الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ونفقة الأمة المنكوحة إنما تجب بالتبوئة ) ; لأنه لا احتباس إلا بها فإن بوأها المولى معه منزلا فعليه النفقة لتحقق الاحتباس وإلا فلا لعدمه أطلق في الزوج فشمل الحر والقن والمدبر والمكاتب وأطلق في الأمة فشمل القنة والمدبرة وأم الولد ، وأما المكاتبة فهي كالحرة ولا يحتاج إلى التبوئة لاستحقاق النفقة ; لأن منافعها على حكم ملكها بصيرورتها أحق بنفسها ومنافعها بعقد الكتابة ولهذا لم يبق للمولى ولاية الاستخدام فكانت كالحرة والتبوئة أن يخلي المولى بين الأمة وزوجها في منزل الزوج ولا يستخدمها ، كذا في كافي الحاكم الشهيد وهو يفيد أنه لو جاءت الأمة من منزل زوجها بعد التبوئة وخدمت المولى في بعض الأوقات من غير أن يستخدمها لم يسقط كما صرح به في الذخيرة وفيها لو جاءت إلى بيت المولى في وقت والمولى ليس في البيت فاستخدمها أهله ومنعوها من الرجوع إلى بيته فلا نفقة لها ; لأن استخدام أهل المولى إياها بمنزلة استخدام المولى وفيه تفويت التبوئة ا هـ .

                                                                                        وظاهر قوله ولا يستخدمها أنه لو استخدمها وهي في منزل الزوج فلا نفقة لها ; لأن للتبوئة شرطين فإذا فقد أحدهما فقدت ويدل عليه قولهم ، ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة لكن علله في الهداية بقوله ; لأنه فات الاحتباس وهو يدل على أنها خدمته في بيت المولى وتعليل الزيلعي بقوله لزوال الموجب أولى وقيد بالأمة ; لأن نفقة [ ص: 210 ] الحرة واجبة مطلقا ، ولو كان زوجها عبدا وما في الكتاب من تقييد زوجة العبد إذا كانت حرة بالتبوئة فقال في الذخيرة إنه ليس بصحيح ; لأن الحرة لا تحتاج إليها مطلقا وقيد بالمنكوحة ; لأن نفقة المملوكة على سيدها مطلقا ، وقد تقدم أن التبوئة من السيد ليست بلازمة تقديما لحقه على الزوج ، ولو بوأ الأمة بعد الطلاق ولم يكن بوأها قبله فلا نفقة لها ; لأنها لم تستحق بهذا الطلاق فلا تستحق بعده وإن فاتت التبوئة بعد الطلاق ، ثم عادت تعود النفقة كما في الولوالجية ولا يشكل على التعليل الحرة إذا كانت ناشزة فطلقها زوجها فلها أن تعود إلى بيت الزوج وتأخذ النفقة والسكنى كما ذكره الإسبيجابي للفرق المذكور في الولوالجية من أن في الأمة النكاح حالة الطلاق لم يكن سببا لوجوب النفقة ; لأنه لم يكن سببا لوجوب الاحتباس إذ لا يجب التبوئة وفي الحرة النكاح حالة الطلاق سبب لوجوب النفقة إلا أنها فوتت بالنشوز فإذا عادت وجبت ا هـ .

                                                                                        وظاهره أن تقدير النفقة من القاضي قبل التبوئة لا يصح ; لأنه قبل السبب ولم أره صريحا وفي الذخيرة والولوالجية وإن كان للرجل نسوة بعضهن حرائر مسلمات وبعضهن إماء ذميات فهن في النفقة سواء ; لأن النفقة مشروعة للكفاية وذلك لا يختلف باختلاف الدين والرق والحرية إلا أن الأمة لا تستحق نفقة الخادم ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن يكون هذا مفرعا على ظاهر الرواية من اعتبار حاله ، وأما على المفتى به فلسن في النفقة سواء لاختلاف حالهن يسارا وعسرا ، فليست نفقة الموسرة كنفقة المعسرة وليست نفقة الحرة كالأمة كما لا يخفى ولم أر من نبه عليه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فلا نفقة لها ) أي في مدة استخدامهم إياها قال في التتارخانية وفي التتمة سئل والدي عن أمة زوجها مولاها من إنسان وهي مشغولة بخدمة السيد طوال اليوم وتشتغل بخدمة الزوج من الليل فقال نفقة اليوم على المولى ونفقة الليل على الزوج .

                                                                                        ( قوله : وهو يدل على أنها لو خدمته في بيت المولى ) الظاهر أن في العبارة سقطا وهو لا تسقط النفقة ليكون جواب لو الشرطية أي أن التعليل بفوات [ ص: 210 ] الاحتباس يدل على أن المراد بالاستخدام الذي تنتفي به التبوئة هو الاستخدام في غير بيت الزوج ; لأنه الذي يفوت به الاحتباس وعليه يحمل قولهم لو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة ويدل لذلك عبارةالزيلعي حيث قال ونفقة الأمة المنكوحة إنما تجب بالتبوئة ; لأن الاحتباس لا يتحقق إلا بها وتبوئتها أن يخلي بينها وبين زوجها ولا يستخدمها ; لأن المعتبر في استحقاق النفقة تفريغها لمصالح الزوج وذلك يحصل بالتبوئة وإن استخدمها بعد التبوئة سقطت نفقتها لزوال الموجب . ا هـ .

                                                                                        فقوله لزوال الموجب أي للنفقة المشار إليه في قوله إنما تجب بالتبوئة فالمراد بالموجب للنفقة هو التبوئة التي لا يتحقق الاحتباس إلا بها فصارت التبوئة عبارة عن الاحتباس ، وهذا معنى قوله في الهداية ; لأنه فات الاحتباس ، وهذا يدل على أن قول الحاكم الشهيد في الكافي ولا يستخدمها ليس شرطا آخر مغايرا لما قبله ، بل هو عين ما قبله فالمراد به إبقاء التخلية بينها وبين الزوج بأن لا يخرجها من بيت الزوج ويدل عليه قول الكافي عقب كلامه السابق فإن استخدمها بعد ذلك ولم يخل بينه وبينها فلا نفقة لها فهذا يدل على أنه لو استخدمها في بيت الزوج لها النفقة ; لأن التخلية موجودة تأمل .

                                                                                        ( قوله : ولم يكن بوأها قبله إلخ ) يوهم أنه لو كان بوأها قبل الطلاق لها النفقة وليس على إطلاقه ; لأنه لو بوأها وأخرجها من بيت الزوج قبل الطلاق ، ثم طلقها لم يكن له أن يعيدها إليه لتطالب بالنفقة نص عليه في كافي الحاكم الشهيد ، ثم قال : وكذا كل امرأة لا نفقة لها يوم طلق ، فليس لها نفقة أبدا إلا المرأة إذا كانت هاربة من زوجها فلها أن ترجع وتأخذ النفقة ; لأنها كانت مانعة نفسها من حق واجب عليها ا هـ فعلم أن الشرط استحقاقها النفقة وقت الطلاق .

                                                                                        ( قوله : وينبغي أن يكون هذا مفرعا على ظاهر الرواية إلخ ) قال المقدسي في شرحه لا معنى لهذا بعد قوله في الذخيرة ; لأن النفقة مشروعة للكتابية وذلك لا يختلف باختلاف الدين والرق والحرية إلخ ا هـ أي لأنه صريح في ذلك .




                                                                                        الخدمات العلمية