الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وقدرة ماء فضل عن حاجته ) أي وينقضه أيضا القدرة على استعمال الماء الكافي الفاضل عن حاجته قيدنا بالكافي ; لأن غيره وجوده كعدمه وقد قدمناه فلو وجد المتيمم ماء فتوضأ به فنقص عن إحدى رجليه إن كان غسل كل عضو ثلاثا أو مرتين انتقض تيممه ، وهو المختار أو مرة لا ينتقض ; لأنه في الأول وجد ماء يكفيه إذ لو اقتصر على المرة كفاه كذا في الخلاصة وقيدنا بالفاضل ; لأنه لو لم يكن فاضلا عنها فهو مشغول بها ، وهو كالمعدوم كما بيناه وفي قوله وقدرة ماء إشارتان الأولى إفادة أن الوجود المذكور في قوله تعالى { فلم تجدوا ماء } بمعنى القدرة بخلاف الوجود المذكور في الكفارات ، فإنه بمعنى الملك حتى لو أبيح له الماء لا يجوز له التيمم للقدرة ولو عرض على المعسر الحانث الرقبة يجوز له التكفير بغير الإعتاق الثانية أن التعبير بالقدرة أولى من التعبير برؤية الماء المشروطة بالقدرة على استعماله كما وقع في الهداية ; لأن القدرة أعم من أن تكون برؤية الماء أو بغيره ، فإن المريض إذا تيمم للمرض ثم زال مرضه انتقض تيممه كما صرح به قاضي خان في فتاويه ومن تيمم للبرد ثم زال البرد انتقض تيممه كما صرح به في المبتغى

                                                                                        فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد ينتقض تيممه لقدرته على استعمال الماء ، وإن لم يكن الماء موجودا فالحاصل أن كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم وما لا فلا فلو قالوا وينقضه زوال ما أباح التيمم لكان أظهر في المراد وإسناد النقض إلى زوال ما أباح التيمم إسناد مجازي ; لأن الناقض حقيقة إنما هو الحدث السابق بخروج النجس وزوال المبيح شرط لعمل الحدث السابق عمله عنده واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء ; لأن مقتضاه خروج ذلك التراب الذي تيمم به من الطهورية إذا وجد الماء ويستلزم انتفاء أثره ، وهو طهارة المتيمم لكن قال في فتح القدير : ويرد عليه أن قطع الاعتبار الشرعي طهورية التراب إنما هو عند الرؤية مقتصرا ، فإنما يظهر في المستقبل إذ لو استند ظهر عدم صحة الصلوات السابقة وما قيل إنه وصف يرجع إلى المحل فيستوي فيه الابتداء والبقاء لا يفيد دفعا ولا يمسه والأوجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فإذا وجده فليمسه بشرته وفي إطلاقه دلالة على نفي تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة كما هو قول الأئمة الثلاثة ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أن الحديث لا يفيد إلا انتهاء الطهورية بوجد الماء ولا يلزم من انتهاء الطهورية انتهاء الطهارة الحاصلة به كالماء تزول عنه الطهورية بالاستعمال وتبقى الطهارة [ ص: 161 ] الحاصلة به والجواب بالفرق بينهما ، وهو أن التراب طهوريته مؤقتة بشيء غير متصل به ، وهو وجود الماء فثبت به الطهارة المؤقتة الحاصلة على صفة المطهر فإذا زالت طهوريته زالت طهارته والماء لما كان مطهرا ولا تزول طهوريته بدون شيء يتصل به ثبت به الطهارة على التأبيد ; لأن طهوريته إذا لم يتصل بها شيء على التأبيد إليه أشار في الخبازية ولا يخفى أنه لا يلزم من توقيت الطهورية تأقيت الطهارة بل هو عين النزاع فالأوجه الاستدلال ببقية الحديث كما في فتح القدير تبعا لما في المستصفى والحديث المذكور مروي في المصابيح والتقييد بعشرة حجج لبيان طول المدة لا للتقييد به كما في قوله تعالى { إن تستغفر لهم سبعين مرة } ، فإنه لبيان الكثرة لا للتحديد كذا في المستصفى

                                                                                        وقال بعض الأفاضل قولهم إن الحدث السابق ناقض حقيقة لا يناسب قول أبي حنيفة وأبي يوسف ; لأن التيمم عندهما ليس بطهارة ضرورية ولا خلف عن الوضوء بل هو أحد نوعي الطهارة فكيف يصح أن يقال عمل الحدث السابق عمله عند القدرة فالأولى أن يقال لما كان عدم القدرة على الماء شرطا لمشروعية التيمم وحصول الطهارة فعند وجودها لم يبق مشروعا فانتفى ; لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط والمراد بالنقض انتفاؤه والنائم على صفة لا توجب النقض كالنائم ماشيا أو راكبا إذا مر على ماء كاف مقدور الاستعمال انتقض تيممه عند أبي حنيفة خلافا لهما أما النائم على صفة توجب النقض فلا يتأتى فيه الخلاف إذ التيمم انتقض بالنوم ; ولهذا صور المسألة في المجمع في الناعس لكن يتصور في النوم الناقض أيضا بأن كان متيمما عن جنابة كما لا يخفى قال في التوشيح : والمختار في الفتاوى عدم الانتقاض اتفاقا ; لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به جاز تيممه اتفاقا ا هـ .

                                                                                        وفي التجنيس جعل الاتفاق فيما إذا كان بجنبه بئر ، ولا يعلم بها ، وأثبت الخلاف فيما لو كان على شاطئ نهر لا يعلم به وصحح عدم الانتقاض وأنه قول أبي حنيفة .

                                                                                        واعلم أنهم جعلوا النائم كالمستيقظ في خمس وعشرين مسألة كما ذكره الولوالجي في آخر فتاواه في مسألة النائم المتيمم

                                                                                        وفي الصائم إذا نام على قفاه وفمه مفتوح فوصل الماء إلى جوفه وفيمن جامعها زوجها ، وهي نائمة فسد صومها وفي المحرمة إذا جومعت نائمة فعليها الكفارة وفي المحرم النائم إذا حلق رأسه فعليه الجزاء وفي المحرم إذا انقلب على صيد وقتله وجب الجزاء وفي المار بعرفة نائما ، فإنه مدرك للحج وفي الصيد سراية إليه بالسهم إذا وقع عند نائم فمات منها ، فإنه يحرم لقدرته على ذكاته وفيمن انقلب على مال إنسان فأتلفه يضمن وفيمن وقع على مورثه فقتله يحرم من الميراث على قول ، وهو الصحيح وفيمن رفع نائما فوضعه تحت جدار فسقط عليه فمات لا يضمن وفي عدم صحة الخلوة ومعهما أجنبي نائم وفيمن نام في بيت فجاءته زوجته ومكثت عنده صحت الخلوة وفي امرأة نائمة دخل عليها زوجها ومكث ساعة صحت الخلوة وفي صغير ارتضع من ثدي نائمة ثبتت حرمة الرضاع وفيمن تكلم في صلاته ، وهو نائم فسدت صلاته وفيمن قرأ في صلاته ، وهو نائم حالة القيام تعتبر تلك القراءة في رواية وفيمن تلا آية سجدة ، وهو نائم فسمعه رجل تلزمه السجدة وفيمن قرأ عند نائم آية السجدة فلما استيقظ أخبره يجب عليه أن يسجد في قول وفيمن قرأها ، وهو نائم فلما استيقظ أخبر يلزم [ ص: 162 ] القارئ في قول وفيمن حلف لا يكلم فلانا فجاء الحالف وكلمه ، وهو نائم ولم يستيقظ الأصح حنثه وفيمن مس مطلقته النائمة ، فإنه يصير مراجعا وفي نائم قبلته مطلقته الرجعية بشهوة يصير مراجعا عند أبي يوسف خلافا لمحمد

