الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما معرفة الوصف فخصه بالثمن ومفهومه أن معرفة وصف المبيع ليست شرطا ، ولهذا قال في البدائع . وأما معرفة أوصاف المبيع والثمن ، فقال أصحابنا ليست شرطا والجهل بها ليس بمانع من الصحة لكن شرط اللزوم فيصح بيع ما لم يره ا هـ .

                                                                                        وظاهر ما في فتح القدير أن معرفة الوصف في المبيع والثمن شرط الصحة كمعرفة القدر ، فإنه قال والصفة عشرة دراهم بخارية أو سمرقندية وكر حنطة بحرية أو صعيدية ، وهذا لأنها إذا كانت الصفة مجهولة تتحقق المنازعة فالمشتري يريد دفع الأدون والبائع يطلب الأرفع فلا يحصل مقصود شرعية العقد وهو دفع الحاجة بلا منازعة ا هـ .

                                                                                        فالمصنف اقتصر على معرفة وصف الثمن وصاحب البدائع نفاه فيهما والمحقق ابن الهمام اشترطه فيهما ، وقال في القدوري والأثمان المطلقة لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة والحق أن معرفة [ ص: 298 ] وصف المبيع ليست شرطا بعد الإشارة إليه أو إلى مكانه وهو مراد صاحب البدائع ; لأن خيار الرؤية إنما يثبت في مبيع أشير إليه وهو مستور ولكن ما كان ينبغي له أن يضم الثمن إليه ، فإن خيار الرؤية لا يدخل في الأثمان .

                                                                                        وأما إذا لم يكن مشارا إليه فلا بد من بيان وصفه كحنطة مطلقة وهو مراد المحقق .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وظاهر ما في فتح القدير إلخ ) قال في النهر هذا وهم فاحش وذلك أن القدوري قال والأثمان المطلقة لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة فبين الصفة في الفتح بما قال إذ الكلام في الثمن لا في المبيع ولا شك أن الحنطة تصلح ثمنا إذا وصفت كما سيأتي وليس في الكلام ما يوهم ما ذكره بوجه .

                                                                                        ( قوله والأثمان المطلقة إلخ ) في الينابيع هذا مثل قوله بعت هذا بثمن يساويه فيقول الآخر اشتريت فهذا لا يصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة فالقدر أن يكون عددا معلوما كالعشرة والمائة ، والصفة أن يكون جيدا أو وسطا أو رديئا ، ثم قال محمد في كتاب الصرف إذا اشترى الرجل من آخر شيئا بألف درهم أو بمائة دينار ، ولم يسم ثمنا فهذا على وجهين : الأول أن يكون في البلد نقد واحد معروف وفي هذا الوجه جاز العقد وينصرف إلى نقد البلد بحكم العرف لأن المعروف كالمشروط الوجه الثاني إذا كان في البلد نقود مختلفة وأنه على ثلاثة أوجه :

                                                                                        أحدها أن يكون الكل في الرواج على السواء ولا فضل لبعضها على البعض وفي هذا الوجه جاز العقد ، وإن كان الثمن مجهولا ، ولم يصر نقد من النقود معلوما لا بحكم العرف ولا بحكم التسمية إلا أن هذه جهالة لا توقعهما في منازعة مانعة من التسلم والتسليم ، وإن كان لبعضها شرف على البعض والكل في الرواج على السواء كما في الغطارفة مع العلالي في الزمان السابق لا يجوز [ ص: 298 ] البيع ، وإن كان لبعضها فضل على البعض إلا أن واحدا منها أروج ، فإنه يجوز ، كذا في التتارخانية .

                                                                                        ( قوله وأما إذا لم يكن مشارا إليه فلا بد من بيان وصفه ) الذي تحصل من كلام المؤلف كما اقتضاه كلامه هنا وأول المقولة أنه لا بد في المبيع والثمن الغير المشار إليهما من معرفة القدر والوصف وللعلامة الشرنبلالي رسالة سماها نفيس المتجر بشراء الدرر حقق فيها أن جهالة قدر المبيع الذي سمي جنسه ، وجهالة وصفه لا تمنع سواء كان المبيع مشارا إليه أو لا قال ; لأن المشار إليه علم بالإشارة والغائب يثبت فيه خيار الرؤية فانتفت الجهالة المانعة من الصحة فلم يحتج إلى بيان قدره ولا بيان وصفه لصحة بيعه .

                                                                                        وكذا قوله في باب الرؤية شراء ما لم يره جائز أي صحيح وجهالته لا تفضي إلى المنازعة ; لأنه لو لم يوافقه يرده فصار كجهالة الوصف أو القدر في المعنى المشار إليه ، وإطلاق الكتاب يقتضي جواز البيع سواء سمي جنس المبيع أو لا وسواء أشار إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستورا ، ولا مثل أن يقول بعت منك ما في كمي ، وعامة المشايخ قالوا إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده وطائفة قالوا لا يجوز لجهالة المبيع قال الشرنبلالي ولا يخالفه قول الكنز ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن غير مشار ; لأن التنوين في قدر بدل عن المضاف إليه وهو الثمن أو بدون تنوين على نية إضافته للثمن المذكور على حد قول بعض العرب بعته بنصف وربع درهم وبمثل هذا شرحه منلا مسكين وتمام الكلام في تلك الرسالة فراجعها .

                                                                                        قلت : لكن الظاهر ما قاله المؤلف هنا ; لأن الاكتفاء بالجنس وحده يلزم منه صحة البيع في ، نحو بعتك حنطة بدرهم مثلا ولا شك أنه لا يصح ما لم يذكر لها قدرا ويلزم صحته أيضا في نحو بعتك عبدا أو دارا .

                                                                                        وأما ما ذكره الشرنبلالي من أن الجهالة بثبوت خيار الرؤية فيرد عليه أن خيار الرؤية قد يبطل قبلها بنحو بيع ورهن ، وقد يسقط برؤية بعض مكيل وموزون فتبقى الجهالة على حالها فعلم أنه لا بد من ذكر ما ينفي الجهالة حتى يصح البيع ، ثم بعد صحته يثبت خيار الرؤية ; لأنه في الأول انتفت الجهالة الفاحشة وبقي نوع جهالة تندفع بالرؤية وقدمنا أن المراد بالقدر ما يخصص المبيع ، والله سبحانه أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية