الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفرع في الهداية على الاختلاف بين الشيخين شرط الاستبدال لنفسه فجوزه أبو يوسف وأبطل محمد الشرط وصحح الوقف وفي الخانية الصحيح قول أبي يوسف لأنه شرط لا يبطل حكم الوقف لأن الوقف يحتمل الانتقال من أرض إلى أرض أخرى ويكون الثاني قائما مقام الأولى فإن أرض الوقف إذا غصبها غاصب وأجرى عليها الماء حتى صارت بحرا لا تصلح للزراعة يضمن قيمتها ويشتري بقيمتها أرضا أخرى فتكون الثانية وقفا على وجه الأولى وكذلك أرض الوقف إذا قل نزلها لآفة وصارت بحيث لا تصلح للزراعة أو لا تفضل غلتها عن مؤنها ويكون صلاح الوقف في الاستبدال بأرض أخرى فيصح شرط ولاية الاستبدال وإن لم يكن للحال ضرورة داعية إلى الاستبدال .

                                                                                        ولو شرط بيعها بما بدا له من الثمن أو أن يشتري بثمنها عبدا أو يبيعها ولم يزد فسد الوقف لأنه شرط ولاية الإبطال بخلاف شرط الاستبدال لأنه نقل وتحويل وأجمعوا أنه إذا شرط الاستبدال لنفسه في أصل الوقف أن الشرط والوقف صحيحان ويملك الاستبدال [ ص: 240 ]

                                                                                        أما بدون الشرط أشار في السير أنه لا يملك الاستبدال إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك ولو شرط أن يبيعها ويشتري بثمنها أرضا أخرى ولم يزد صح استحسانا وصارت الثانية وقفا بشرائط الأولى ولا يحتاج إلى إيقافها كالعبد الموصى بخدمته إذا قتل خطأ واشترى المولى بقيمته عبدا آخر ثبت حق الموصى له في خدمته والمدبر إذا قتل خطأ فاشترى المولى بقيمته آخر صار مدبرا وليس له أن يستبدل الثانية بأرض ثالثة لأن الشرط وجد في الأولى فقط ولو شرط استبدالها بدار لم يكن له استبدالها بأرض فليس له الاستبدال بدار لأنه لا يملك تغيير الشرط وله أن يشتري أرض الخراج لأن أرض الوقف لا تخلو عن وظيفة إما العشر وإما الخراج ولو شرط استبدالها بدار فليس له استبدالها بأرض ولو قيد بأرض البصرة تقيد وليس له استبدالها بأرض الحوز لأن من في يده أرض الحوز بمنزلة الأكار لا يملك البيع ولو أطلق الاستبدال فباعها بثمن ملك الاستبدال بجنس العقار من دار أو أرض في أي بلد شاء ولو باعها بغبن فاحش لا يجوز بيعه في قول أبي يوسف وهلال لأن القيم بمنزلة الوكيل فلا يملك البيع بغبن فاحش .

                                                                                        ولو كان أبو حنيفة يجيز الوقف بشرط الاستبدال لأجاز بيع القيم بغبن فاحش كالوكيل بالبيع ولو باعه بثمن مقبوض ومات مجهلا كان دينا في تركته ولو وهب الثمن صحت وضمن في قول الإمام وقال أبو يوسف لا تصح الهبة ولو باعها بعروض ففي قياس قول الإمام يصح ثم يبيعها بنقد ثم يشتري عقارا أو يبيعها بعقار وقال أبو يوسف وهلال لا يملكه إلا بالنقد كالوكيل بالبيع ولو عادت إليه بعد بيعها إن عادت إليه بما هو عقد جديد لا يملك بيعها ثانيا وإن بما هو فسخ من كل وجه ملك بيعها ثانيا .

                                                                                        ولو باع واشترى بثمنها أخرى ثم ردت الأولى عليه بعيب بالقضاء كان له أن يصنع بالأخرى ما شاء والأولى تعود وقفا ولو بغير قضاء لم ينفسخ البيع في الأولى ولا تبطل الوقفية في الثانية ويصير مشتريا بالأولى لنفسه ولو اشترى بثمنها أرضا أخرى فاستحقت الأولى لا تبقى الثانية وقفا استحسانا لبطلان المبادلة ولو شرط الاستبدال لنفسه ثم أوصى به إلى وصيه لا يملك وصيه الاستبدال ولو وكل وكيلا في حياته صح ولو شرطه لكل متول صح وملكه كل متول ولو شرط أن لفلان ولاية الاستبدال فمات الواقف لا يكون لفلان ولايته بعد موت الواقف إلا أن يشترطه له بعد وفاته وهذا كله قول أبي يوسف وهلال بناء على جواز عزل الواقف المتولي فكان وكيله فانعزل بموته وعند محمد لا تبطل ولايته بوفاته لأنه وكيل الفقراء لا الواقف ولو شرط الاستبدال لرجل آخر مع نفسه ملك الواقف الاستبدال وحده ولا يملكه فلان وحده الكل من الخانية .

                                                                                        وقد اختلف كلام قاضي خان في موضع جوزه للقاضي بلا شرط الواقف حيث رأى المصلحة فيه وفي موضع منه ولو صارت الأرض بحال لا ينتفع بها والمعتمد أنه بلا شرط يجوز للقاضي بشرط أن يخرج عن الانتفاع بالكلية وأن [ ص: 241 ] لا يكون هناك ريع للوقف يعمر به وأن لا يكون البيع بغبن فاحش وشرط في الإسعاف أن يكون المستبدل قاضي الجنة المفسر بذي العلم والعمل كي لا يحصل التطرق إلى إبطال أوقاف المسلمين كما هو الغالب في زماننا . ا هـ .

                                                                                        ويجب أن يزاد آخر في زماننا وهو أن يستدل بعقار لا بالدراهم والدنانير فإنا قد شاهدنا النظار يأكلونها وقل أن يشترى بها بدل ولم نر أحدا من القضاة يفتش على ذلك مع كثرة الاستبدال في زماننا مع أني نبهت بعض القضاة على ذلك وهم بالتفتيش ثم ترك فإن قلت كيف زدت هذا الشرط والمنقول السابق عن قاضي خان يرده قلت لما في السراجية سئل عن مسألة استبدال الوقف ما صورته وهل هو على قول أبي حنيفة وأصحابه أجاب الاستبدال إذا تعين بأن كان الموقوف لا ينتفع به وثم من يرغب فيه ويعطي بدله أرضا أو دارا لها ريع يعود نفعه على جهة الوقف فالاستبدال في هذه الصورة قول أبي يوسف ومحمد وإن كان للوقف ريع ولكن يرغب شخص في استبداله إن أعطى مكانه بدلا أكثر ريعا منه في صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند القاضي أبي يوسف والعمل عليه وإلا فلا يجوز ا هـ .

                                                                                        فقد عين العقار للبدل فدل على منع الاستبدال بالدراهم والدنانير وفي القنية مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة أو تكون المحلة مملوكة خيرا من المحلة الموقوفة وعلى عكسه لا يجوز وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال خرابها في أدون المحلتين لدناءتها وقلة رغبات الناس فيها ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو ضاع الثمن من المستبدل لا ضمان عليه لكونه أمينا كالوكيل بالبيع . ا هـ .

                                                                                        وفي شرح منظومة ابن وهبان لو شرط الواقف أن لا يستبدل أو يكون الناظر معزولا قبل الاستبدال أو إذا هم بالاستبدال انعزل هل يجوز استبداله قال الطرسوسي إنه لا نقل فيه ومقتضى قواعد المذهب أن للقاضي أن يستبدل إذا رأى المصلحة في الاستبدال لأنهم قالوا إذا شرط الواقف أن لا يكون للقاضي أو السلطان كلام في الوقف أنه شرط باطل وللقاضي الكلام لأن نظره أعلى وهذا شرط فيه تفويت المصلحة للموقوف عليهم وتعطيل للوقف فيكون شرطا لا فائدة فيه للوقف ولا مصلحة فلا يقبل . ا هـ .

                                                                                        وفيه أيضا فرع مهم وقع السؤال بالقاهرة بعد سنة سبعين أن الواقف إذا جعل لنفسه التبديل والتغيير والإخراج والإدخال والزيادة والنقصان ثم فسر التبديل باستبدال الوقف هل يكون صحيحا [ ص: 242 ] وهل تكون له ولاية الاستبدال والشيخ الإمام الوالد سقى الله عهده صوب الرضوان أفتى بصحة ذلك وأنه يكون له ولاية الاستبدال لأن الكلام ما أمكن حمله على التأسيس لا يحمل على التأكيد ولفظ التبديل محتمل للمعنى المذكور وحمله على معنى يغايره فيه ما بعده أولى من جعله مؤكدا به وبلغني موافقة بعض أصحابنا من الحنفية على ذلك ومخالفة البعض ثم رفع سؤال آخر عن الواقف إذا شرط لنفسه ما ذكرنا ثم اشترط بمقتضى ذلك الشرط أنه شرط لنفسه أن يستبدل بوقفه إذا رأى ما هو أنفع منه لجهة الوقف فهل يصح الاشتراط الثاني ويعمل به لأنه من مقتضى الشرط الأول أم لا فاضطرب فيه إفتاء أصحابنا وكنت ممن أفتى بصحته وكونه من مقتضى الشرط الأول وأظن أن الشيخ الإمام وافقني على ذلك وقضى به في التاريخ المذكور سيما إذا قال الواقف في كتاب الوقف وأن يشترط لنفسه ما شاء من الشروط المخالفة لذلك . ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير لو باع وقبض الثمن ثم مات مجهلا فإنه يكون ضامنا . ا هـ .

                                                                                        وقد وقعت حادثتان للفتوى إحداهما باع الوقف من ابنه الصغير فأجبت بأنه لا يجوز اتفاقا كالوكيل بالبيع باع من ابنه الصغير ولو باع من ابنه الكبير فكذلك عند الإمام خلافا لهما كما عرف في الوكالة ثانيتهما باع من رجل له دين على المستبدل وباعه الوقف بالدين ولم أر فيهما نقلا وينبغي أن لا يجوز على قول أبي يوسف وهلال لأنهما لا يجوزان البيع بالعروض فالدين أولى وفي فتح القدير على وزان شرط الاستبدال لو شرط لنفسه أن ينقص من المعاليم إذا شاء ويزيد ويخرج من شاء ويستبدل به كان له ذلك وليس لقيمه إلا أن يجعل له وإذا أدخل وأخرج مرة ليس له ثانيا إلا بشرطه وفي وقف الخصاف لو شرط أن لا تباع ثم قال في آخره على أن له الاستبدال كان له الاستبدال لأن الآخر ناسخ للأول وكذا لو شرط الاستبدال أولا ثم قال لا تباع امتنع الاستبدال وإذا شرط الزيادة والنقصان والإدخال والإخراج كلما بدا له كان ذلك مطلقا له غير محظور عليه ويستقر الوقف على الحال الذي كان عليها يوم موته وما شرطه لغيره من ذلك فهو له ولو شرط لنفسه ما دام حيا ثم للمتولي من بعده صح ولو جعله للمتولي ما دام الواقف حيا ملكاه مدة حياته فإذا مات الواقف بطل وليس للمشروط له ذلك أن يجعله لغيره أو يوصي به له ولو شرط لنفسه الاستبدال والزيادة والنقصان والإدخال والإخراج ليس له أن يجعل ذلك للمتولي وإنما له ذلك ما دام حيا ا هـ .

                                                                                        ملخصا وفي المحيط لو شرط أن يعطي غلتها من شاء له المشيئة في صرفها إلى من شاء وإذا مات انقطعت وإن شاء نفسه ليس له ذلك على قول مانعي الوقف على النفس وإن شاء غنيا معينا جاز كفقير معين وامتنع التحويل إلى غيره وإن شاء الصرف على الأغنياء دون الفقراء بطلت المشيئة وإن شاء صرفها إلى الفقراء دون الأغنياء جازت ولو شرط أن يعطيها من شاء من بني فلان فشاء واحدا منهم جاز ولو شاء كلهم بطلت وتكون للفقراء عند أبي حنيفة قياسا وعندهما جازت وتكون لبني فلان استحسانا بناء على أن كلمة من للتبعيض عنده وللبيان عندهما ولو شرط أن يفضل من شاء فله مشيئة التفضيل دون مشيئة التخصيص ولو وقف على بني فلان على أن لي إخراج من شئت منهم فإن أخرج معينا صح ثم إن كان في الوقف غلة وقت الإخراج ذكر هلال أنه يخرج منها خاصة وعلى قياس ما ذكر في وصايا الأصل والجامع الصغير أنه يخرج عن الغلة أبدا فإنه لو أوصى بغلة بستانه وفي البستان غلة يوم موت الموصي فله الغلة الموجودة وما يحدث في المستقبل أبدا وعلى رواية هلال له الموجود فقط وهو المحكي عن أصحابنا وإن أخرج واحدا مبهما بأن قال أخرجت فلانا أو فلانا جاز والبيان إليه فإن لم يبين حتى مات فالغلة تقسم على رءوس الباقين ويضرب لهذين بسهم فإن اصطلحا أخذاه بينهما وإن أبيا أو أبى أحدهما وقف الأمر [ ص: 243 ] حتى يصطلحا وإن أخرجهم جميعا فإن كان من غلة هذه السنة صح وكانت للفقراء وبعدها للموقوف عليهم وإن أخرجهم من الغلة مطلقا لم يصح قياسا لأن الشرط للبعض ويصح استحسانا لأنه يراد به الإيثار في المستأنف وما يبدو له في المستقبل وتكون للفقراء ا هـ .

                                                                                        وقد وقعت حوادث الفتوى في مسألة الإدخال والإخراج إلى آخره منها لو قال من له ذلك بعدما أدخل إنسانا أسقطت حقي من إخراجه ثم أخرجه هل يخرج ومنها لو قال من له ذلك أسقطت حقي منه هل يسقط وليس له فعل شيء ومنها لو شرط الواقف لنفسه الإدخال إلى آخره كلما بدا له وشرط أن يشترطه لمن شاء فشرطه لغيره وشرط له ما شرطه لنفسه فشرطه المشروط له لآخر فأراد من شرطه الواقف له أن يخرج من جعل هذا الشرط له وأراد المجعول له أن يخرج الجاعل فهل هو للأول أو للثاني بناء على أن المشروط له ذلك إذا جعله لغيره هل يبطل ما كان له أو يبقى له ولمن جعله له ومنها أنه لو شرط ذلك له ولفلان فهل لأحدهما الانفراد أو لا ولم أر نقلا صريحا فيها وظاهر ما في الخانية من الشرب أن الحق يقبل الإسقاط أنه يسقط حقه فإنه صرح بأن حق الغانم قبل القسمة وحق المسيل المجرد وحق الموصى له بالسكنى وحق الموصى له بالثلث قبل القسمة وحق الوارث قبل القسمة يسقط وصرح في جامع الفصولين من الفصل الثامن والعشرين لو قال وارث تركت حقي لا يبطل حقه إذ الملك لا يبطل بالترك والحق يبطل به حتى لو أن أحد الغانمين قال قبل القسمة تركت حقي بطل حقه وكذا لو قال المرتهن تركت حقي في حبس الرهن يبطل ا هـ .

                                                                                        فقوله والحق يبطل به يدل على ما ذكرنا فإن قلت ذكر في الخانية من كتاب الشهادات من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله فإنه لو قال أبطلت حقي كان له أن يطلب ويأخذ بعد ذلك ا هـ .

                                                                                        قلت بينهما فرق لأن كلامنا فيما إذا كان الحق لمعين أسقطه وأما ما في الخانية من الشهادات فالحق لغير معين فإنه وقف مطلق على فقراء المدرسة وغير معين لا يصح إبطاله وإنما خرج عن هذا الأصل ما إذا لم يكن الحق لمعين ومثله في الهبة قال في البزازية لو قال الواهب أسقطت حقي في الرجوع في الهبة لا يسقط ا هـ .

                                                                                        فإن قلت إذا قال من له الشرط لا حق لي فيها ولا استحقاق ولا دعوى فهل له ولاية الإدخال والإخراج مع شرط الواقف قلت ليس له ذلك لكونه مقرا بأنه لا حق له وهو مؤاخذ بإقراره ولذا قال الخصاف لو وقف على ولده فأقر بأنه عليه وعلى زيد عمل بإقراره ما دام حيا حملا على أن الواقف رجع عن اختصاصه وأشرك معه زيدا إلى آخره وعلى هذا سئلت فيمن له الإدخال والإخراج كلما بدا له فأدخل إنسانا فما الحيلة في عدم جواز إخراجه فأجبت بأنه يقر بأنه لا حق له في إخراجه ولا تمسك له بما في شرط الواقف فلا يقدر على إخراجه بعده هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم وظاهر قوله في فتح القدير أن مسألة شرط الإدخال والإخراج إلى آخره على وزان مسألة الاستبدال أن للواقف الانفراد وليس للآخر الانفراد لما ذكرناه عن الخانية في مسألة ما إذا شرط الاستبدال لنفسه ولفلان معللا بأن الواقف هو الذي شرط لذلك الرجل وما شرط لغيره فهو مشروط لنفسه . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال لا فائدة حينئذ في اشتراطه معه لأن الواقف يصح انفراده فكان كالعدم وظاهر ما في الخانية أنه مفرع على قول أبي يوسف بجواز عزل المتولي بلا شرط وأما على قول محمد فالواقف كالأجنبي فينبغي أن لا يملك الواقف الاستبدال وحده وكذا الإدخال والإخراج ولم يظهر لي وجه الثالثة وأما الثانية أعني اشتراط الولاية للواقف فالمذكور قول أبي يوسف وهو قول هلال وهو ظاهر المذهب وذكر هلال في وقفه وقال أقوام إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له وإن لم يشترط لم تكن له ولاية قال مشايخنا والأشبه أن يكون هذا قول [ ص: 244 ] محمد لأن من أصله أن التسليم للقيم شرط لصحة الوقف فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه ولنا أن المتولي إنما يستفيد فيه الولاية من جهته بشرطه فيستحيل أن لا تكون له الولاية وغيره يستفيد الولاية منه ولأنه أقرب الناس إلى هذا الوقف فيكون أولى بولايته كمن اتخذ مسجدا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه وكمن أعتق عبدا كان الولاء له لأنه أقرب الناس إليه كذا في الهداية وفي الخلاصة إذا شرط الواقف أن يكون هو المتولي فعند أبي يوسف الوقف والشرط كلاهما صحيحان وعند محمد وهلال الوقف والشرط كلاهما باطلان ا هـ .

                                                                                        فقد اختلف النقل عن هلال وفي الخلاصة إذا شرط في الوقف الولاية لنفسه وأولاده في عزل القيم واستبداله لهم وما هو من نوع الولاية وأخرجه من يد المتولي جاز ولو لم يشترط الولاية لنفسه وأخرجه من يده قال محمد لا ولاية للواقف والولاية للقيم وكذا لو مات وله وصي لا ولاية لوصيه والولاية للقيم وقال أبو يوسف الولاية للواقف وله أن يعزل القيم في حياته وإذا مات الواقف بطلت ولاية القيم ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف وقال الصدر الشهيد والفتوى على قول محمد . ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن أبا يوسف لما لم يشترط التسليم إلى المتولي جاز عنده ابتداء شرط التولية إلى نفسه وإذا ولى غيره كان وكيلا عنه فله عزله وإذا مات الواقف بطلت ولايته و محمد لما شرطه انعكست الأحكام عنده كما قدمناه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وأجمعوا أنه إذا شرط الاستبدال لنفسه إلخ ) مخالف لما مر عن الهداية من تفريع المسألة على الاختلاف بين الشيخين ثم رأيت في رسالة العلامة قنلي زاده في الاستبدال ما نصه وأما قولنا على الصحيح من المذهب فلأن فيه خلاف أبي يوسف بن خالد السمتي حيث ذهب إلى أن هذا الشرط باطل وإن كان الوقف بهذا الوجه صحيحا وذهب بعضهم إلى أن الوقف والشرط كلاهما باطلان كما نقله قاضي خان وبهذا ظهر أن دعواه الإجماع في المسألة غير صحيحة وأن المسألة فيها خلاف لكن الصحيح رواية ودراية جواز الاستبدال . ا هـ .

                                                                                        ورأيت في رسالة تحرير المقال في مسألة الاستبدال للشيخ المؤلف ذكر أن بينهما مخالفة ظاهرا ثم قال إلا أنه أي قاضي خان صور المسألة المختلف فيها بما إذا قال أرضي هذه صدقة موقوفة على أن أبيعها وأشتري بثمنها أرضا أخرى فتكون وقفا على شروط الأولى فقد يوفق بينهما بأن محل الإجماع ما إذا قال على أن أستبدلها بأرض أو دار وصرح بالاستبدال ومحل الخلاف ما إذا قال على أن أبيعها وأشتري بثمنها أرضا إلخ وإلا فهو مشكل وما في فتح القدير [ ص: 240 ] مما يتراءى أنه توفيق فبعيد للمتأمل ( قوله وليس له أن يستبدل الثانية بأرض ثالثة إلخ ) قال في الفتح إلا أن يذكر عبارة تفيد له ذلك . ا هـ .

                                                                                        ( قوله بأرض الحوز ) قال الرملي أرض الحوز ما حازه السلطان عند عجز أصحابها عن زراعتها وأداء مؤنها بدفعهم إياها إليه لتكون منفعتها للمسلمين مقام الخراج ورقبة الأرض على ملك أربابها فلو وقفها من أدخله السلطان لعمارتها لا يصح لكونه مزارعا ا هـ .

                                                                                        كذا في الإسعاف للطرابلسي وقدم هذا الشارح أول كتاب الوقف أيضا ( قوله ولو عادت إليه بعد بيعها إلخ ) قال في الإسعاف ولو باع ما شرط استبداله ثم عاد إليه إن عاد بما هو فسخ من كل وجه كالرد بالعيب قبل القبض مطلقا وبعده بقضاء أو بفساد البيع أو خيار الشرط أو الرؤية جاز له بيعها ثانيا لأن البيع الأول صار كأنه لم يكن وإن عاد بما هو كعقد جديد كالإقالة بعد القبض لا يملك بيعها ثانيا لأنه صار كأنه اشتراها جديدا فيصير وقفا فيمتنع بيعها وكما لو اشترى أرضا أخرى بدلها إلا أن يكون شرط الاستبدال مرة بعد أخرى . ا هـ .

                                                                                        ( قوله بشرط أن يخرج إلخ ) حاصل ما ذكره هنا لجواز الاستبدال خمسة شروط وفي الخامس كلام ستعرفه ويؤخذ مما مر زيادة شرط آخر في بعض الصور وهو كونهما من جنس واحد قال العلامة قنلي زاده في رسالته في شرائط الاستبدال منها أن يكون البدل والمبدل من جنس واحد وهذا ذكروه فيما شرط الاستبدال لنفسه فلما كان شرطا فيه فلأن يكون شرطا فيما لم يشترط بكتاب الوقف أولى ثم ذكر عن الخانية ما مر من أنه لو شرط لنفسه استبدالها بأرض وبالعكس أو بأرض البصرة تفيد ثم قال وإذا كانت موقوفة للاستغلال فالظاهر عدم اشتراط اتحاد الجنس على المنظور فيها كثرة الريع وقلة المرمة والمؤنة وقابلية البقاء ألا ترى أنه لو استبدل الحانوت أو الدار الموقوفة للاستغلال بأرض تزرع وتحصل منها الغلة قدر إجارة الأولى كان أحسن وأولى لاحتمال المسقفات للفناء [ ص: 241 ] بالحريق وانهدام البناء واحتياجها إلى الترميم والتعمير في البقاء بخلاف الأراضي المزروعة فإنها أدوم وأبقى وأغنى عن الكلفة والخراج عليها ا هـ .

                                                                                        قلت وحاصله أن الموقوفة للاستغلال مراد الواقف منها انتفاع الموقوف عليه بغلتها وإذا جاز الاستبدال للقاضي لا يتقيد ذلك بكونها من جنس الأولى فيكون نظير ما لو شرط الاستبدال وأطلق وقد مر أنه لو باعها بثمن يستبدلها بجنس العقار من دار أو أرض في أي بلد شاء أما الموقوفة للسكن إذا جاز للقاضي استبدالها يكون نظير ما لو شرط استبدال الدار بدار لظهور أن قصد الواقف المنفعة بالسكنى فيظهر اشتراط كون ما استبدله القاضي مما فيه تلك المنفعة المرادة للواقف وحينئذ يظهر اشتراط شرط آخر وهو اتحاد المحلة أو كون الثانية أحسن كما يستفاد مما يذكره المؤلف قريبا عن القنية تأمل ( قوله والمنقول السابق برده إلى قوله . ا هـ . )

                                                                                        قال الرملي كيف يخالف قاضي خان مع صراحته بالجواز بما في السراجية مع أنه ليس فيه تعرض للاستبدال بالدراهم والدنانير لا بنفي ولا إثبات فلا دلالة فيه على مدعاك أصلا والمنقول السابق عن قاضي خان قوله وقال أبو يوسف وهلال لا يملكه إلا بالنقد كالوكيل بالبيع . ا هـ .

                                                                                        قلت وقد يجاب بأن المؤلف لم ينكر مخالفته لقاضي خان وإنما منع الاستبدال بالدراهم في زمانه لما ذكره من العلة إذ لا شك أن قاضي خان ومن قبله لو علموا بما حدث من أكل مال البدل لمنعوه أشد المنع ( قوله فقد عين العقار للبدل ) قال الرملي كأنه استفاد من قوله وإلا فلا يجوز ولقائل أن يقول ينبغي حمله على التمثيل توفيقا بينه وبين كلام قاضي خان والذي يدل عليه ما كثر إيراده ونقله في كتب الفقه عن نوادر هشام الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه آخر ولا يجوز بيعه إلا للقاضي . ا هـ .

                                                                                        فهذا كما ترى صريح في جواز بيعه بالدراهم وكذا ما في المحيط من قوله لو ضاع الثمن من المستبدل لا ضمان عليه وكذا في كثير من الكتب قال في النهر ورأيت بعض الموالي يميل إلى هذا أي تعيين العقار للبدل ويعتمده وأنت خبير بأن المستبدل إذا كان هو قاضي الجنة فالنفس به مطمئنة ولا يخشى الضياع معه ولو بالدراهم والدنانير والله تعالى هو الموفق وقد أوضحنا المسألة بأكثر من هذا في كتابنا إجابة السائل باختصار أنفع الوسائل فعليك به مستغفرا لمؤلفه . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وهذا شرط إلى قوله فلا يقبل ) قال الرملي هذا صريح في [ ص: 242 ] أن كل شرط كذلك لا يقبل ونرى كثيرا من هذا في شروط الواقفين فيحكم بعدم قبوله ( قوله كان ذلك مطلقا له غير محظور ) قال الرملي وبدون هذا الشرط لا يطلق له ذلك [ ص: 243 ] ( قوله وظاهر ما في الخانية من الشرب إلخ ) يستفاد منه الجواب عن الأولى والثانية وقوله وظاهر قوله في فتح القدير إلخ يستفاد منه الجواب عن الرابعة وبقي التوقف في الثالثة .

                                                                                        ولذا قال بعده ولم يظهر لي وجه الثالثة ( قوله وكذا لو قال المرتهن تركت حقي إلخ ) قال الرملي سيأتي في هذا الشرح في باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل في شرح قوله والشريك لشريكه بعد تقدم كلام فالحق أن من أسقط حقه في وظيفة تقرر فيها أنه يسقط حقه فراجعه إن شئت ( قوله فيما إذا كان الحق لمعين أسقطه ) .

                                                                                        ظاهر هذا بل صريحه أن الموقوف عليه كالأولاد مثلا إذا أسقط حقه يسقط وليس كذلك فإن الشارح له رسالة صرح فيها بعدم الفرق بين فقراء المدرسة وبين الموقوف عليه المعين فتدبر وكذا الشيخ خير الدين في فتواه مشى [ ص: 244 ] على عدم الفرق بينهما كذا بخط شيخ شيخنا عبد الحي ثم رأيت للعلامة الطوري رسالة مشى فيها أن الحق إذا كان لمعين فإنه يسقط بالإسقاط فراجعه يقول الفقير جامع هذه الحواشي كذا بخط بعض الفضلاء في هامش البحر في هذا المحل ورأيت بعده بخط شيخنا المحشي ما نصه قلت : وقد ذكر المؤلف تحقيقا في هذه المسألة في باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل عند قوله والشريك لشريكه فراجعه من كتاب الشهادات .

                                                                                        ( قوله وإذا ولى غيره كان وكيلا عنه ) قال الرملي هذا صريح في أنه يصح عزله بجنحة وغير جنحة عنده لأنه وكيل عنه وللموكل عزل الوكيل مطلقا وسيذكره قريبا ( قوله بطلت ولايته ) إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد مماته كما مر قبل عشرين ورقة ( قوله و محمد لما شرطه انعكست الأحكام ) قال الرملي أي فلا يجوز شرط التولية لنفسه وإذا ولى غيره لا يكون وكيلا عنه فليس له عزله ولا تبطل ولايته بموته عنده .




                                                                                        الخدمات العلمية