الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين ردة وردة من أنه إذا أسلم ويستثنى منه مسائل الأولى الردة بسبه صلى الله عليه وسلم قال في فتح القدير كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه كان مرتدا فالساب بطريق أولى ثم يقتل حدا عندنا فلا [ ص: 136 ] تقبل توبته في إسقاطه القتل قالوا هذا مذهب أهل الكوفة ومالك ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولا فرق بين أن يجيء تائبا من نفسه أو شهد عليه بذلك بخلاف غيره من المكفرات فإن الإنكار فيها توبة فلا تعمل الشهادة معه حتى قالوا يقتل وإن سب سكران ولا يعفى عنه ولا بد من تقييده بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره مختارا بلا إكراه وإلا فهو كالمجنون قال الخطابي لا أعلم أحدا خالف في وجوب قتله وأما مثله في حقه تعالى فتقبل توبته في إسقاط قتله ا هـ .

                                                                                        وعلله البزازي بأنه حق تعلق به حق العبد فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين وكحد القذف لا يزول بالتوبة وصرح بأن سب واحد من الأنبياء كذلك وقوله في فتح القدير في إسقاط القتل يفيد أن توبته مقبولة عند الله تعالى وهو مصرح به .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله قال في فتح القدير كل من أبغض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلخ ) قال تلميذ المؤلف في منح الغفار بعد نقله ذلك وجعله إياه متنا ما نصه وبمثله صرح الإمام البزازي وبهذا جزم شيخنا في فوائده لكن سمعت من مولانا شيخ الإسلام أمين الدين بن عبد العال مفتي الحنفية بالديار المصرية أن صاحب الفتح تبع البزازي في ذلك وأن البزازي تبع صاحب الصارم المسلول فإنه عزا في البزازية ما نقله من ذلك إليه ولم يعزه إلى أحد من علماء الحنفية ا هـ .

                                                                                        وقد نقل ابن أفلاطون زاده في كتابه المسمى بمعين الحكام أنها ردة حيث قال معزيا إلى شرح الطحاوي ما صورته من سب النبي عليه الصلاة والسلام أو بغضه كان ذلك منه ردة وحكمه حكم المرتدين ا هـ .

                                                                                        وفي النتف من سب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه مرتد وحكمه حكم المرتد ويفعل به ما يفعل بالمرتد ا هـ .

                                                                                        فقوله ويفعل به ما يفعل بالمرتد ظاهر في قبول توبته كما لا يخفى وممن نقل أنها ردة عن أبي حنيفة القاضي عياض في كتابه المسمى بالشفاء ونص عبارته قال أبو بكر بن المنذر رحمه الله تعالى أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقتل وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي رحمه الله .

                                                                                        قال القاضي أبو الفضل وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ولا تقبل توبته عند هؤلاء وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم لكنهم قالوا هي ردة وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك رحمه الله وحكى الطبري مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه صلى الله تعالى عليه وسلم أو برئ منه أو كذبه ا هـ . إلى هنا كلام صاحب المنح .

                                                                                        لكن قال بعدما يأتي عن الجوهرة في ساب الشيخين أقول : يقوى القول بعدم قبول توبة من سب صاحب الشرع الشريف صلى الله تعالى عليه وسلم وهو الذي ينبغي أن يعول عليه في الإفتاء والقضاء رعاية لحضرة صاحب الرسالة المخصوص بكمال الفضل والبسالة ا هـ .

                                                                                        وفيه كلام تعرفه وقد حررت المسألة في تنقيح الحامدية فراجعها ثم جمعت في ذلك كتابا سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام وبينت فيه أن قول الشفاء لكنهم قالوا هي ردة إلخ صريح في قبول توبته لأنه استدراك على قوله قبله يقتل ولا تقبل توبته عند هؤلاء فعلم أن قوله وبمثله قال أبو حنيفة أي قال أنه يقتل لكن قالوا أنه ردة فحاصله أنه يقتل إن لم يتب كما هو حكم الردة وإلا لم يكن للاستدراك المذكور فائدة وممن صرح بقبول توبته عندنا الإمام السبكي في السيف المسلول وقال إنه لم يجد للحنفية إلا قبول التوبة [ ص: 136 ] وسبقه إلى ذلك أيضا شيخ الإسلام ابن أمية الحنبلي في كتابه الصارم المسلول فصرح فيه في عدة مواضع بقبول التوبة عند الحنفية وأنه لا يقتل .




                                                                                        الخدمات العلمية