لها أنت بائن ناويا الطلاق ثم قال لها في العدة اعتدى أو استبرئي رحمك أو أنت واحدة ناويا الطلاق لا يقع ، وإن كان الرجعي يلحق البائن ا هـ .

                                                                                        محمول على رواية أبي يوسف لكن يرد عليه الطلاق الثلاث فإنه من قبيل الصريح اللاحق لصريح وبائن كما في فتح القدير وهي حادثة حلب وكذا يرد الطلاق على مال بعد البائن فإنه واقع ولا يلزم المال كما في الخلاصة فالأولى إبقاء الصريح في كلامه على حقيقته فيدخل الطلاق الثلاث ، والطلاق على مال بناء على أن الصريح شامل [ ص: 331 ] للبائن ، والرجعي كما في فتح القدير وتلحق الكنايات الرواجع به في حق هذا الحكم وحينئذ فكلامه شامل لما إذا كان الصريح موصوفا بما يدل على البينونة كأنت طالق بائن بعد أنت بائن فإنه يلحق لأنه صريح لحق بائنا ، وإن كان بائنا بإلغاء الوصف كما في المحيط ، والبزازية لكن يشكل عليه ما في القنية معزيا إلى نظم الزندوستي فيمن قال لمختلعته أو مبانته أنت طالق بائن أو أنت طالق ألبتة ، ونوى الثلاث قال أبو يوسف هي ثلاث خلافا لزفر فإنه واحدة عنده ا هـ .

                                                                                        ووجه إشكاله أنه إذا لغا الوصف بقي قوله : أنت طالق وهو لا تصح فيه نية الثلاث ، وقد حكم بضعف ما في القنية شارح منظومة ابن وهبان وأنه مبني على الرواية الضعيفة المصححة لنية الثلاث في أنت طالق ، وقد يقال إنهم ألغوا الوصف من وجه دون وجه فألغوه ليقع الثاني ولم يلغوه في نية الثلاث احتياطا في الموضعين وحينئذ لا يحتاج إلى حمله على الرواية الضعيفة كما لا يخفى وإذا لحق الصريح البائن كان بائنا لأن البينونة السابقة عليه تمنع الرجعة كما في الخلاصة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فإنه لا يقع على المختلعة ) أي إلا أن يعنيها فإن عناها طلقت ، كذا في كافي الحاكم الشهيد من باب الخلع ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن عدم الوقوع لكونها ليست امرأة له من كل وجه بل من بعض الأوجه ولذا يقع عليها بالنية بخلاف ما إذا لم ينو لكونها كالأجنبية ولذا قال في حاوي الزاهدي قال لامرأته : أنت طالق واحدة ثم قال إن كنت امرأة لي فأنت طالق ثلاثا إن كان الطلاق الأول بائنا لا يقع ، والثاني ، وإن كان رجعيا يقع الثاني .

                                                                                        ( قوله : محمول على رواية أبي يوسف ) أقول : صرح بذلك في كافي الحاكم بعد ذكره ما هو ظاهر الرواية حيث قال وكذلك لو قال لها بعد الخلع اعتدي يريد به الطلاق وقعت عليها تطليقة أخرى لأن اعتدي لا يكون بائنا ولا يراد به الفرقة ولا فساد النكاح قال أبو الفضل قال أبو يوسف في موضع آخر لا يقع باعتدي على البائنة شيء ا هـ .

                                                                                        ( قوله : لكن يرد عليه . . . إلخ ) أي على قوله ، والمراد بالصريح هنا الواقع به الرجعي ( قوله : بناء على أن الصريح شامل للبائن ، والرجعي ) ولذا فسره في الفتح بأنه ما لا يحتاج إلى نية بائنا كان الواقع به أو رجعيا ويرد عليه كما في النهر ما مر عن ظاهر الرواية من أنه لو أبانها ثم قال [ ص: 331 ] لها في العدة اعتدي ينوي الطلاق أنه يقع إلا أن يجاب عنه بما مر عن البدائع ( قوله : لكن يشكل عليه ما في القنية . . . إلخ ) أي يشكل على إلغاء الوصف أقول : وذكر صاحب القنية في كتابه الحاوي أيضا هذه المسألة وعبارته : قال لمختلعته أو لمبانته أنت طالق بائن لا يقع ، ولو قال أنت طالق ألبتة ونوى الثلاث لا يقع عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف هي ثلاث خلافا لزفر فإنه واحدة عنده ا هـ .

                                                                                        وما عزاه للإمام أبي حنيفة من عدم الوقوع موافق لما قرره المؤلف عند قول المتن أنت طالق واحدة أو لا . . . إلخ من أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بالعدد وكذا الوقوع بالمصدر عند ذكره وكذا الوقوع بالصفة عند ذكرها كما إذا قال أنت طالق ألبتة كان الوقوع بالبتة حتى لو قال بعدها إن شاء الله متصلا لا يقع ، ولو كان الوقوع باسم الفاعل لوقع ا هـ .

                                                                                        أي لأن الوصف يصير فاصلا بينه وبين الاستثناء وعلى هذا فإذا كان الوقوع بالوصف وهو هنا لفظ بائن كان من البائن بعد البائن لا من الصريح الواقع به البائن لكن يشكل عليه أنه لا يحتاج إلى النية في أنت طالق بائن فيصدق عليه تعريف الصريح إلا أنه يجاب بأن عدم احتياجه إلى النية لدلالة الحال وهي ذكر الطلاق الموصوف بلفظ بائن ، والدلالة قائمة مقام النية فلم يدخل في تعريف الصريح لأنه متوقف على الدلالة القائمة مقام النية فكأنه توقف على النية وعلى هذا فلا حاجة إلى دعوى إلغاء الوصفية تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية