الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ثم قال فقير سكن دارا موقوفة على الفقراء بأجر وترك المتولي ما عليه من الأجر بحصته من الوقف على الفقراء جاز كما لو ترك الإمام خراج الأرض لمن له حق في بيت المال بحصته . ا هـ .

                                                                                        وذكر فيها ثلاث مسائل في غصب الوقف مناسبة لتصرف المتولي الأولى لو غصب الوقف واسترده القيم وكان الغاصب زاد فيه فإن لم يكن مالا متقوما بأن كرب الأرض أو حفر النهر أو ألقى في ذلك السرقين واختلط ذلك بالتراب استردها بغير شيء وإن كانت مالا متقوما كالبناء والغرس أمر الغاصب برفعه إن لم يضر بالأرض وإن أضر بأن خربها لم يكن له الرفع ويضمن القيم له من غلة الوقف قيمة الغراس مقلوعا وقيمة البناء مرفوعا وإن لم يكن للوقف غلة أجر الوقف وأعطى الضمان من الأجرة وإن اختار الغاصب قلع الأشجار من أقصى موضع لا تخرب الأرض فله ذلك ولا يجبر على أخذ القيمة ثم يضمن القيم ما بقي في الأرض من الشجر إن كانت له قيمة الثانية لو استولى على الوقف غاصب وعجز المتولي عن استرداده وأراد الغاصب أن يدفع قيمتها كان للمتولي أخذ القيمة أو الصلح على شيء ثم يشتري بالمأخوذ من الغاصب أرضا أخرى فيجعله وقفا على شرائط الأولى لأنه حينئذ صار بمنزلة المستهلك فيجوز أخذ القيمة الثالثة رجل غصب أرضا موقوفة قيمتها ألف ثم غصب من الغاصب رجل آخر بعدما زادت قيمة الأرض وصارت تساوي ألفي درهم فإن المتولي يتبع الغاصب الثاني إن كان مليا على قول من يرى جعل العقار مضمونا بالغصب لأن تضمين الثاني أنفع للوقف [ ص: 262 ] وإن كان الأول أملأ من الثاني يتبع الأول لأن تضمين الأول يكون أنفع للوقف وإذا اتبع القيم أحدهما برئ الآخر عن الضمان كالمالك إذا اختار تضمين الغاصب الأول أو الثاني برئ الآخر . ا هـ .

                                                                                        ومنها أكار تناول من مال الوقف فصالحه المتولي على شيء والأكار غني لا يجوز الحط من مال الوقف وإن كان الأكار فقيرا جاز ذلك . ا هـ .

                                                                                        وهو محمول على ما إذا كان الوقف على الفقراء كما قيده به فيما إذا سكن الفقير دار الوقف وسامحه المتولي بالأجر وأما إذا كان على أرباب معلومين ومستحقين مخصوصين لا تجوز المسامحة والحط بالصلح مطلقا وعلى هذا لا تجوز الإجارة بأقل من أجر المثل بغبن فاحش من فقير إذا كان الوقف على معينين وإن كان وقف الفقراء جاز وفي الإسعاف ولو اشترى بغلته ثوبا ودفعه إلى المساكين يضمن ما نقد من مال الوقف لوقوع الشراء له حائط بين دارين إحداهما وقف والأخرى ملك فانهدم وبناه صاحب الملك في حد دار الوقف قال أبو القاسم يرفع القيم الأمر إلى القاضي ليجبره على نقضه ثم يبنيه حيث كان في القديم ولو قال القيم للباني أنا أعطيك قيمة البناء وأقره حيث بنيت وابن أنت لنفسك حائطا آخر في حدك قال أبو القاسم ليس للقيم ذلك بل يأمره بنقضه وبنائه حيث كان في القديم . ا هـ .

                                                                                        ولو أخذ متولي الوقف من غلته شيئا ثم مات بلا بيان لا يكون ضامنا هكذا قالوا وقيده الطرسوسي في أنفع الوسائل بحثا بما إذا لم يطالب المستحق أما إذا طالبه المستحق ولم يدفع له ثم مات بلا بيان فإنه يكون ضامنا . ا هـ .

