الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : فإن قال إن لم أواف به غدا فهو ضامن لما عليه فلم يواف به أو مات المطلوب ضمن المال ) ; لأن الكفالة بالمال معلقة بشرط عدم الموافاة وهو متعارف يصح تعليقها به ، فإذا وجد الشرط لزمه المال ولا يبرأ عن كفالة النفس لأنها كانت ثابتة قبلها ولا تنافيها كما لو جمله والمراد بقوله ولم يواف به مع قدرته عليه فإن عجز لا يلزمه إلا إذا عجز بموت المطلوب أو جنونه وموت المطلوب وإن أبطل الكفالة بالنفس فإنما هو في حق تسليمه إلى الطالب لا في حق المال وقيد بموت المطلوب ; لأن الكفيل لو مات لم يوجد شرط الكفالة [ ص: 232 ] المعلقة ; لأن وارثه يقوم مقامه كموت الطالب فإن الكفيل إذا سلمه إلى وارثه ولو أبرأه الطالب عن كفالة النفس فلم يواف به لا يجب المال لفقد شرطه ولو اختلف فقال الكفيل وافيتك به ، وقال الطالب لم توافني به فالقول للطالب والمال لازم على الكفيل ; لأن سبب وجوب المال التزام المال بالكفالة إلا أن الموافاة شرط للبراءة فلا يثبت بقول الكفيل ، كذا في الخانية وفي البزازية وفيما إذا علق المال بعدم الموافاة لا يصدق الكفيل على الموافاة إلا بحجة وبيانه ما ذكره في نظم الفقه قال الكفيل دفعته إليك اليوم المشروط وأنكره الطالب فالأمر على ما كان في الابتداء ولا يمين على واحد منهما ; لأن كلا منهما مدع : الكفيل البراءة والطالب الوجوب ، ولا يمين على المدعي عندنا . ا هـ .

                                                                                        وفي فروق الكرابيسي رجل كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه المال فلم يوافه لكن المدعي وجد المدعى عليه ولازمه حتى الليل يلزمه المال ، وكذا لو تغيب الطالب فلم يجده لزمه المال ، هنا فصول الثاني لو شرط على الكفيل مكانا فجاء الكفيل بالمكفول به في ذلك المكان وتغيب الطالب لزم المال الكفيل الثالث لو اشترى بالخيار فتوارى البائع الرابع حلف ليقضين دينه اليوم فتغيب الدائن الخامس جعل أمر امرأته بيدها إن لم تصل نفقتها فتغيبت ، وعند أبي يوسف ينصب القاضي قيما في الفصلين الأخيرين لا في الأول ; لأن الطالب متعنت فيهما لا في الأول . ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة إذا توارى الطالب والبائع نصب القاضي وكيلا عن الغائب ، قال الفقيه أبو الليث هذا خلاف قول أصحابنا وإنما روي في بعض الروايات عن أبي يوسف ولو فعل القاضي فهو حسن . ا هـ .

                                                                                        وجعل قاضي خان في فتاويه المسائل كلها على الخلاف وأن القاضي ينصب وكيلا عن الغائب على قول المتأخرين وهو قول أبي يوسف . ا هـ .

                                                                                        ولم يصور المصنف المسألة بالألف كما في الهداية لبيان أن معلومية القدر ليست شرطا لصحتها ، فإذا قال بما عليه فمهما ثبت بالبينة أنه عليه لزمه كما سيأتي ، كذا في النهاية وكذلك لو قال الكفيل بالنفس إن لم أوافك به غدا فعلي ما أقر به المطلوب فلم يواف به غدا فأقر المطلوب أن له عليه خمسمائة كان الكفيل ضامنا لما أقر وليس هذا كما لو قال إن لم أوافك به غدا فأنا ضامن لما ادعيت عليه فلم يواف به غدا فادعى الطالب عليه مالا لا يلزمه المال ، وكذا لو قال إن لم أوافك به غدا فما ادعيت عليه فهو علي فلم يواف به غدا فادعى الطالب عليه مالا لا يلزمه ، كذا في فتاوى قاضي خان بعد مراجعة نسخة صحيحة وقوله إن لم أدفعه إليك غدا بمنزلة إن لم أوافك به كما في الخانية ولو قال الكفيل بالنفس إن غاب عنك المكفول فأنا ضامن لما عليه فغاب المكفول إلى الكوفة ولم يطلبه الطالب ثم دفعه الكفيل إليه بعد رجوعه من الكوفة فالكفيل ضامن للمال ; لأنه علقها بالغيبة ، ولو قال قد كفلت لك بنفس فلان فإن غاب ولم أوافك فأنا ضامن لما عليه فغاب قبل أن يوافي لزمه المال وهو بمنزلة ما لو قال إن غاب قبل أن أوافيك به ، ولو قال إن غاب فلم أوافك به فأنا ضامن لما عليه فهذا على أن يوافيه بعد الغيبة ، كذا في الخانية وفيها أيضا ولو كفل بنفس رجل على أن يوافي به إذا جلس القاضي فإن لم يواف به فعليه الألف التي للطالب عليه فلم يجلس القاضي أياما وطلب المدعي ولم يأت به فلا شيء على الكفيل من المال ; لأنه علق الكفالة بالمال بعدم الموافاة إذا جلس القاضي . ا هـ .

                                                                                        وقوله في الكتاب فأنا ضامن ليس بقيد ففي الخانية إن لم أواف به فعندي لك هذا المال لزمه ; لأن عندي إذا استعمل في الدين يراد به الوجوب ، وكذا لو قال إلي هذا المال وقيد بعدم الموافاة للاحتراز عما في البزازية كفل بنفسه على أنه متى طالبه سلمه فإن لم يسلمه فعليه ما عليه ومات المطلوب وطالبه بالتسليم وعجز لا يلزمه المال ; لأن المطالبة بالتسليم بعد الموت لا تصح ، فإذا لم تصح المطالبة لم يتحقق [ ص: 233 ] العجز الموجب للزوم المال فلا يجب . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية كفل بنفسه ، وقال : إن عجزت عن تسليمه إلى ثلاثة أيام فعلي المال ثم حبس بحق أو بغير حق أو مرض مرضا يتعذر إحضاره يلزمه المال بعد الثلاثة . ا هـ .

                                                                                        وفي وكالة منية المفتي قال إن وافيتك به غدا فعلي ما عليه ثم وافى به لم يلزمه المال ; لأنه شرط لزمه إن أحسن إليه . ا هـ . يعني : أنه تعليق بغير المتعارف فلم تصح الكفالة .

                                                                                        [ ص: 232 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 232 ] ( قوله : وكذا لو قال إن لم أوافك به غدا فما ادعيت عليه فهو علي إلخ ) ذكر المسألة في الخانية قبل هذا موضحة فقال رجل كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به غدا فعليه ما ادعى الطالب فلم يواف به وادعى الطالب عليه ألف درهم وصدقه المطلوب وجحدها الكفيل كان القول قول الكفيل مع اليمين على العلم . ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية