الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومكان الإيفاء فيما له حمل من الأشياء ) أي وشرطه بيان مكان الإيفاء في المسلم إليه إذا كان [ ص: 176 ] له حمل ومؤنة أي إذا كان نقله يحتاج إلى أجرة والحمل بالفتح الثقل قال في البناية يعنون به ما له ثقل يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال والمؤنة الكلفة وقالا : لا يحتاج إلى تعيينه ويسلمه في موضع العقد ; لأن مكانه مكان الالتزام فيتعين لإيفاء ما التزمه في ذمته كموضع الاستقراض والاستهلاك وكبيع الحنطة بعينها وكالغصب والقرض وله أن التسليم غير واجب في الحال فلا يتعين مكان العقد للتسليم بخلاف القرض والغصب والاستهلاك فإن تسليمها يستحق بنفس الالتزام فيتعين موضعه ، فإذا لم يتعين بقي مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة لاختلاف القيم باختلاف الأماكن فلا بد من البيان دفعا للمنازعة وصار كجهالة الصفة ولذا قال البعض إن الاختلاف في المكان يوجب التحالف عنده كالاختلاف في الصفة .

                                                                                        وقيل : لا تحالف عنده فيه وعندهما يتحالفان ; لأن تعيين المكان قضية العقد قيد بالمسلم فيه لأن مكان العقد يتعين لإيفاء رأس مال السلم اتفاقا وعلى هذا الاختلاف الثمن إذا كان له حمل ومؤنة والأجرة كذلك والقسمة وصورتها اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة فعنده يشترط بيان مكان الإيفاء وعندهما يتعين مكان العقد وقيل لا يشترط في الثمن عند الكل والصحيح أنه شرط إذا كان مؤجلا وعندهما يتعين مكان العقد ، وقيل في الأجرة يتعين مكان الدار ومكان تسليم الدابة ، ثم إن عين مصرا جاز ; لأنه مع تباين أطرافه كبقعة واحدة في حق هذا الحكم لعدم اختلاف القيمة ، ولهذا لو استأجر دابة ليعمل عليها في المصر فله أن يعمل في أي مكان شاء وقيل هذا إذا لم يكن المصر عظيما فإن كان عظيما تبلغ نواحيه فرسخا لا يجوز ما لم يبينا ناحية منه لأن جهالته مفضية إلى المنازعة ، ولو شرط أن يوفيه في منزله جاز استحسانا لأنه يراد به المنزل حال حلول الأجل عادة والظاهر بقاؤه في منزله ، ولو شرط الحمل إلى منزله قيل يجوز ; لأنه اشتراط الإيفاء فيه وقيل لا يجوز ; لأن الحمل لا يقتضيه العقد ، وإنما يقتضي الإيفاء وهو يتصور بدون الحمل فيكون مفسدا وإن شرط أن يوفيه في موضع ، ثم يحمله إلى منزله لا يجوز .

                                                                                        والحاصل أن اشتراط الإيفاء في مكان مصحح وفي اشتراط الحمل إلى مكان معين قولان واشتراط الحمل بعد الإيفاء مفسد وعكسه لا كالإيفاء بعد الإيفاء وتمامه في الخلاصة وفي البزازية شرط حمله إلى منزل رب السلم بعد الإيفاء في المكان المشروط لا يصح لاجتماع الصفقتين الإجارة والتجارة وشرط الإيفاء خاصة أو الحمل خاصة أو الإيفاء بعد الحمل جائز لا شرط الإيفاء بعد الإيفاء على قول عامة المشايخ كشرطه أن يوفيه في محلة كذا ، ثم يوفيه في منزله ، ولو شرط الإيفاء أو الحمل بعد الحمل لم يجز وفي بعض الفوائد شرط الحمل بعد الحمل يصح ; لأن الحمل لا يوجب الملك لرب السلم فلما شرط الحمل ثانيا صار كشرطه مرة ، وكذا الإيفاء بعد الحمل والإيفاء بعد الإيفاء ولما شرط ذلك صار الإيفاء الأول منفسخا ، وإذا شرط الإيفاء في مدينة كذا فكل محلاتها سواء حتى لو أوفاه في محلة ليس له أن يطالبه في محلة أخرى . ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير ولو اشترى طعاما بطعام من جنسه واشترط أحدهما التوفية إلى منزله لم يجز بالإجماع كيفما كان ، ولو شرط أن يوفيه إلى مكان كذا فسلمه في غيره ودفع الكراء إلى الموضع المشروط صار قابضا ولا يجوز أخذ الكراء وإن شاء رده إليه ليسلمه إليه في المكان المشروط لأنه حقه . ا هـ .

                                                                                        وفي البدائع فإن سلم في غير المكان المشروط فلرب السلم أن يأبى فإن أعطاه على ذلك أجرا لم يجز له أخذ الأجر عليه وله أن يرد المسلم فيه حتى يسلمه في المكان المشروط بخلاف الشفيع إذا صولح عنها بمال لم يصح وسقط حقه لإعراضه عن الطلب كما لو أسقطه صريحا وحق رب السلم في التسليم في المكان المشروط لم يسقط بالإسقاط صريحا . ا هـ .

                                                                                        قيد بما له حمل ; لأن ما لا حمل له كالمسك والكافور والزعفران وصغار اللؤلؤ لا يشترط فيه بيان [ ص: 177 ] مكان الإيفاء وقيده في فتح القدير بأن يكون قليلا وإلا فقد يسلم في أمناء من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالا ويسلمه في المكان الذي أسلم فيه وكل ما قلنا يتعين مكان العقد فهو مقيد بما إذا كان مما يتأتى فيه التسليم وما لا بأن أسلم إليه وهما في مركب في البحر أو جبل فإنه يجب في أقرب الأماكن التي يمكن فيها وهذا على رواية الجامع الصغير ، وذكر في الإجارات أن ما لا حمل له يوفيه في أي مكان شاء وهو الأصح ; لأن الأماكن كلها سواء ، ولو عين مكانا قيل لا يتعين وقيل يتعين وهو الأصح ، كذا في فتح القدير وصحح في المحيط أنه يتعين موضع العقد فيما لا حمل له ; لأن القيمة تختلف باختلاف الأماكن والكافور أكثر قيمة في المصر لكثرة الرغبة فيه في المصر وقلتها في السواد ا هـ .

                                                                                        [ ص: 176 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 176 ] ( قوله : وعلى هذا الاختلاف الثمن ) أي ثمن المبيع في البيع . ( قوله : ولو شرط الإيفاء أو الحمل بعد الحمل لم يجز ) قال بعض الفضلاء فيه مناقضة لقوله أو الإيفاء بعد الحمل المتقدم في نسخة البزازية ولو شرط الحمل بعد الإيفاء أو الحمل إلخ وعليها فلا تناقض وفيه تكرار إلا أن يحمل على التأكيد فتأمل . ا هـ .

                                                                                        وكذلك رأيته في نسختي البزازية . ( قوله : لم يجز ) لأن في أحد الجانبين زيادة وهي الحمل شرنبلالية عن المحيط .




                                                                                        الخدمات العلمية