الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( والاعتكاف ) بأن قال علي أن أعتكف إن شفى الله تعالى مريضي أو إن قدم زيد ; لأنه ليس مما يحلف به كعزل الوكيل فلا يصح تعليقه بالشرط ، كذا ذكر العيني وهذا يدل على أن المراد بالاعتكاف النذر به والتزامه ليكون قولا يمكن تعليقه وعندي أن ذكره هذا في هذا القسم خطأ من وجهين من كونه يبطل بالشروط الفاسدة ومن كونه لا يصح تعليقه ، أما الثاني فقال في القنية باب الاعتكاف قال لله علي اعتكاف شهر إن دخلت الدار فدخل فعليه اعتكاف شهر عند علمائنا . ا هـ .

                                                                                        فإذا صح تعليقه بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد لما في جامع الفصولين وما جاز تعليقه بالشرط لا تبطله الشروط الفاسدة . ا هـ .

                                                                                        لكنه ذكر إيجاب الاعتكاف من جملة ما لا يصح تعليقه بشرط ويبطل بفاسده ، وذكر في البزازية من هذا القسم إيجاب الاعتكاف فقال وتعليق وجوب الاعتكاف بالشرط لا يصح ولا يلزم ، والعجب من المحقق ابن الهمام في فتح القدير حيث جعل إيجاب الاعتكاف مما لا يصح تعليقه وعزاه إلى الخلاصة في كتاب البيوع ولم يقل في رواية مع أنه قدم في باب الاعتكاف أن الاعتكاف الواجب هو المنذور تنجيزا أو تعليقا وهو صريح في صحة تعليقه بالشرط والعجب من العيني كيف مشى هنا على أنه لا يصح تعليقه ، وقال في شرح الهداية من باب الاعتكاف والواجب أن يقول لله علي أن أعتكف يوما أو شهرا أو يعلقه بشرط فيقول : إن شفى الله مريضي . ا هـ .

                                                                                        فقد أتى بعين ما مثل به هنا وتناقض وكيف يصح أن يقال بعدم صحة تعليقه مع الإجماع على صحة تعليق المنذور من العبادات أي عبادة كانت حتى أن الوقف كما سيأتي لا يصح تعليقه بالشرط ، ولو علق النذر به بشرط صح التعليق قال في الواقعات الحسامية من الفصل السابع في النذر بالصدقة رجل ذهب له شيء فقال إن وجدته فلله علي أن أقف أرضي على أبناء السبيل فوجده وجب عليه أن يقف ; لأن هذا نذر والوفاء بالنذر واجب ، وقال قبله لو قال إن دخلت هذه الدار فلله علي أن أتصدق بهذه المائة فدخل الدار وهو ينوي بدخوله أن يتصدق عن زكاة ماله فدخل ، ثم تصدق بها لا يجزئه عن الزكاة ; لأن الأول يمين واليمين لازم لا يملك الرجوع عنها ، فإذا دخل الدار لزمه التصدق بها بجهة اليمين . ا هـ .

                                                                                        فقد أفاد أن المنذور المعلق من باب اليمين وحينئذ صح التعليق وبهذا ظهر بطلان قول الشارحين أنه ليس مما يحلف به وصرح في النذر بالصوم بصحة تعليقه بالشرط وفي فتاوى قاضي خان الاعتكاف سنة مشروعة يجب بالنذر والتعليق بالشرط والشروع فيه اعتبارا بسائر العبادات . ا هـ .

                                                                                        ثم قال : ولو نذر أن يعتكف رجب فعجل شهرا قبله يجوز في قول أبي يوسف خلافا لمحمد وأجمعوا على أن النذر [ ص: 201 ] لو كان معلقا بأن قال إن قدم غائبي أو شفى الله مريضي فلانا فلله علي أن أعتكف شهرا فعجل شهرا قبل ذلك لم يجز . ا هـ .

                                                                                        وهذه العبارة بوضعها دالة على صحة تعليقه بالإجماع ; لأن مفهومها أن النذر صحيح وأنه يجب الوفاء به إذا وجد شرطه ، وأما تعجيله قبل وجود شرطه فغير جائز وهذا هو الموضع الثالث مما أخطئوا فيه في بيان ما لا يصح تعليقه والخطأ هنا أقبح من الأولين وأفحش لكثرة الصرائح بصحة تعليقه وأنا متعجب لكونهم تداولوا هذه العبارات متونا وشروحا وفتاوى ولم يتنبهوا لما اشتملت عليه من الخطأ بتغير الأحكام ، والله الموفق للصواب . وقد يقع كثيرا أن مؤلفا يذكر شيئا خطأ في كتابه فيأتي من بعده من المشايخ فينقلون تلك العبارة من غير تغيير ولا تنبيه فيكثر الناقلون لها وأصلها لواحد مخطئ كما وقع في هذا الموضع ولا عيب بهذا على المذهب ; لأن مولانا محمد بن الحسن ضابط المذهب لم يذكر جملة ما لا يصح تعليقه بالشرط وما يصح على هذا الوجه ، وقد نبهنا على مثل ذلك في الفوائد الفقهية في قول قاضي خان وغيره أن الأمانات تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل إلا من ثلاث .

                                                                                        ثم إني تتبعت كلامهم فوجدت سبعة أخرى زائدة على الثلاثة ، ثم إني نبهت على أن أصل هذه العبارة للناطقي أخطأ فيها ، ثم تداولوها ويرحم الله المحقق صاحب الهداية لم يلتفت إلى جمع هذه الأشياء ووضعها في كتابه وهو دليل على كمال ضبطه وإتقانه ، ولو حذفها المصنف رحمه الله تعالى لكان أسلم .

                                                                                        [ ص: 201 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 201 ] ( قوله : وهذا هو الموضع الثالث من جملة ما أخطئوا فيه ) قال في النهر تعقبه بعض أهل العصر بأن ما هنا في تعليق الاعتكاف لا في تعليق النذر به وهو مردود بما في هبة النهاية جملة ما لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد ثلاثة عشر موضعا وعد منها تعليق إيجاب الاعتكاف بالشرط ويمكن أن يجاب عنه بأن يكون معناه ما إذا قال أوجبت على الاعتكاف إن قدم زيد لكنه خلاف الظاهر فتدبره وعلى كل تقدير فالتأدب مع ساداتنا الأعلام وحسن الظن بهم واجب بلا كلام والحق أن كلامهم هنا محمول على رواية في الاعتكاف وإن كانت الأخرى هي التي عليها الأكثر وكون محمد لم يذكرها مجموعة لا يقدح في ثبوت كل فرد منها لذكره لها متفرقة والعذر لصاحب الهداية حيث لم يذكرها مجموعة أنه التزم الجمع بين القدوري والجامع الصغير وليس فيهما ذلك ومن ثم حذفها في المجمع لالتزامه المنظومة والقدوري . ا هـ .

                                                                                        ومما يدل على ثبوت مسألة الاعتكاف ما في الفصول العمادية حيث قال وتعليق الاعتكاف بالشرط لا يصح ولا يلزمه ، كذا ذكر في صوم الأصل . ا هـ .

                                                                                        والأصل من مؤلفات الإمام محمد رحمه الله تعالى وفي الحواشي العزمية فساد الاعتكاف بالشرط بأن قال من عليه اعتكاف أيام نويت أن أعتكف عشرة أيام لأجله بشرط أن لا أصوم أو أباشر امرأتي في الاعتكاف أو أن أخرج عنه في أي وقت شئت بحاجة أو بغير حاجة يكون الاعتكاف فاسدا وتعليقه بالشرط بأن يقول نويت أن أعتكف عشرة أيام إن شاء الله تعالى . ا هـ .

                                                                                        وهذا ما ذكره صاحب النهر أولا عن بعض أهل العصر ويرد عليه تعبير بعضهم بإيجاب الاعتكاف وقد يجاب عنه بأن يقال لو نذر اعتكاف شهر مثلا ثم دخل المسجد فقال نويت الاعتكاف المنذور إن شاء الله تعالى فقد أوجب الاعتكاف معلقا فلم يصح فليس المراد بتعليق إيجابه تعليق النذر به بل تعليق الشروع فيه فلا خطأ في كلامهم أصلا وإنما الخطأ في فهم مرامهم وحيث ثبت بطلان تعليقه بالشرط صح ذكره في هذا المقام




                                                                                        الخدمات العلمية