                                                                                        ومقتضاه أنه لو ادعى في حياته الهلاك لا يقبل قوله لأنه صار ضامنا بمنع المستحق بعد الطلب وفي القنية وينبغي للقاضي أن يحاسب أمناءه فيما في أيديهم من أموال اليتامى ليعرف الخائن فيستبدله وكذا القوام على الأوقاف ويقبل قولهم في مقدار ما حصل في أيديهم من مقدار الغلات الوصي والقيم فيه سواء والأصل فيه أن القول قول القابض في مقدار المقبوض وفيما يخبر من الإنفاق على اليتيم أو على الضيعة ومؤنات الأراضي وفي أدب القاضي للخصاف ويقبل قول الوصي في المحتمل دون القيم لأن الوصي من فوض إليه الحفظ والتصرف والقيم من فوض إليه الحفظ دون التصرف وكثير من مشايخنا سووا بين الوصي والقيم فيما لا بد فيه من الإنفاق وقالوا يقبل قولهما فيه وقاسوه على قيم المسجد أو واحد من أهل المحلة إذا اشترى للمسجد ما لا بد منه كالحصير والحشيش والدهن وأجر الخادم ونحوه لا يضمن للأذن دلالة ولا يتعطل المسجد كذا هذا وبه يفتى في زماننا قال رضي الله عنه و الصحيح والصواب في عرفنا بخوارزم هذا أنه لا فرق بينهما ( ط ) وإن اتهمه القاضي يحلفه وإن كان أمينا كالمودع يدعي هلاك الوديعة أو ردها قيل إنما يستحلف إذا ادعى عليه شيئا معلوما وقيل يحلف على كل حال وإن أخبروا أنهم أنفقوا على اليتيم والضيعة من إنزال الأرض كذا وبقي في أيدينا كذا فإن عرف بالأمانة يقبل القاضي الإجمال ولا يجبره على التفسير شيئا فشيئا وإن كان متهما يجبره القاضي على التفسير شيئا فشيئا ولا يحبسه ولكن يحضره يومين أو ثلاثة أو يخوفه ويهدده إن لم يفسره فإن فعل وإلا يكتفي منه باليمين ولو عزل القاضي ونصب غيره فقال الوصي للمنصوب حاسبني المعزول لا يقبل [ ص: 263 ] منه إلا ببينة وفي وقف الناصحي إذا أجر الواقف أو قيمه أو وصيه أو أمينه ثم قال قبضت الغلة فضاعت أو فرقته على الموقوف عليهم وأنكروا فالقول له مع يمينه . ا هـ .

                                                                                        ما في القنية فقد علمت أن مشروعية المحاسبات للنظار إنما هي ليعرف القاضي الخائن من الأمين لا لأخذ شيء من النظار للقاضي وأتباعه والواقع بالقاهرة في زماننا الثاني وقد شاهدنا فيها من الفساد للأوقاف كثيرا بحيث يقدم كلفة المحاسبة على العمارة والمستحقين وكل ذلك من علامات الساعة المصدقة لقوله عليه الصلاة والسلام كما رواه البخاري في أول كتاب العلم { إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة } فإن قلت : هل يباح للقاضي أخذ الأجر على المحاسبات من مال الأوقاف قلت : قال في البزازية من كتاب القضاء وإن كتب القاضي سجلا أو تولى قسمة وأخذ أجرة المثل له ذلك ولو تولى نكاح صغيرة لا يحل له أخذ شيء لأنه واجب عليه وكلما وجب عليه لا يجوز أخذ الأجر عليه وما لا يجب عليه يجوز أخذ الأجر وذكر عن البقالي في القاضي يقول إذا عقدت عقد البكر فلي دينار وإن ثيبا فلي نصفه أنه لا يحل له إن لم يكن لها ولي فلو كان ولي غيره يحل بناء على ما ذكروا ولو باع مال اليتيم لا يأخذ شيئا ولو أخذ وأذن في البيع لا ينفذ بيعه . ا هـ .

                                                                                        فقد استفيد منه أنه يجوز له الأخذ على نفس الكتابة ولا يجوز له الأخذ على نفس المحاسبات لأن الحساب واجب عليه فهو كما لو تولى نكاح يتيمة أو بيع مال اليتيم وقدمنا عن البزازية أن المتولي لو استأجر كاتبا للحساب لا يجوز له أن يدفع أجرته من مال الوقف وفي القنية ولو أبرأ صاحب الحق القيم عن نصيبه بعدما استهلكه لا يصح . ا هـ .

                                                                                        قال في الخانية وقف له متول ومشرف ليس للمشرف أن يتصرف في مال الواقف لأن ذاك مفوض إلى المتولي والمشرف مأمور بالحفظ لا غير ا هـ .

                                                                                        وهذا يختلف بحسب العرف في معنى المشرف كذا في فتح القدير وأما بيان ما عليه من العمل فحاصل ما ذكره الخصاف أن ما يجعله الواقف للمتولي ليس له حد معين وإنما هو على ما تعارفه الناس من الجعل عند عقدة الواقف ليقوم بمصالحه من عمارة واستغلال وبيع غلات وصرف ما اجتمع عنده فيما شرطه الواقف ولا يكلف من العمل بنفسه إلا مثل ما يفعله أمثاله ولا ينبغي له أن يقصر عنه وأما ما تفعله الأجراء والوكلاء فليس ذلك بواجب عليه حتى لو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها أجرا معلوما لا تكلف إلا مثل ما يفعله النساء عرفا ولو نازع أهل الوقف القيم وقالوا للحاكم إن الواقف إنما جعل له هذا في مقابلة العمل وهو لا يعمل شيئا لا يكلفه الحاكم من العمل ما لا تفعله الولاة فإن قلت : إذا شرط الواقف ناظرا وجابيا وصيرفيا فما عمل كل منهم قلت : الأمر والنهي والتدبير والعقود وقبض المال وظيفة الناظر وجمع المال من المستأجرين هلاليا وخراجيا وظيفة الجابي ونقد المال ووزنه وظيفة الصيرفي فإن قلت : هل للجابي الدعوى على المستأجر [ ص: 264 ] وهل له إجارة المسقف قلت : لا إلا بتوكيل الناظر وهذه الوظائف إنما يبتني حكمها على العرف فيها كما ذكره في فتح القدير في المشرف وأما بيان ما له فإن كان من الواقف فله المشروط ولو كان أكثر من أجرة المثل وإن كان منصوب القاضي فله أجر مثله واختلفوا هل يستحقه بلا تعيين القاضي فنقل في القنية أولا أن القاضي لو نصب قيما مطلقا ولم يعين له أجرا فسعى فيه سنة فلا شيء له وثانيا أن القيم يستحق أجر مثل سعيه سواء شرط له القاضي أو أهل المحلة أجرا أو لا لأنه لا يقبل القوامة ظاهرا إلا بأجر والمعهود كالمشروط قال وقالوا إذا عمل القيم في عمارة المسجد والوقف كعمل الأجير لا يستحق الأجر لأنه لا يستحق له أجر القوامة وأجر العمل فهذا يدل على أنه يستحق بالقوامة أجرا ا هـ .

                                                                                        وإذا لم يعمل الناظر لا يستحق شيئا لما في الخانية ولو وقف أرضه على مواليه مثلا ثم مات فجعل القاضي للوقف قيما وجعل له عشر الغلة في الوقف وللوقف طاحونة في يد رجل بالمقاطعة لا يحتاج فيها إلى القيم وأصحاب الوقف يقبضون غلتها منه لا يستحق القيم عشر غلتها لأن ما يأخذه بطريق الأجرة ولا أجرة بدون العمل . ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير بعد نقله فهذا عندنا فيمن لم يشترط له الواقف أما إذا شرط كان من جملة الموقوف عليهم ا هـ .

                                                                                        والظاهر أنه عائد إلى قطع المعلوم في زمن التعمير وأما عدم الاستحقاق عند عدم العمل فلا فرق فيه بين ناظر وناظر وقد تمسك بعض من لا خبرة له بقول قاضي خان وجعل له عشر الغلة في الوقف على أن للقاضي أن يجعل للمتولي عشر الغلات مع قطع النظر عن أجرة المثل وهو غلط قال في القنية عزل القاضي فادعى القيم أنه قد أجرى له كذا مشاهرة أو مسانهة وصدقه المعزول فيه لا يقبل إلا ببينة ثم إن كان ما عينه أجر مثل عمله أو دونه يعطيه الثاني وإلا يحط الزيادة ويعطيه الباقي . ا هـ .

                                                                                        فقد أفاد أن القاضي الثاني يحط ما زاد على أجر المثل فأفاد عدم صحة تقرير القاضي للناظر معلوما أكثر من أجر المثل فإن قلت : إذا كان الوقف هلاليا وقد أحال الناظر المستحقين على الحوانيت والبيوت وهم يأخذون من السكان هل يستحق الناظر معلوما قلت : لا يستحق معلوما لأجل الهلالي لعدم عمله فيه إلا لأجل التعمير كما قدمناه عن قاضي خان في مسألة الطاحونة وللقيم التوكيل وعزل وكيله وله أن يجعل للوكيل من معلومه شيئا وله قطعه عنه .

                                                                                        ولو شرط [ ص: 265 ] الواقف للقيم تفويض أمره بعد مماته مثل ما شرطه له في حياته فجعل القيم بعض معلومه لرجل أقامه قيما و سكت عن الباقي ثم مات يكون لوصيه ما سمي له فقط ويرجع الباقي إلى أصل الغلة ولو شرط المعلوم ولم يشرط له أن يجعل لغيره ليس له أن يوصي به ولا بشيء منه لأحد ويجوز له أن يوصي بأمر الوقف وينقطع المعلوم عنه بموته ولو وكل هذا القيم وكيلا في الوقف أو أوصى به إلى رجل وجعل له كل المعلوم أو بعضه ثم جن جنونا مطبقا يبطل توكيله ووصايته وما جعل للوصي أو الوكيل من المال ويرجع إلى غلة الوقف إلا أن يكون الواقف عينه لجهة أخرى عند انقطاعه عن القيم فينفذ فيها حينئذ وقدر الجنون المطبق بما يبقى حولا لسقوط الفرائض كلها عنه ولو عاد عقله عادت الولاية إليه لأنها زالت بعارض فإذا زال عاد إلى ما كان عليه كذا في الإسعاف .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وقيده الطرسوسي إلخ ) نص عبارته ينبغي أن يكون التفصيل فيها أنه إن حصل طلب المستحقين منه المال وأخر ثم مات مجهلا أنه يضمن وإن لم يحصل طلب منهم ومات مجهلا فينبغي أن يقال أيضا إن كان محمودا بين الناس معروفا بالديانة والأمانة لا ضمان عليه وإن لم يكن كذلك ومضى زمن والمال بيده ولم يفرقه ولم يمنعه من ذلك مانع شرعي أنه يضمن . ا هـ .

                                                                                        وكان قوله وينبغي أن يكون التفصيل إلخ سقط من نسخة الرملي فاعترض على المؤلف بأنه غير مطابق لما نقله عنه ثم قال والعمل بإطلاقهم متعين ولا نظر لما قاله الطرسوسي بحثا ويكفي المانع احتماله وقد قيل في حق الطرسوسي أنه ليس من أهل الفقه والقائل فيه ذلك الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى . ا هـ .

                                                                                        تأمل ثم اعلم أن البيري في شرح الأشباه ذكر أن قوله غلات الوقف وقع هكذا مطلقا في الولوالجية والبزازية وقيده قاضي خان بمتولي المسجد إذا أخذ غلات المسجد ومات من غير بيان ا هـ .

                                                                                        أقول : أما إذا كانت الغلة مستحقة لقوم بالشرط فيضمن مطلقا ثم ذكر الاستدلال عليه فراجعه قلت : ويؤيده قولهم إن غلة الوقف يملكها الموقوف عليه وإن لم يقبل وما سيأتي في باب دعوى الرجلين من أن دعوى الغلة من قبيل دعوى الملك المطلق وحينئذ فتكون في حكم سائر الأمانات فتنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل كشريك ومفاوض والله أعلم [ ص: 263 ] ( قوله وفي وقف الناصحي إلخ ) .

                                                                                        قال الرملي سئل مولانا شيخ الإسلام الشيخ محمد الغزي عن المتولي إذا قبض غلات الوقف وصرفها في مصالحه فهل يقبل قوله في ذلك أم لا وهل يحلف أم لا فأجاب نعم القول قوله فيما صرفه في مصالح الوقف من النفقة إذا وافق الظاهر وكذا يقبل قوله فيما يدعيه من الصرف على المستحقين بلا بينة لأن هذا من جملة عمله في الوقف واختلفوا في تحليفه واعتمد شيخنا في الفوائد أنه لا يحلف والله تعالى أعلم بالصواب ثم بعد كتابة هذا الجواب وقفت على جواب فتوى شيخ الإسلام أبي السعود العمادي مفتي الديار الرومية صورتها إذا ادعى المتولي دفع غلة الوقف لمن يستحقها شرعا هل يقبل قوله في ذلك أم لا فكتب جوابه إن ادعى الدفع لمن عينه الواقف في وقفه كأولاده وأولاد أولاده يقبل قوله وإن ادعى الدفع إلى الإمام بالجامع والبواب ونحوهما لا يقبل قوله كما لو استأجر شخصا للبناء في الجامع بأجرة معلومة ثم ادعى تسليم الأجرة إليه فإنه لا يقبل قوله والله تعالى أعلم وهو تفصيل في غاية الحسن فليعمل به والله تعالى أعلم .

                                                                                        قال في تحفة الأقران غير أن علماءنا على الإفتاء بخلافه أقول : والجواب عما تمسك به العمادي أنها ليس لها حكم الأجرة من كل وجه وقد تقدم أن فيها شوب الأجرة والصدقة والصلة ومقتضى ما قاله أنه يقبل قوله في حق براءة نفسه لا في حق صاحب الوظيفة لأنه أمين فيما في يده فيلزم الضمان في الوقف لأنه عامل له وفيه ضرر بالوقف فالإفتاء بما قاله العلماء متعين وقول الغزي هو تفصيل في غاية الحسن فليعمل به في غير محله إذ يلزم منه تضمين الناظر له إذا دفع لهم بلا بينة لتعديه فافهم وقوله آنفا واعتمد شيخنا إلخ الفتوى على أنه يحلف في هذا الزمان والله تعالى أعلم . ا هـ .

                                                                                        ( قوله هل للجابي الدعوى إلخ ) .

                                                                                        قال الرملي صرح مولانا الشيخ محمد بن سراج الدين في فتاواه أن الجابي المنصوب من جانب الناظر وكيل عن الناظر في القبض فيؤخذ منه أنه يملك الخصومة مع المستأجر في دعوى الاستيفاء لما تقرر أن وكيل القبض [ ص: 264 ] خصم في ذلك فما هنا مقيد بالجابي المنصوب من جانب الواقف مع الناظر كما إذا شرط ناظرا وجابيا فليس للجابي الدعوى والحالة هذه وفي كلام هذا الشارح إشارة إليه فافهم ( قوله وأما بيان ما له إلخ ) قال الرملي فلو لم يشترط له الواقف شيئا لا يستحق شيئا إلا إذا جعل له القاضي أجرة مثل عمله في الوقف فيأخذه على أنه أجرة كما يفهم مما كتبنا فيما يأتي قريبا .

                                                                                        ( قوله والمعهود كالمشروط ) قال الرملي فيحمل ما نقله أولا على ما إذا لم يكن معهودا ( قوله فهذا يدل على أنه يستحق بالقوامة أجرا ) قال الرملي يحمل على ما إذا شرط له شيء أو كان معهودا توفيقا ( قوله وجعل له عشر الغلة ) قال الرملي أي في مقابلة عمله في الوقف ( قوله والظاهر أنه عائد إلى قطع المعلوم إلخ ) قال الرملي المتعين خلاف هذا الظاهر إذ لو حمل عليه لفسد المعنى إذ يرجع والحال هذه إلى أنه يقطع إذا شرط له الواقف لا في غيره وهذا فاسد تأمل وأقول : أيضا كيف يقال هذا وقد قدم أولا قوله فيه ولا تؤخر العمارة إذا احتيج إليها وتقطع الجهات الموقوف عليها لها إن لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم .

                                                                                        وأما الناظر فإن كان المشروط له من الواقف فهو كأحد المستحقين فإذا قطعوا للعمارة قطع إلا أن يعمل فيأخذ قدر أجرته وإن لم يعمل لا يأخذ شيئا . ا هـ .

                                                                                        ثم نقل مسألة الطاحون بعده من غير فصل بين الكلامين ثم أعقبها بقوله فهذا عندنا فيمن لم يشترط له الواقف إلخ وأنت خبير بأن المتولي يقطع في زمن التعمير مطلقا اشترط له الواقف أو لم يشترط إلا أن يعمل فيأخذ قدر أجرته ولا تعرض في مسألة الطاحون للتعمير فعوده لذلك غير متجه بل المتجه الفرق بين ناظر وناظر فتحرر أن الواقف إن عين له شيئا فهو له كثيرا كان أو قليلا على حسب ما شرطه عمل أو لم يعمل حيث لم يشرطه في مقابلة العمل كما هو مفهوم من قولنا على حسب ما شرطه وإن لم يعين له الواقف وعين له القاضي أجرة مثله جاز وإن عين أكثر يمنع عنه الزائد عن أجرة المثل .

                                                                                        هذا إن عمل وإن لم يعمل لا يستحق أجرة وبمثله صرح في الأشباه في كتاب الدعوى وإن نصبه القاضي ولم يعين له شيئا ينظر إن كان المعهود أن لا يعمل إلا بأجرة المثل فله أجرة المثل لأن المعهود كالمشروط وإلا فلا شيء له فاغتنم هذا التحرير فإنه يجب إليه المصير لأنه المفهوم من عباراتهم والمتبادر من كلماتهم وقوله في الفتح فهذا إشارة إلى الحكم المذكور في مسألة الطاحون وقوله كان من جملة الموقوف عليهم أي فيستحق الريع بالشرط لا بالعمل كاستحقاق الموقوف عليهم فإنه بالشرط لا بالعمل وهذا هو المتعين في فهم عبارته والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية