الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وينفل بعد الإحراز من الخمس فقط ) لأن حق الغير تأكد فيه بالإحراز ولا حق للغانمين في الخمس والمعطى من المصارف له والتنفيل منه إنما هو باعتبار الصرف إلى أحد الأصناف الثلاثة ، ولذا قال في الذخيرة لا ينبغي للإمام أن يضعه في الغني ويجعله نفلا له بعد الإصابة لأن الخمس حق المحتاجين لا الأغنياء فجعله للأغنياء إبطال حقهم ا هـ .

                                                                                        لكن تصريحهم بأنه تنفيل يدل على جوازه للغني ومن العجيب قول الزيلعي لا يجوز للغني فإن ظاهر ما في الذخيرة عدم الحرمة ( قوله والسلب للكل إن لم ينفل ) أي لا يختص به القاتل عندنا لأنه مأخوذ بقوة الجيش فيكون غنيمة فيقسم بينهم قسمة الغنائم كما نطق به النص { وقال عليه السلام لحبيب بن أبي سلمة ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك } وأما قوله عليه السلام { من قتل قتيلا فله سلبه } فيحتمل نصب الشرع ويحتمل التنفيل فنحمله على الثاني لما روينا ( قوله وهو مركبه وثيابه وسلاحه وما معه ) أي السلب ما ذكر للعرف وفي المغرب السلب المسلوب وعن الليث والأزهري كل ما على الإنسان من اللباس فهو سلب وللفقهاء فيه كلام ا هـ .

                                                                                        وفي القاموس السلب بالتحريك ما يسلب وجمعه أسلاب ودخل في مركبه ما كان عليه من سرج وآلة وما مع المقتول شامل لما كان في وسطه أو على دابته وما عدا ذلك مما هو مع غلامه أو في بيته أو في خيمته فليس بسلب أطلقه فشمل ما إذا كان السلب عند المشرك عارية من صبي أو امرأة لأنه يستغنم مالهما كمال البالغ وما إذا كان السلب ملكا لمسلم دخل دارهم بأمان فغصبه المشرك [ ص: 102 ] المقتول لأنه ملكه بالاستيلاء فانقطع ملك المسلم عنه ولو أخذ المشركون سلب المقتول ثم انهزموا فهو غنيمة ولا شيء للقاتل لأنهم ملكوه بالاستيلاء فبطل ملك القاتل ثم ملكه الغزاة وإن لم يدر أنهم أخذوه فإن كان منزوعا عنه فهو فيء لإثبات يدهم عليه بالنزع وإلا فهو للقاتل وإن جره المشركون أو حملوه على دابته وعليها سلاحه بخلاف ما إذا حملوا أسلحتهم وأمتعتهم عليها فإنه فيء ولو وجد على دابة بعدما سار العسكر مرحلة أو مرحلتين ولا يدري أكان في يد أحد أو لا فهو للقاتل قياسا لا استحسانا ولو قال من قتل قتيلا فله فرسه فقتل راجل راجلا ومع غلامه فرسه قائم بجنبه بين الصفين يكون للقاتل فرسه إذا كان فرسه مع غلامه بقرب منه لأن مقصود الإمام قتل من كان متمكنا من القتال فارسا ، وهذا كذلك وإن لم يكن بجنبه في الصف فلا يكون له ولو قتل مشركا على برذون كان له لأنه يسمى فارسا ولو كان على حمار أو بغل أو حمل لا يستحق السلب لأن راكب هذه الأشياء لا يسمى فارسا ولذا لا يستحق سهم الفارس كذا في المحيط .

                                                                                        وبه علم أن ما ذكره الشارح عن المحيط بأنه قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه سبق قلم وإنما المذكور في المحيط فله فرسه والدليل عليه أنه قال آخرا لو كان راكبا على بغل ونحوه لا يكون له ولو كان التنفيل بلفظ السلب لاستحقه لأن المركب أعم منه ومن الفرس قال في القاموس المركب كمقعد واحد مراكب البر والبحر ا هـ .

                                                                                        وفي الهداية ثم حكم التنفيل قطع حق الباقين فأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام لما مر من قبل حتى لو قال الأمير من أصاب جارية فهي له فأصابها مسلم فاستبرأها لم يجز له وطؤها وكذا لا يبيعها هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد له أن يطأها ويبيعها لأن التنفيل يثبت به الملك عنده كما يثبت بالقسمة في دار الحرب والشراء من الحربي ووجوب الضمان بالإتلاف قد قيل على هذا الاختلاف ا هـ . والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف وينفل بعد الإحراز من الخمس إلخ ) في المنبع عن الذخيرة لا خلاف بين العلماء أن التنفيل قبل الإصابة وإحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها جائز ويوم الهزيمة ويوم الفتح لا يجوز لأن القصد به التحريض على القتال ولا حاجة إليه إذا انهزم العدو وظهر المسلمون لأنهم لا يتقاعدون عن القتال حينئذ بل يبالغون بلا تحريض فيتضمن إبطال حق الغانمين والفقراء بلا نفع ولذا لا ينبغي قبل الهزيمة والفتح من غير استثنائهما بل يقيد فيقول من قتل قتيلا قبل الفتح والهزيمة فله سلبه ولو أطلق بقي فيهما ألا ترى أن عامة القتلى والأسارى يوم بدر كان بعد الهزيمة وقد سلموا لمن أخذهم وأما بعد الإحراز فلا يجوز إلا من الخمس إذا كان محتاجا لأنه حق المحتاجين ولا ينبغي أن يضع ذلك في المحتاجين والمراد بالإحراز أن تقع الغنيمة في أيدي العسكر والسرية ا هـ .

                                                                                        ملخصا كذا في شرح المقدسي لكن الذي في الزيلعي وغيره تفسير الإحراز بدار الإسلام ومفاده جواز التنفيل قبل الخمس يوم الفتح والهزيمة إلا أن يقال إنه غير معتبر المفهوم بدليل ما مر ولما في شرح السير الكبير قال أبو حنيفة لا نفل بعد إحراز الغنيمة وأهل الشام يجوزونه بعد الإحراز وما قلنا دليل على فساد قولهم لأن التنفيل للتحريض وذلك قبل الإصابة لا بعدها ولأنه لإثبات الاختصاص ابتداء لا لإبطال حق ثابت للغانمين وفي التنفيل بعد الإصابة إبطال الحق ثم أجاب عما ورد من التنفيل بعد الإحراز بأنه كان من الخمس .

                                                                                        ( قوله فإن ظاهر ما في الذخيرة عدم الحرمة ) قال في النهر ممنوع بل ظاهر في الحرمة كما قاله الشارح لأن إبطال حق الغير لا يجوز ا هـ .

                                                                                        وأما تعبيره بلا ينبغي فلا يقتضي عدم الحرمة لأنه غير مطرد فيما تركه أولى ألا ترى إلى [ ص: 102 ] قول الهداية وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا وقولها ولا ينبغي أن يباع السلاح منهم وقول المتن في الأيمان ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث وهو شائع في كلامهم ( قوله سبق قلم ) قال الرملي أي من بعض النساخ والذي في نسخنا من الزيلعي فله فرسه كما في المحيط .




                                                                                        الخدمات العلمية