الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : والإقامة مثله ) أي مثل الأذان في كونه سنة الفرائض فقط وفي عدد كلماته وفي ترتيبها لحديث الملك النازل من السماء فإنه أذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ولحديث الترمذي عن أبي محذورة { علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة } ، وإنما قال تسع عشرة كلمة لأجل الترجيع وإلا فالأذان عندنا خمس عشرة كلمة وهذا الحديث لم يعمل بمجموعه الفريقان فإن الشافعية لا يقولون بتثنية الإقامة والحنفية لا يقولون بالترجيع ، وأما ما رواه البخاري { أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة } فمحمول على إيتار صوتها بأن يحدر فيها كما هو المتوارث ليوافق ما رويناه من النص الغير المحتمل لا إيتار ألفاظها ويدل عليه أن الشافعية لا يقولون بإيتار التكبير بل هو مثنى في الإقامة عندهم ، وقد قال الطحاوي تواترت الآثار عن بلال أنه كان يثني الإقامة حتى مات ، وفي الخلاصة وإن أذن رجل وأقام آخر بإذنه لا بأس به وإن لم يرض به الأول يكره وهذا اختيار الإمام خواهر زاده وجواب الرواية أنه لا بأس به مطلقا ويدل عليه إطلاق ما في المجمع حيث قال : ولا نكرهها من غيره فما ذكره ابن الملك في شرحه من أنه لو حضر ولم يرض بإقامة غيره يكره اتفاقا فيه نظر

                                                                                        وفي الفتاوى الظهيرية والأفضل [ ص: 271 ] أن يكون المقيم هو المؤذن ولو أقام غيره جاز والظاهر أن الإقامة آكد في السنية من الأذان كما صرح به في فتح القدير ولهذا قالوا يكره تركها للمسافر دون الأذان ، وقالوا إن المرأة تقيم ولا تؤذن وفي الخلاصة والإقامة أفضل من الأذان وفي القنية ذكر في الصلاة أنه كان محدثا فقدم رجلا جاء ساعتئذ لا تسن إعادة الإقامة ويدخل في المثلية تحويل وجهه بالصلاة والفلاح فيها كالأذان ورفع الصوت بها كهو كما صرح به في القنية إلا أن الإقامة أخفض منه كما في غاية البيان فقول الشارح في عدد الكلمات فيه نظر . ( قوله ويزيد بعد فلاحها قد قامت الصلاة مرتين ) لحديث أبي محذورة وفي روضة الناطفي أكره للمؤذن أن يمشي في إقامته وفي الخلاصة إذا انتهى المؤذن إلى قد قامت الصلاة إن شاء أتمها في مكانه وإن شاء مشى إلى مكان الصلاة إماما كان المؤذن أو غيره وفي السراج الوهاج إن كان المؤذن غير الإمام أتمها في موضع البداية من غير خلاف وفي الظهيرية ولو أخذ المؤذن في الإقامة ودخل رجل في المسجد فإنه يقعد إلى أن يقوم الإمام في مصلاه وفي القنية ولا ينتظر المؤذن ولا الإمام لواحد بعينه بعد اجتماع أهل المحلة إلا أن يكون شريرا وفي الوقت سعة فيعذر وقيل يؤخر .

                                                                                        ( قوله : ويترسل فيه ويحدر فيها ) أي يتمهل في الأذان ويسرع في الإقامة وحده أن يفصل بين كلمتي الأذان بسكتة بخلاف الإقامة للتوارث ولحديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال { إذا أذنت فترسل في أذانك وإذا أقمت فاحدر } فكان سنة فيكره تركه ولأن المقصود من الأذان الإعلام والترسل بحاله أليق ومن الإقامة الشروع في الصلاة والحدر بحاله أليق وفسر الترسل في الفوائد بإطالة كلمات الأذان والحدر قصرها وإيجازها وفي الظهيرية ولو جعل الأذان إقامة يعيد الأذان ولو جعل الإقامة أذانا لا يعيد ; لأن تكرار الأذان مشروع دون الإقامة فما ذكره المصنف في الكافي من أنه لو ترسل فيهما أو حدر فيهما أو ترسل في الإقامة وحدر في الأذان جاز لحصول المقصود وهو الإعلام وترك ما هو زينة لا يضر يدل على عدم الكراهة والإعادة ، وفي فتاوى قاضي خان أذن ومكث ساعة ، ثم أخذ في الإقامة فظنها أذانا فصنع كالأذان فعرف يستقبل الإقامة ; لأن السنة في الإقامة الحدر فإذا ترسل ترك سنة الإقامة وصار كأنه أذن مرتين . ا هـ .

                                                                                        لكن قال في المحيط ولو جعل الأذان إقامة لا يستقبل ولو جعل الإقامة أذانا يستقبل ; لأن في الإقامة التغير وقع من أولها إلى آخرها ; لأنه لم يأت بسنتها وهو الحدر وفي الأذان التغير من آخره ; لأنه أتى بسنته في أوله وهو الترسل فلهذا لا يعيد . ا هـ .

                                                                                        وهو مخالف لما في الظهيرية لكن تعليله يفيد أن المراد بجعل الأذان إقامة أنه أتى فيه بقوله قد قامت الصلاة مرتين فليكن هو المراد مما في الظهيرية وتصير مسألة أخرى غير ما في الخانية والكافي وهو الظاهر ويسكن كلمات الأذان والإقامة لكن في الأذان ينوي الحقيقة وفي الإقامة ينوي الوقف [ ص: 272 ] ذكره الشارح وفي المبتغى والتكبير جزم وفي المضمرات أنه بالخيار في التكبيرات إن شاء ذكره بالرفع وإن شاء ذكره بالجزم وإن كرر التكبير مرارا فالاسم الكريم مرفوع في كل مرة وذكر أكبر فيما عدا المرة الأخيرة بالرفع وفي المرة الأخيرة هو بالخيار إن شاء ذكره بالرفع وإن شاء ذكره بالجزم .

                                                                                        [ ص: 271 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 271 ] ( قوله : فقول الشارح في عدد الكلمات فيه نظر ) ; لأن المثلية غير مقصورة على ذلك بل هي في غيره أيضا والذي تحصل من كلامه أنها مثله في خمسة السنية للفرائض والعدد والترتيب وتحويل الوجه ورفع الصوت لكن في النهر الأولى أن تكون المماثلة في السنية وعدم الترجيع واللحن ; لأنه المذكور في الكتاب أولا قال وبه يندفع ما قيل أنه لا يجعل أصبعيه في أذنيه فكان ينبغي استثناؤه كما فعل بعضهم . ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه وارد على ما قرره في البحر ، وقد يقال : إن قول المصنف بعد ويستدير في صومعته شروع فيما اختص به الأذان فكذا ما عطفه عليه بقوله ويجعل أصبعيه في أذنيه وذلك ينفي المماثلة بينهما في ذلك فلا يرد ما ذكر فافهم . ( قوله : مرتين ) أي مع الإتيان بالترسل أيضا . ( قوله : فليكن هو المراد مما في الظهيرية إلخ ) قال في النهر أقول : كيف يكون هو المراد مما في الظهيرية مع أنه يعاد على ما فيها لا على ما في المحيط والحق أن اختلاف الجواب لاختلاف الموضوع وذلك أن معنى جعل الأذان إقامة على ما في الظهيرية أنه ترك الترسل فيه فيعيد لفوات تمام المقصود منه وعلى ما في المحيط أنه زاد فيه لفظ الإقامة فلا يعيد لوجود الترسل فيه كما صرح به نعم لو جعل الإقامة أذانا لا يعيده على ما في الظهيرية ويعيده على ما في الخانية وكأن الإعادة إنما جاءت على القول المقابل للراجح السابق وبهذا تتفق النقول ثم الإعادة إنما هي أفضل فقط كما في البدائع . ( قوله : لكن في الأذان ينوي الحقيقة ) لا دخل لذكر ينوي هنا وليس في عبارة الشارح ونصها ويسكن كلماتها لما روي عن إبراهيم النخعي أنه قال شيئان يجزمان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة يعني على الوقف لكن في الأذان حقيقة وفي الإقامة ينوي الوقف . ا هـ .

                                                                                        وفي شرح الدرر والغرر للشيخ إسماعيل وما في البحر من أن في المبتغى : والتكبير جزم ، ففيه نظر لأن سياق كلام المبتغى يقتضي أن المراد منه تكبير الصلاة ولفظه ولو قال الله أكبر بالرفع يجوز والأصل فيه الجزم لقوله عليه الصلاة والسلام { التكبير جزم والتسميع جزم } ا هـ . بقرينة المقابلة ثم في اللفظ مجاز والمراد أن كلا منهما يكون مسكنا بالوقف عليه




                                                                                        الخدمات العلمية