الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( يبدأ الشهود به ) أي بالرجم يعني على وجه الشرط ولو بحصاة صغيرة هكذا روي عن علي رضي الله عنه ولأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء ثم يستعظم المباشرة فيرجع فكان في بدايته احتيال للدرء وقال الشافعي لا يشترط بدايتهم اعتبارا بالجلد قلنا كل أحد لا يحسن الجلد فربما يقع [ ص: 9 ] مهلكا ، والإهلاك غير مستحق ولا كذلك الرجم ; لأنه إتلاف قوله ( : فإن أبوا سقط ) أي إن امتنع الشهود من الابتداء سقط الحد ; لأنه دلالة الرجوع وكذا إذا ماتوا أو غابوا في ظاهر الرواية لفوات الشرط ولا يجب الحد عليهم لو امتنعوا ; لأنه دلالة الرجوع لا صريحه وامتناع البعض أو غيبته كالكل ، وكذا إذا خرج بعض الشهود عن الأهلية بارتداد أو عمى أو خرس أو فسق سواء كان قبل القضاء أو بعده ; لأن الإمضاء من القضاء في الحدود ، وأما قطع اليدين ، فإن كان بعد الشهادة امتنعت الإقامة ، وإن كان القطع قبلها رمى القاضي بحضرتهم ; لأنهم إذا كانوا مقطوعي الأيدي لم تستحق البداءة بهم ، وإن قطعوا بعدها فقد استحقت وهذا يفيد أن كون الابتداء بهم شرطا إنما هو عند قدرتهم على الرجم وفي الظهيرية ، وإن كان الشهود مرضى لا يستطيعون الرمي وقد حضروا رمى القاضي ثم رمى الناس وقال أبو يوسف يقام عليه الرجم ، وإن لم يحضر الشهود ، وإن حضروا ولم يرجموا رجم الإمام ثم الناس .

                                                                                        وقيد المصنف بالرجم ; لأن ما سوى الرجم من الحدود لا يجب الابتداء لا من الشهود ولا من الإمام وكذا في الظهيرية قوله ( ثم الإمام ثم الناس ) هكذا روي عن علي رضي الله عنه وأرضاه ويقصدون بذلك مقتله إلا من كان منهم ذا رحم محرم منه ، فإنه لا يقصد مقتله ، فإن بغيره كفاية كذا في التبيين وغيره وظاهره أنه يرجمه ولا يقصد مقتله مع أن ظاهر ما في المحيط أنه لا يرجمه أصلا ، فإنه قال ويكره لذي الرحم المحرم أن يلي إقامة الحد ، والرجم ا هـ .

                                                                                        ولم يذكر المصنف أن الإمام إذا امتنع من الرجم بعد الشهود أنه يسقط الحد وقياسه السقوط قال في فتح القدير : واعلم أن مقتضى ما ذكر أنه لو بدأ الشهود فيما إذا ثبت بالشهادة يجب أن يثني الإمام فلو لم يثن الإمام يسقط الحد لاتحاد المأخذ فيهما ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية : والقاضي إذا أمر الناس برجم الزاني وسعهم أن يرجموه ، وإن لم يعاينوا أداء الشهادة وروى ابن سماعة عن محمد أنه قال هذا إذا كان القاضي فقيها عدلا أما إذا كان فقيها غير عدل أو كان عدلا غير فقيه فلا يسعهم أن يرجموه حتى يعاينوا أداء الشهادة ا هـ .

                                                                                        قوله ( ويبدأ الإمام لو مقرا ثم الناس ) كذا روي عن علي رضي الله عنه { ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية بحصاة مثل الحمصة وكانت قد اعترفت بالزنا } ولم يذكر المصنف أن الإمام لو لم يبدأ هل يحل للناس الرمي قال في فتح القدير واعلم أن مقتضى هذا أنه لو امتنع الإمام لا يحل للقوم رجمه ولو أمرهم لعلمهم بفوات شرط الرجم وهو منتف برجم ماعز ، فإن القطع بأنه عليه السلام لم يحضره بل رجمه الناس بأمره عليه السلام ويمكن الجواب بأن حقيقة ما دل عليه قول علي رضي الله عنه أنه يجب على الإمام أن يأمرهم بالابتداء اختيارا لثبوت دلالة الرجوع وعدمه وأن يبتدئ هو في الإقرار لينكشف للناس أنه لم يقصر في أمر القضاء بأن لم يتساهل في بعض شروط القضاء بالحد ، فإذا امتنع حينئذ ظهرت أمارة [ ص: 10 ] الرجوع وفي الحاوي وينبغي للناس أن يصفوا عند الرجم كصفوف الصلاة وكلما رجم قوم تأخروا وتقدم غيرهم فرجموا ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : فإنه قال ويكره لذي الرحم المحرم إلخ ) الظاهر أن الكراهة تنزيهية ثم إن محل كراهة رجمه مطلقا إذا لم يكن المحرم شاهدا قال في الجوهرة ، وإن شهد أربعة على أبيهم بالزنا وجب عليهم أن يبتدئوا بالرجم وكذا الإخوة وذوو الرحم ويستحب أن لا يتعمدوا مقتلا وكذا ذوو الرحم المحرم ، وأما ابن العم فلا بأس أن يتعمد قتله ; لأن رحمه لم يكمل فأشبه الأجنبي وقد قالوا : إن الابن إذا شهد على أبيه بالزنا لم يحرم الميراث بهذه الشهادة ; لأن الميراث يجب بالموت ، والشهادة إنما وقعت على الزنا وذلك غير الموت وكذا إذا شهد عليه بالقصاص فقتل لم يحرم الميراث لهذه العلة ( قوله : فلو لم يثن الإمام سقط الحد ) نقل في النهر عن إيضاح الإصلاح أن حضوره غير لازم ثم قال : إن ما في الفتح إنما يتم لو سلم وجوب حضوره كالشهود قال وفي الدراية ويستحب للإمام أن يأمر طائفة من المسلمين أن يحضروا لإقامة الحدود واختلفوا في عددها فعن ابن عباس واحد وقال عطاء اثنان والزهري ثلاثة والحسن البصري عشرة ا هـ .

                                                                                        وهذا صريح في أن حضورهم ليس شرطا فرميهم كذلك فلو امتنعوا لم يسقط ا هـ . ما في النهر .

                                                                                        ( قوله : أنه يجب على الإمام أن يأمرهم بالابتداء ) أي أن يأمر الشهود في صورة ثبوته بالبينة وقوله : وأن يبتدئ هو في الإقرار أي وأنه يجب أن يبتدئ هو أي القاضي في صورة ثبوته بالإقرار ( قوله : فإذا امتنع حينئذ ظهرت إمارة الرجوع ) تمام عبارة الفتح فامتنع الحد لظهور ثبوت شبهة تقصيره في القضاء وهي دارئة فكان البدأة في معنى الشرط إذ لزم عن عدمه العدم لا أنه جعل شرطا بذاته وهذا في حقه عليه الصلاة والسلام منتف فلم يكن عدم رجمه دليلا على سقوط الحد ا هـ .

                                                                                        وبه يتضح المرام وحاصله الفرق بينه عليه الصلاة والسلام [ ص: 10 ] وبين غيره لاحتمال تساهل غيره في القضاء فيشترط بداءته فلا منافاة بين ما روي عن علي كرم الله وجهه وبين ما ثبت في حديث ماعز .




                                                                                        الخدمات العلمية