الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويسقط الخلع والمبارأة كل حق لكل واحد على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو خالعها أو بارأها بمال معلوم كان للزوج ما سمت له ، ولم يبق لأحدهما قبل صاحبه دعوى في المهر مقبوضا كان أو غير مقبوض قبل الدخول بها أو بعده ) لأن الخلع كالبراءة يقتضي البراءة من الجانبين لأنه ينبئ عن الخلع ، وهو الفصل ، ولا يتحقق ذلك إلا لم يبق لكل واحد منهما قبل صاحبه حق ، وإلا تحققت المنازعة بعده ، والمبارأة بالهمزة ، وتركها خطأ ، وهي أن يقول الزوج برئت من نكاحك بكذا كذا في شرح الوقاية ، ولا يخفى وقوع الطلاق البائن في هذه الصورة ، وقد صورها في فتح القدير بأن يقول بارأتك على ألف ، وتقبل ، ولم يذكر وقوع الطلاق به ، وقد صرح بوقوع الطلاق بهذا اللفظ في الخلاصة ، والبزازية لكن قال فيها نية الطلاق في الخلع ، والمبارأة شرط الصحة إلا أن المشايخ لم يشترطوه في الخلع لغلبة الاستعمال ، ولأن الغالب كون الخلع بعد مذاكرة الطلاق فلو كانت المبارأة أيضا كذلك لا حاجة إلى النية ، وإن كان من الكنايات ، وإن لم يكن كذلك فبقيت مشروطة في المبارأة ، وسائر الكنايات على الأصل ا هـ .

                                                                                        وشمل أول كلامه ستة عشر وجها لأنه لا يخلو إما أن لا يسميا شيئا أو سميا المهر أو مالا آخر ، وكل وجه على وجهين إما أن يكون المهر مقبوضا أو لا ، وكل على وجهين إما أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن لم يسميا شيئا برئ كل منهما كما صححه في الخلاصة ، والبزازية ، وعبارة الخلاصة لو خالعها ، ولم يذكر العوض عليها فهو على وجوه الأول أن يسكت عنه ذكر شمس الأئمة السرخسي في نسخته أنه يبرأ كل واحد منهما عن دعوى صاحبه [ ص: 95 ] وذكر الإمام خواهر زاده أن هذا إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وهو الصحيح ، وإن لم يكن على الزوج مهر فعليها رد ما ساق إليها من المهر لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع ، وفي رواية عن أبي حنيفة ، وهو قولهما أنه لا يبرأ أحدهما عن صاحبه . ا هـ .

                                                                                        وهكذا ذكر في البزازية وظاهر عبارتهما أولا أن المهر إذا كان مقبوضا فلا رجوع له عليها وصريح كلامهما ثانيا الرجوع وقد صرح قاضي خان في فتاويه في هذه الصورة بأنها ترد ما ساق إليها من المهر فحينئذ يبرأ كل منهما عن صاحبه وقد ظهر لي أن محل البراءة لكل منهما ما إذا خالعها بعدما دفع لها معجل المهر وقد بقي مؤجله فإنه يبرأ عن مؤجله وتبرأ هي عن معجله ولذا قال في المحيط وهو الصحيح أنه يسقط من المهر ما قبضت المرأة فهو لها وما كان باقيا في ذمة الزوج يسقط ا هـ .

                                                                                        وفي البزازية قال لها خالعتك فقالت قبلت لا يسقط شيء من المهر ويقع الطلاق البائن بقوله إذا نوى ولا دخل لقبولها حتى إذا نوى الزوج الطلاق ولم تقبل المرأة يقع البائن وإن قال لم أرد الطلاق لا يقع ويصدق قضاء وديانة بخلاف قوله خالعتك فقالت قبلت يقع الطلاق والبراءة ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن الفرق بين خلعتك وخالعتك من وجهين الأول أن خلعتك لا يتوقف على القبول بخلاف خالعتك . الثاني لا يبرأ في الأول ويبرأ في الثاني فلذا قال في الكتاب حتى لو خالعها بصيغة [ ص: 96 ] المفاعلة . الثاني أن يصرح بنفي العوض فيه كما لو قال لها اخلعي نفسك مني بغير شيء ففعلت وقبل الزوج صح بغير شيء لأنه صريح في عدم المال ، ووقوع البائن كذا في البزازية يعني فلا يبرأ كل منهما عن حق صاحبه كما لا يخفى الثالث أن يقع ببدل على الزوج قال في البزازية قال الإمام في الأسرار يجوز الخلع ، ولا يجوز بدل المال ، وقال بعضهم يجوز ، والمختار الجواز وطريقه أن يحمل على الاستثناء من المهر لأن الخلع يوجب براءته من المهر فكأنه قال إلا قدرا من المهر فإنه لا يسقط عني فإن لم يكن عليه مهر يجعل كأن ذلك القدر استثني عن نفقة العدة فإن زاد على نفقة العدة يجعل كأنه راد على مهرها ذلك القدر قبل الخلع ثم خالع تصحيحا للخلع بقدر الإمكان . ا هـ .

                                                                                        وبه علم حكم ما إذا خالعها ، واشترطت عليه أن يدفع لها بعض المهر فإنه صحيح الرابع أن يقع بشرط أن يكون المهر لولدها أو لأجنبي قال في البزازية خالعها على أن يجعل صداقها لولدها أو لأجنبي جاز ، والمهر للزوج لا لغيره ا هـ .

                                                                                        وإن سميا المهر فإن كان مقبوضا رجع بجميعه ، وإلا سقط عنه كله مطلقا في الأحوال كلها ، وفي البزازية خلع زوجته على أن ترد عليه جميع ما قبضت منه ، وكانت ، وهبته أو باعته من إنسان ، ولم ترد ذلك عليه رجع عليها بقيمة ذلك إن عروضا ، وبالمثل في المكيلات ، والموزونات كأنه استحق بدل الخلع فيرجع بالقيمة . ا هـ .

                                                                                        وفيها خالعها بغير خسران يلحق الزوج فإذا أبرأته عن مهرها يقع الطلاق ، وإلا لا لأن ارتفاع الخسران يكون بسلامة المهر له . ا هـ .

                                                                                        وإن سميا بعض المهر كالعشر مثلا فإن كان مقبوضا رجع بالمسمى فقط إن كان بعد الدخول ، وسلم لها الباقي ، وبنصفه فقط إن كان قبله ، وإن لم يكن مقبوضا سقط الكل مطلقا المسمى بحكم الشرط ، والباقي بحكم لفظ الخلع ، وإن سميا مالا آخر غير المهر فله المسمى ، وبرئ كل منهما مطلقا في الأحوال كلها ، وبما قررناه ظهر أن قولهم الخلع يسقط كل الحقوق ليس في جميع الصور ، ويستثنى منه ما إذا خالعها على مهرها أو بعضه ، وكان مقبوضا فإنها ترده ، ولا تبرأ ، ومقتضى إطلاقهم البراءة إلا أن يقال إن مرادهم البراءة عن سائر الحقوق ما عدا بدل الخلع ، والمهر بدل الخلع فلا تبرأ عنه كما لو كان مالا آخر ، وبما قررناه ظهر أن الوجوه أربعة ، وعشرون لأنه إما أن يسكتا عن البدل أو ينفى أو يشترط على الزوج أو عليها أو مهرها أو بعضه .

                                                                                        وكل على وجهين إما أن يكون مقبوضا أو لا ، وكل على وجهين إما أن يكون قبل الدخول أو بعده هذا إن كان المسمى معلوما موجودا متقوما أو مجهولا جهالة مستدركة كثوب هروي أو مروي ، وإن فحشت الجهالة كمطلق ثوب أو تمكن الخطر بأن خلعها على ما يثمر نخلها العام أو على ما في البيت ، وليس فيه شيء بطلت التسمية ، وردت ما قبضت من المهر كذا في البزازية ، وقدمناه ثم اعلم أنه بقي هنا صورة ، وهي ما في البزازية اختلعت مع زوجها على مهرها ، ونفقة عدتها على أن الزوج يرد عليها عشرين درهما صح ، ولزم الزوج عشرون دليله ما ذكر في الأصل خالعت على دار على أن الزوج يرد عليها ألفا لا شفعة فيه وفيه دليل على أن إيجاب بدل الخلع عليه يصح ، وفي صلح القدوري ادعت عليه نكاحا ، وصالحها على مال بذله لها لم يجز ، وفي بعض النسخ جاز ، والرواية الأولى تخالف المتقدم ، والتوفيق أنها إذا خالعت على بدل يجوز إيجاب البدل على الزوج أيضا ، ويكون مقابلا ببدل الخلع ، وكذا إذا لم يذكر نفقة العدة في الخلع ، ويكون تقديرا لنفقة العدة أما إذا خالعت على نفقة العدة ، ولم تذكر عوضا آخر ينبغي أن لا يجب بدل الخلع على الزوج ، وقد ذكرنا ما فيه من الوجه ا هـ .

                                                                                        قيد بالخلع ، والمبارأة لأن الطلاق على مال لا يسقط شيئا مما يتعلق بالنكاح في ظاهر الرواية ، وصححه الشارحون وقاضي خان ، وفي البزازية ، والولوالجية ، وعليه [ ص: 97 ] الفتوى بعد أن حكي أن فيه روايتين عن الإمام ، وأن عندهما هو كالخلع ، وفي موضع منها طلقها على ألف قبل الدخول ، ولها عليه ثلاثة آلاف تسقط ألف وخمسمائة بالطلاق قبل الدخول ، وبقي عليه ألف وخمسمائة ، وتقاصا بألف ، ولا ترجع عليه بخمسمائة عند البلخي ، وترجع عند غيره ، وعليه الفتوى بناء على أن صريح الطلاق بقدر من المال هل يوجب البراءة من المهر عند الإمام أم لا فالبلخي يوجبه ، وغيره لا ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن الأولى في التعبير أن يقال إن الطلاق على مال لا يسقط المهر فقد صرح في شرح الوقاية ، والخلاصة ، والبزازية ، والجوهرة بأن النفقة المقتضى بها تسقط بالطلاق ، وأطلقوه فشمل الطلاق بمال ، وغيره ، وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في كتاب النفقات ، وأما الخلع بلفظ البيع والشراء فقال قاضي خان في فتاواه إنه لا يوجب البراءة عن المهر إلا بذكره اتفاقا ، وهو الصحيح ، وصحح في الفتاوى الصغرى أنه يوجب البراءة كالخلع ، واختاره العمادي في الفصول ، وأطلق في الحق فشمل المهر والنفقة المفروضة والماضية والكسوة كذلك ، وأما المتعة فقيل في البزازية خالعها قبل الدخول ، وكان لم يسم مهرا تسقط المتعة بلا ذكر . ا هـ .

                                                                                        وأما نفقة العدة فلم تدخل تحت العموم لأنها لم تكن واجبة قبل الخلع لتسقط به ، وإنما تسقط بالتنصيص قال البزازي اختلعت بمهرها ، ونفقة عدتها تصح ، وإن لم تجب النفقة بعد ، وهي مجهولة لدخولها تبعا كبيع الشرب تبعا للأرض ، وإن كان مجهولا ، وفي شرح الطحاوي خالعها على نفقة العدة صح ، ولا تجب النفقة بخلاف ما لو أبرأت الزوج عن النفقة في المستقبل لا يصح .

                                                                                        وفي الظهيرية إن أبرأته عن نفقة العدة بعد الخلع لا يصح ، وكذا بعد الطلاق ، وقيل يصح ، وهو الأشبه ا هـ .

                                                                                        ما في البزازية ، وفيها في موضع آخر اختلعت بتطليقة بائنة على كل حق يجب للنساء على الرجال قبل الخلع وبعده ، ولم يذكر الصداق ونفقة العدة تثبت البراءة عنهما لأن المهر ثابت قبل الخلع ، وبعده تثبت نفقتها . ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية من العدة رجل طلق امرأته ثم صالحته من نفقة العدة على شيء إن كانت عدتها بالأشهر جاز الصلح لأن زمان العدة معلوم ، وإن كانت عدتها بالحيض لا يجوز لأن المدة غير معلومة . ا هـ .

                                                                                        وأما السكنى فلم يصح إسقاطها بحال لما أن سكناها في غير بيت الطلاق معصية إلا إن أبرأته عن مؤنة السكنى بأن كانت ساكنة في بيت نفسها أو تعطي الأجرة من مالها فيصح التزامها ذلك كذا في فتح القدير ، وأما إذا شرطا البراءة من نفقة الولد ، وهي مؤنة الرضاع إن وقتا لذلك وقتا كسنة مثلا صح ، ولزم ، وإلا لا يصح ، وفي المنتقى إن كان الولد رضيعا صح ، وإن لم يبين المدة ، وترضعه حولين ا هـ .

                                                                                        بخلاف الفطيم كذا في فتح القدير ، واقتصر في البزازية على ما في المنتقى فإن تركته على الزوج ، وهربت فللزوج أن يأخذ قيمة النفقة منها ، ولها أن تطالبه بكسوة الصبي إلا إذا اختلعت على نفقته وكسوته فليس لها أن تطالبه ، وإن كانت الكسوة مجهولة سواء كان الولد رضيعا أو فطيما ، ولو خالعته على نفقة ولده شهرا ، وهي معسرة فطالبته بنفقته يجبر عليها ، وعليه الاعتماد لا على ما أفتى به بعضهم من سقوط النفقة كذا في فتح القدير ، وهو المذكور في القنية .

                                                                                        وإن مات الولد قبل تمام الوقت كان للزوج الرجوع عليها بحصة الأجر إلى تمام المدة ، والحيلة في براءتها أن يقول الزوج خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى سنتين فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك كذا في الخانية بخلاف ما لو استأجر الظئر للإرضاع سنة بكذا على أنه إن مات قبلها فالأجر كله لها فالإجارة فاسدة كذا في إجارات الخلاصة ، ومقتضى مسألة موت الولد قبل المدة أن نفقة العدة لو جعلت بدلا في الخلع ثم لم تسكن في منزل الطلاق حتى صارت ناشزة ، وسقطت نفقتها أن يرجع الزوج عليها بالنفقة ، وأنه إذا شرط أنها إذا لم تكن فلا رجوع أن يصح الشرط كما لا يخفى .

                                                                                        [ ص: 98 ] فإن قلت إذا خالعها على نفقة العدة ثم تزوجها بعد خمسة أيام مثلا فهل يرجع عليها ببقية النفقة قلت نعم لما في القنية اختلعت نفسها بالمهر ، ونفقة العدة ، ونفقة ولده سنة ثم مات الولد بعد خمسة أيام ، وتزوجها يرجع بنفقة بقية العدة وبقية نفقة ولده سنة . ا هـ .

                                                                                        وهو دليل لما ذكرناه في مسألة النشوز ثم اعلم أن موتها ، وعدم وجود ولد في بطنها كموته في أثناء المدة من كونها ترد قيمة الرضاع كما في المحيط ، ولو اختلعت على أن تمسكه إلى وقت البلوغ صح في الأنثى لا الغلام ، وإذا تزوجت فللزوج أن يأخذ الولد ، ولا يتركه عندها ، وإن اتفقا على ذلك لأن هذا حق الولد ، وينظر إلى مثل إمساك الولد في تلك المدة فيرجع به عليها كذا في فتح القدير ، ومقتضاه أنها لو قصرت في الإنفاق عليه أن يرجع عليها بقيمة النفقة ، وينفق هو عليها نظرا له ، وفي الولوالجية من كتاب الصلحصالحها على أن يطلقها على أن ترضع ولده سنتين على إن زادها ثوبا بعينه ، وقبضه فاستهلكته ، وأرضعت الصبي سنة ثم مات فإن الزوج يرجع عليها إذا كانت قيمة الثوب والمهر سواء بنصف قيمة الثوب ، وبربع قيمة الرضاع .

                                                                                        ولو زادت مع ذلك شاة قيمتها مثل قيمة الرضاع رجع عليها بربع الثوب ، وبربع قيمة الرضاع ، وسلمت له الشاة ، وتوضيحه فيها ، وقد أطال في بيانه فليراجع قيد بقوله مما يتعلق بالنكاح لأنهما لا يوجبان البراءة من دين آخر سوى النكاح على الصحيح لأنه ، وإن كان مطلقا فقد قيدناه بحقوق النكاح لدلالة الغرض ، وادعى في الجوهرة الإجماع عليه ، وليس بصحيح فقد روي عن الإمام البراءة عن سائر الديون كما في فتح القدير فإن قلت لو اختلعت على أن لا دعوى لكل على صاحبه هل يشمل ما ليس من حقوق النكاح قلت مقتضى الإبراء العام ذلك لكن المنقول في البزازية اختلعت على أن لا دعوى لكل على صاحبه ثم ادعى أن له عندها كذا من القطن يصح لأن البراءة تختص بحقوق النكاح . ا هـ .

                                                                                        وكأنه لما وقع في ضمن الخلع تخصص بما هو من حقوق النكاح ، وأراد بالنكاح ما ارتفع بهذا الخلع لأنه إذا تزوج امرأة على مهر مسمى ثم طلقها بائنة بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا بمهر آخر ثم اختلعت منه على مهرها برئ الزوج عن المهر الذي يكون في النكاح الثاني دون الأول كذا في الخانية ، وإنما نص على المهر ليعلم سقوط باقي الحقوق بالأولى ، وأطلق النكاح فانصرف إلى الصحيح فالخلع في الفاسد غير مسقط لمهر المثل كما في البزازية ، وقيد بقوله خالعها المفيد لكونه خاطبها لأنه لو خالعها مع أجنبي بمال فإنه لا يسقط المهر لأنه لا ولاية للأجنبي في إسقاط حقها ، وهو خلع الفضولي ، وسنتكلم عليه مع خلع الوكيل ، والرسول إن شاء الله تعالى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وقد صرح بوقوع الطلاق إلخ ) أقول : صرح به الحاكم الشهيد أيضا ، وبأنه بائن حيث قال في الكافي وإذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع تطليقة بائنة إلا أن ينوي الزوج ثلاثا فتكون ثلاثا ، وإن نوى ثنتين كانت واحدة بائنة ، وكذلك كل طلاق يجعل فهو بائن فإن قال الزوج لم أعن بالخلع طلاقا ، وقد أخذ عليه جعلا لم يصدق في الحكم ، والمبارأة بمنزلة الخلع في جميع ذلك [ ص: 95 ] ( قوله : وقد صرح قاضي خان إلخ ) ، وذلك حيث قال رجل قال لزوجته خالعتك فقبلت يقع الطلاق ، ويبرأ الزوج عن المهر الذي لها عليه فإن لم يكن لها عليه مهر كان عليها رد ما ساق إليها من الصداق كذا ذكر الحاكم الشهيد في الإقرار من المختصر والشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده وبه أخذ الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل وهذا يؤيد ما ذكرنا عن أبي يوسف أن الخلع لا يكون إلا بعوض . ا هـ .

                                                                                        وفي كلامه إشارة إلى الخلاف في المسألة ، وفيها ثلاثة روايات إحداها لا يبرأ عن المهر فتأخذه إن لم يكن مقبوضا قال في البدائع وهذا ظاهر جواب ظاهر الرواية الثانية يبرأ كل منهما عن المهر لا غير فلا يطالب به أحدهما الآخر ، وهو الصحيح على قول أبي حنيفة قبل الدخول أو بعده مقبوضا أو غير مقبوض الثالثة براءة كل منهما عن المهر ، وعن دين آخر كذا في شرح منظومة ابن وهبان لابن الشحنة كذا في شرح الشرنبلالية وقال الزيلعي فإن لم يسميا شيئا برئ كل واحد منهما عن حق الآخر مما لزمه بالنكاح الصحيح سواء كان قبل الدخول أو بعده ، وكان المهر مقبوضا أو غير مقبوض حتى لا يجب عليها رد ما قبضت لو كان قبل الدخول ، وروي عنه أنه لا يبرأ عنه ، وروي عنه أنه يبرأ عن دين آخر أيضا ا هـ .

                                                                                        وقوله لو كان قبل الدخول أي ، وبعده بالأولى لأن الطلاق قبل الدخول موجب لرد نصف المهر فإذا لم يلزمها رد شيء منه هنا ففيما بعد الدخول بالأولى ، وقال في فتح القدير والثالثة يبرأ كل منهما عن المهر لا غير فلا يطالب به أحدهما الآخر ، وهو الصحيح على قول أبي حنيفة سواء كان قبل الدخول أو بعده مقبوضا كان أو لا حتى لا ترجع عليه بشيء إن لم يكن مقبوضا ، ولا يرجع الزوج عليها إن كان مقبوضا كله ، والخلع قبل الدخول ، وهذا لأن المال مذكور عرفا بالخلع فحيث لم يصرح به لزم ما هو من حقوق النكاح بقرينة أن المراد الانخلاع منه . ا هـ .

                                                                                        وفي غرر الأذكار شرح درر البحار إن لم يسميا شيئا برئ كل منهما من الآخر قبضت المهر أم لا دخل بها أم لا . ا هـ .

                                                                                        وفي متن المختار والمبارأة كالخلع يسقطان كل حق بكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو كان قبل الدخول ، وقد قبضت المهر ، ولا يرجع عليها بشيء ، ولو لم تقبض شيئا لا ترجع عليه بشيء ، ولو خلعها على مال آخر لزمها ، وسقط الصداق ثم قال في شرحه الاختيار ولو اختلعا ، ولم يذكر المهر ، ولا بدلا آخر فالصحيح أنه يسقط ما بقي من المهر ، وما قبضته فهو لها ا هـ .

                                                                                        وفي متن الملتقى والمبارأة كالخلع يسقط كل منهما كل حق لكل واحد من الزوجين على الآخر مما يتعلق بالنكاح فلا تطالب بمهر ، ولا نفقة ماضية مفروضة ، ولا يطالب هو بنفقة عجلها ، ولم تمض مدتها ، ولا بمهر سلمه ، وخلع قبل الدخول ا هـ .

                                                                                        أقول : وبه علم أن المذكور في الفتاوى رواية رابعة ، والصحيح ما نقلناه عن هذه الشروح والمتون من براءة كل منهما مطلقا بلا رجوع لأحد على الآخر بشيء من المهر خلافا لما استظهره المؤلف والله تعالى أعلم ( قوله وفي البزازية قال لها خلعتك إلخ ) قال في النهر ينبغي أنه لو قال لها برئت من نكاحك يقع الطلاق ، ولا يسقط به شيء . ا هـ .

                                                                                        وما اعترضه بعضهم من مخالفته لما مر عن شرح الوقاية فهو ساقط لأن عبارة الوقاية مصرحة بالعوض حيث قال بكذا بخلاف عبارة النهر ( قوله يقع الطلاق والبراءة ا هـ ) .

                                                                                        قال في الشرنبلالية وباقي عبارة البزازية أن عليه مهرا ، وإن لم يكن عليه مهر يجب رد ما ساق إليها من المهر لأن المال مذكور عرفا .

                                                                                        ( قوله الأول إن خلعتك لا يتوقف على القبول ) أي إذا لم يكن بمقابلة مال ، وإلا توقف كما قدمه عند قوله والواقع به ، وبالطلاق على مال طلاق بائن [ ص: 96 ] ( قوله يجعل كأن ذلك القدر استثني من نفقة العدة ) أي إذا كان خالعها على نفقة العدة يجعل ما شرطه على نفسه لها استثناء من النفقة فتسقط النفقة عنه إلا هذا القدر منها أما إذا لم ينص في الخلع على نفقة العدة فإنها لا تسقط عنه لكن يجعل ذلك القدر تقديرا لنفقة العدة كما سيأتي عن البزازية أيضا في آخر الصفحة الثانية ( قوله وصححه الشارحون وقاضي خان ) ذكر في النهر عن قاضي خان خلاف هذا فإن قال وذكر القاضي أنه عندهما كالخلع ، والصحيح من الروايتين عند الإمام كقولهما . ا هـ .

                                                                                        قلت الذي في قاضي خان موافق لما في البحر فإنه قال فإن طلقها بمال أو بمهرها فعندهما الجواب فيه كالجواب في الخلع عندهما ، وعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية الجواب فيه ما ذكرنا في الخلع عنده ، وفي رواية الجواب فيه ما قلنا لأبي يوسف ومحمد ، وهو الصحيح . ا هـ .

                                                                                        ومعناه أن الخلع عند الإمام مسقط لكل حق ، وعندهما مسقط لما سمي فقط كما صرح به في الملتقى وغيره ، وحينئذ فالطلاق بمال حكمه عندهما حكم الخلع عندهما أي لا يسقط إلا المسمى دون المهر ، وعنده حكمه حكم الخلع عنده في رواية أي أنه مسقط لكل حق ، وفي [ ص: 97 ] رواية كقولها أي أنه لا يسقط إلا المسمى ، وهو الصحيح .

                                                                                        ( قوله ولو خالعته على نفقة ولده إلخ ) قال في الحاوي الزاهدي ولو اختلعت نفسها من زوجها بمهرها ونفقة ولدها عشر سنين ، وهي معسرة لا تقدر على نفقة ولدها فلها أن تطالب الزوج بنفقة الولد لأن بدل الخلع دين عليها فلا تسقط نفقة الولد عنه بدين عليها كما إذا كان له عليها دين آخر ، وهي لا تقدر على قضائه لا تسقط نفقة الولد عنه قال وعليه الاعتماد لا على ما أجاب به سائر المفتين أنه تسقط ا هـ .

                                                                                        [ ص: 98 ] ( قوله ثم اعلم أن موتها أو عدم وجود ولد إلخ ) أي فيما إذا اختلعت منه بما لها عليه من المهر ، وبرضاع ولده الذي هي حامل به إذا ولدته إلى سنتين كما في الفتح




                                                                                        الخدمات العلمية