                                                                                        وفي امرأة أدخلت ذكره في فرجها ، وهو نائم ثبتت حرمة المصاهرة إذا علم بفعلها وفي امرأة قبلت النائم بشهوة ثبتت حرمة المصاهرة إذا صدقها على الشهوة وفي الاحتلام في الصلاة يوجب الاستقبال وفيمن نام يوما أو أكثر تصير الصلاة دينا في ذمته وفي عقد النكاح بحضرة النائمين يجوز في قول والأصح اشتراط السماع وقد علم مما قدمناه أن الإباحة كالملك في النقض فلو وجدوا مقدار ما يكفي أحدهم انتقض تيممهم بخلاف ما إذا كان مشتركا بينهم ، فإنه لا ينتقض إلا أن يكون بين الأب والابن ، فإن الأب أولى ; لأن له تملك مال الابن عند الحاجة كذا في فتاوى قاضي خان ولو وهب لجماعة ماء يكفي أحدهم لا ينتقض تيممهم أما عنده فلفسادها للشيوع ، وأما عند هما فللاشتراك فلو أذنوا لواحد لا يعتبر إذنهم ولا ينتقض تيممه لفسادها وعندهما يصح إذنهم فانتقض تيممه كذا في كثير من الكتب وفي السراج الوهاج الصحيح فساد التيمم إجماعا ; لأن هذا مقبوض بعقد فاسد فيكون مملوكا فينفذ تصرفهم فيه ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أنه ، وإن كان مملوكا لا يحل التصرف فيه فكان وجوده كعدمه ولو كانوا في الصلاة فجاء رجل بكوز من ماء وقال هذا لفلان منهم فسدت صلاته خاصة فإذا فرغوا وسألوه الماء ، فإن أعطاه للإمام توضأ واستقبلوا معه الصلاة ، وإن منع تمت صلاتهم وعلى من أعطاه الاستقبال ولو قال يا فلان خذ الماء وتوضأ فظن كل واحد أنه يدعوه فسدت صلاة الكل كذا في المحيط .

                                                                                        ثم اعلم أن المتيمم إذا رأى مع رجل ماء كافيا فلا يخلو إما أن يكون في الصلاة أو خارجها وفي كل منهما إما أن يغلب على ظنه الإعطاء أو عدمه أو يشك وفي كل منها إما إن سأله أو لا ، وفي كل منها إما إن أعطاه أو لا فهي أربعة وعشرون ، فإن كان في الصلاة ، وغلب على ظنه الإعطاء قطع وطلب الماء ، فإن أعطاه توضأ ، وإلا فتيممه باق فلو أتمها ثم سأله ، فإن أعطاه استأنف ، وإن أبى تمت ، وكذا إذا أبى ثم أعطى ، وإن غلب على ظنه عدم الإعطاء أو شك لا يقطع صلاته ، فإن قطع وسأل ، فإن أعطاه توضأ ، وإلا فتيممه باق ، وإن أتم ثم سأل ، فإن أعطاه بطلت ، وإن أبى تمت ، وإن كان خارج الصلاة ، فإن لم يسأل وتيمم وصلى جازت الصلاة على ما في الهداية ولا تجوز على ما في المبسوط ، فإن سأل بعدها ، فإن أعطاه أعاد ، وإلا فلا سواء ظن الإعطاء أو المنع أو الشك ، وإن سأل ، فإن أعطاه توضأ ، وإن منعه تيمم وصلى ، فإن أعطاه بعدها لا إعادة عليه وينتقض تيممه ولا يتأتى في هذا القسم الظن أو الشك

                                                                                        وهذا حاصل ما في الزيادات وغيرها ، وهذا الضبط من خواص هذا الكتاب وبه تبين أنه إذا كان في الصلاة وغلب على ظنه الإعطاء لا تبطل بل إذا أتمها وسأله ولم يعطه تمت صلاته لأنه ظهر أن ظنه كان خطأ كذا في شرح الوقاية فعلم منه أن ما في فتح القدير من بطلانها بمجرد غلبة ظن الإعطاء ليس بظاهر إلا أن قاضي خان في فتاويه ذكر البطلان في هذه الصورة بمجرد الظن عن محمد ( قوله فهي تمنع التيمم وترفعه ) أي القدرة على الماء تمنع جواز التيمم ابتداء وترفعه بقاء ، وهذا تكرار محض ; لأنه لما عد الأعذار علم أنه لا يجوز مع القدرة ولما قال وقدرة ماء علم أنه ترفعه القدرة ولا يبقى إلا في موضع يجوز ابتداء فلا فائدة بذكره ثانيا ولا يليق بمثل هذا المختصر كذا في التبيين وقد يقال إنه ليس بتكرار محض ; لأنه إنما عد بعض الأعذار ولم يستوفها كما علم مما بيناه أولا فربما يتوهم حصر الأعذار في المعدود وقد ذكر ضابطا لها لتتم الأعذار فكان فيه فائدة كما لا يخفى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فلو قالوا وينقضه زوال ما أباح التيمم ) أي بدل قولهم وقدرة ماء لكان أظهر إلخ ( قوله : لكان أظهر في المراد ) قال في الدرر وعليه لو تيمم لبعده ميلا [ ص: 161 ] فسار فانتقص انتقض . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : فكيف يصح أن يقال إلخ ) إذ لو كان كذلك لم يكن فرق بينه وبين طهارة المستحاضة ولم يجز أداء فرضين بالتيمم الواحد ; لأنها طهارة ضرورية حينئذ بل يناسب قول الشافعي ومحمد رحمهما الله إن كان معه ، وإن كان معهما فلا يناسبه أيضا ( قوله : ; لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط ) ، فإن قيل هذا مخالف لما ذكر في الأصول من أنه لا يلزم من عدم الشرط عدم ولا من وجوده وجود ولا عدم فكيف يصح هذا أجيب بأن الشرط إذا كان مساويا للمشروط استلزمه ، وهو هنا كذلك لما أن كل واحد من عدم الماء وجواز التيمم مساو للآخر تأمل وسيأتي هذا البحث في كلامه مع زيادة وقد يقال ما أجاب به هذا الفاضل يفيد أنه عند وجود القدرة على الماء تنتفي مشروعية التيمم بعد وجود الماء بمعنى أنه لا يباح له التيمم ولا يلزم من ذلك انتفاء الطهارة الحاصلة بالتيمم السابق وحينئذ فيلزم منه صحة الصلاة بتلك الطهارة بعد وجود الماء ، وهو غير المطلوب تأمل

                                                                                        ( قوله : وأثبت الخلاف إلخ ) قال في الشرنبلالية نقلا عن البرهان تبعا للكمال إذا قال أبو حنيفة رحمه الله بجوازه لمستيقظ على شاطئ نهر لا يعلم به فكيف يقول بانتقاض تيمم المار به مع تحقق غفلته ا هـ .

                                                                                        وأجاب الشرنبلالي بقوله لكن ربما يفرق للإمام بينهما بأن النوم في حالة السفر على وجه لا يشعر بالماء نادر خصوصا على وجه لا يتخلله اليقظة المشعرة بالماء فلم يعتبر نومه فجعل كاليقظان حكما أو ; لأن التقصير منه ولا كذلك الذي لم يعلم بالماء ، وهو قريب منه يؤيده قول الهداية والنائم قادر تقديرا عند أبي حنيفة رحمه الله . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : في خمس وعشرين ) المذكور هنا سبع وعشرون ، وهي كذلك في معراج الدراية [ ص: 162 ] ( قوله الأصح حنثه ) هو خلاف ظاهر ما مشى عليه المصنف في المختصر كما سيأتي ( قوله : ولا يخفى أنه ، وإن كان مملوكا لا يحل التصرف فيه ) قال في النهر عدم حل التصرف إن كان للموهوب لهم فمسلم ولا يضرنا ، وإن كان للمأذون له فممنوع ا هـ . ولا يخفى ما فيه

                                                                                        ( قوله : وقد يقال إنه ليس بتكرار محض ) قال في النهر أنت خبير بأن هذا بعد تسليمه إنما يصلح جوابا عن قوله تمنع التيمم وكأن التكرار مسلم عنده في قوله وترفعه .




                                                                                        الخدمات العلمية