الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وصح بيع عرض ابنه لا عقاره للنفقة ) والقياس أن لا يجوز له بيع شيء وهو قولهما ; لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ولهذا لا يملك حال حضرته ولا يملك البيع في دين له سوى النفقة ، والمذكور في المختصر هو الاستحسان وهو قول الإمام رحمه الله ; لأن للأب ولاية الحفظ في مال الغائب ألا ترى أن للوصي ذلك فللأب أولى لوفور شفقته وبيع المنقول من باب الحفظ ولا كذلك العقار ; لأنها مختصة بنفسها قيد بالأب ; لأن الأم وسائر الأقارب ليس لهم بيع شيء اتفاقا ; لأنهم لا ولاية لهم أصلا في التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر ، وإذا جاز بيع الأب فالثمن من جنس حقه وهو النفقة فله الاستيفاء منه كما لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية ، ثم له أن يأخذ منه نفقته ; لأنه جنس حقه ومحل الخلاف في الابن الكبير أما الصغير فللأب بيع عرضه للنفقة إجماعا كما في شرح الطحاوي وله بيع عقاره ، وكذا المجنون بخلاف غير الأب [ ص: 232 ] لا يجوز له بيع العقار مطلقا كما في فتح القدير وقيد بالنفقة ; لأنه ليس للأب بيع عرض ابنه لدين له عليه سوى النفقة اتفاقا واستشكله الزيلعي بأنه إذا كان البيع من باب الحفظ وله ذلك فما المانع منه لأجل دين آخر وأجاب عنه في غاية البيان بأن النفقة لا تشبه سائر الديون ; لأنه حينئذ يلزم القضاء على الغائب فلا يجوز بخلاف النفقة فإنها واجبة قبل القضاء وإنما قضى القاضي إعانة فجاز بيع الأب لعدم القضاء على الغائب ا هـ .

                                                                                        وأشار بقوله للنفقة إلى أنه لا يجوز بيعه إلا بقدر ما يحتاج إليه من النفقة ولا يجوز له أن يبيع الزيادة على ذلك كما في غاية البيان وأطلق المصنف في بيع العرض وهو مقيد بغيبته ; لأن الابن لو كان حاضرا ليس للأب البيع إجماعا كما في الذخيرة وإنما قال المصنف للنفقة ولم يقل لنفقته للإشارة إلى أنه يبيع لنفقته ونفقة أم الغائب وإن كانت الأم لا تملك البيع قال في الذخيرة الظاهر أن الأب يملك البيع والأم لا تملك ، ولكن بعد ما باع فالثمن يصرف إليهما في نفقتهما ا هـ .

                                                                                        واحترز بالأب أيضا عن القاضي ; لأنه ليس له البيع عند الكل لا في العروض ولا في العقار ولا في النفقة ولا في سائر الديون ، يريد به إذا لم يكن السبب معلوما للحاكم وإن كان معلوما ، ولكن حاجة الأب لم تكن معلومة أو إن كانت معلومة إلا أنه يحتمل أن الابن أعطاها النفقة وفي هذه الوجوه كلها لا يبيع ; لأنه لو باع القاضي وصرف الثمن إليه لا يكون ذلك الثمن مضمونا عليه ; لأنه قبض بأمر القاضي فيتضرر به الغائب فلذا لا يبيعه القاضي ، ولكن يفوض الأمر إلى الأب ويقول له إن كنت صادقا فيما تدعي وإلا فلا آمرك بشيء وهو على هذا الوجه لا يتضرر الغائب ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : لأن الأم وسائر الأقارب ليس لهم بيع شيء اتفاقا ) قال في النهر لكن في الأقضية جواز بيع الأبوين وهكذا القدوري في شرحه فيحتمل أن يكون في المسألة روايتان وبتقدير الاتفاق فتأويل ما ذكر فيها أن الأب هو الذي يتولى البيع لكن لنفقتهما فأضيف البيع إليهما ; لأنه بعد بيع الأب يصرف الثمن إليهما ، وهذا هو الظاهر فإن جواز بيع الأم بعيد كذا في الدراية . ا هـ . قلت : ومثله في الذخيرة .

                                                                                        ( قوله : بخلاف غير الأب لا يجوز له بيع العقار مطلقا ) قال في النهر يعني للنفقة وإلا فسيأتي أن للوصي ذلك عند استيفاء الشروط الآتية




                                                                                        الخدمات العلمية