الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء وأخذ المال فضاع واستحق العبد لم يضمن ) أي البائع الثمن للمشتري ; لأن القاضي قائم مقام الخليفة ولا ضمان عليه فلا ضمان على القاضي وأمين القاضي [ ص: 51 ] كالقاضي وهو من يقول له القاضي جعلتك أمينا في بيع هذا العبد أما إذا قال بع هذا العبد ولم يزد عليه اختلف المشايخ والصحيح أنه لا تلحقه عهدة ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده كذا في شرح التلخيص للفارسي وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن العبد لو ضاع منه قبل التسليم إلى المشتري لم يضمنا كما ذكره الشارح وإلى أن أمينه لو قال بعت وقبضت الثمن وقضيت الغريم صدق بلا يمين وعهدة إلحاقا بالقاضي كذا في شرح التلخيص أيضا وفي البدائع من خيار العيب أن العيب إذا كان ظاهرا يرد المبيع به ينظر القاضي أو أمينه ا هـ .

                                                                                        وفي قضاء الملتقط إذا وجب يمين على مخدرة وجه القاضي لها ثلاثة من العدول يستخلفها واحد وآخران يشهدان على يمينها أو نكولها . ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا المستحلف ليس بأمينه وإلا قبل قوله في اليمين والنكول وحده ثم اعلم أن القاضي وأمينه لا ترجع حقوق عقد باشراه لليتيم إليهما بخلاف الوكيل والأب والوصي فلو ضمن القاضي أو أمينه ثمن ما باعاه لليتيم بعد بلوغه صح بخلافهم وتمامه في قضاء العتابية ( قوله ورجع المشتري على الغرماء ) ; لأن البيع وقع لهم فكانت العهدة عليهم عند تعذر جعلها على العاقد كما تجعل العهدة على الموكل عند تعذر جعلها على الوكيل في المحجور عليه قيد برجوع المشتري ; لأنه لو ظهر للميت غريم آخر لا يشارك الأول في الثمن وإن صار مقرا بقبض الأمين ; لأن حق المشاركة إنما ثبت بقبض الدين ولم يوجد قبض الدين حقيقة ولا حكما أقصى ما في الباب أنه أقر بقبض الأمين ثمن ما باعه من التركة وأمين القاضي ليس بنائب عنه لا في البيع ولا في القبض ليكون إقراره بقبضه إقرارا بقبض نفسه حكما بل هو نائب عن الميت في البيع ; لأن المقبوض بدل ملك الميت ولهذا لو توي المقبوض في يد الأمين لا يسقط بتواه شيء من دين الغريم كذا في شرح التلخيص من الوكالة .

                                                                                        وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن الغريم خصم للمشتري في الرد بعيب ولكن في التلخيص منها فإن قال أمينه الذي أمره بالبيع فيه بعت وقبضت الثمن وقضيت الغريم صدق بلا يمين وعهدة إلحاقا بالقاضي ثم الغريم إن أنكر الإيفاء دون القبض كان خصما للمشتري في العيب فيغرم الثمن لا لغريم آخر فلا يشاركه إذ العهدة بالعقد وهو له نفعا كما في توكيل المحجور والمكره والشركة بالقبض وهو للميت حتى لم يسقط التوى شيئا وإن أنكرهما كان الخصم من يأمره القاضي لانتهاء الأول بلا حقوق ويبيع فيما للمشتري هنا أو غرم الغريم في الأولى نظرا للتعين نظرا وسلطة كما مر مهدرا للنقص صار فالفضل إلى دين الغريم قديما وفاء بقصور السلطة كما لو ظهر مال آخر . ا هـ .

                                                                                        وتوضيحه في شرحه للفارسي ثم اعلم أنهم جعلوا النائب كالأصيل في نائب القاضي وهو الأمين وفي الوكيل فينبغي أن يجعل نائب الإمام أو نائبه كهما بدليل ما قدمناه من أن القاضي إنما قبل قوله بلا يمين لكونه نائبا عن الإمام فعلى هذا يقبل قول أمين بيت المال بلا يمين فليحفظ هذا خصوصا أنهم جعلوا أمين القاضي كهو فأمين الإمام كهو بالأولى وسيأتي نقله عن شرح التلخيص نائب الناظر كهو في قبول قوله فلو ادعى ضياع مال الوقف أو تفريقه على المستحقين وأنكروا فالقول له كالأصيل لكن مع اليمين وبه فارق أمين القاضي فإنه لا يمين عليه كالقاضي .

                                                                                        وأشار المؤلف أيضا إلى أن الوكيل لو ادعى ذلك لم يضمن أيضا وفي التلخيص إن قال الوكيل بعت وقبضت الثمن وسلمته إلى الآمر أو ضاع صدق وبرئ المشتري للتسليط قصدا أو ضمنا ويحلف على التسليم والضياع إذ نكوله على نفسه دون المشتري ولا يحلف على البيع والقبض للعكس إلا في دعوى الغرم لعكس العكس ألا ترى أن ذا اليد إذا أقر بالمدعى لصغير حلف على الغرم دون العين ويسلم المبيع إن كان في يده للتسليط يدا لا إن كان في يد الآمر للعدم بل يفسخ المشتري أو ينقد راجعا به على الوكيل لفوت رضا أو سلامة ويسترد المعيب رادا ثمنه وفاء بالعدل والحقوق ويرجع به على الآمر إن صدقه في القبض إذ يده يده بدليل التلف ويبيعه القاضي فيه إن كذبه إلى آخر ما ذكره في باب ما يصدق فيه الوكيل [ ص: 52 ] والوصي والقاضي منها قيد بعدم ضمانه عند الاستحقاق ; لأنه لو أخطأ في قضائه ضمن لما في المحيط البرهاني من الحدود ولو شهد أربعة من الرجال على محصن بالزنا فرجمه الإمام ثم وجد أحدهم عبدا أو محدودا في قذف فديته على القاضي ويرجع القاضي بذلك في بيت المال بالإجماع الأصل في جنس هذه المسائل أن القاضي متى ظهر خطؤه فيما قضى بيقين فإنه يضمن ما قضى به ويرجع بذلك على المقضي له كالمودع والوكيل وإن كان الخطأ في المال فإن كان قائما بيد المقضي له أخذه القاضي ورده على المقضي عليه وإن كان مستهلكا ضمن قيمته ورجع بذلك على المقضي له وإن كان في رجم أو قطع يد في سرقة ضمن القاضي ورجع بما ضمن في بيت المال وإن ظهر أن الشهود فسقة لم يضمن القاضي ; لأنه لم يظهر خطؤه بيقين ; لأن خطأ القاضي إنما يظهر إذا ظهر أنه قضى بغير شهادة ولم يظهر ; لأن الفاسق أهل للشهادة عندنا ا هـ .

                                                                                        والمنقول في الخلاصة والبزازية والمحيط المذكور من كتاب القضاء عدم ضمان القاضي إذا أخطأ وهو مخالف لما في المحيط من الحدود .

                                                                                        [ ص: 51 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 51 ] ( قوله وفي البدائع من خيار العيب إلخ ) الغرض من هذا أن أمين القاضي ملحق به وإلا فلا دخل لهذا الفرع هنا ( قوله كما نجعل العهدة على الموكل عند تعذر جعلها على الوكيل في المحجور عليه ) الأولى حذف لفظة في ليصير المحجور عليه صفة للوكيل والمراد ما إذا كان العاقد عبدا أو صبيا يعقل البيع وكله رجل ببيع ماله فإنه لا تتعلق الحقوق بهما بل بموكلهما ; لأن التزام العهدة لا يصح منهما لقصور الأهلية في الصبي وحق السيد في العبد والأصل أنه إذا تعذر تعلق الحقوق بالعاقد تتعلق بأقرب الناس إلى العاقد وأقرب الناس في مسألتنا من ينتفع بهذا العقد وهو الغريم كذا في فتح القدير [ ص: 52 ] ( قوله وهو مخالف لما في المحيط ) قال الرملي يمكن التوفيق بأن يريد بعدم ضمانه عدم استقرار الضمان عليه برجوعه في بيت المال فكأنه لا ضمان عليه تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية