الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والخروج بصنعه ) أي الخروج من الصلاة قصدا من المصلي بقول أو عمل ينافي الصلاة بعد تمامها فرض ، سواء كان ذلك قوله السلام عليكم ورحمة الله كما تعينه لذلك هو الواجب ، أو كان فعلا مكروها كراهة تحريم ككلام الناس أو أكل أو شرب أو مشي ، وإنما كان مكروها كراهة تحريم لكونه مفوتا للواجب ، وهو السلام ، وهذا الفرض مختلف فيه فما ذكره المصنف إنما هو على تخريج أبي سعيد البردعي فإنه فهم من قول أبي حنيفة بالفساد في المسائل الاثنى عشرية أن الخروج منها بفعله فرض وعلل له بأن إتمامها فرض بالإجماع وإتمامها بإنهائها ، وإنهاؤها لا يكون إلا بمنافيها ; لأن ما كان منها لا ينهيها وتحصيل المنافي صنع المصلي فيكون فرضا وفهم من قولهما بعدم الفساد فيها بأنه ليس بفرض وعلل له بأن الخروج بصنعه لو كان فرضا لتعين بما هو قربة كسائر فرائض الصلاة وذلك منتف ; لأنه قد يكون بما هو معصية كالقهقهة والحدث والكلام العمد فلا يجوز وصفه بالفرض ، وذهب الكرخي إلى أنه لا خلاف بينهم في أن الخروج بفعل المصلي ليس بفرض ولم يرو عن أبي حنيفة بل هو حمل من أبي سعيد كما ذكرناه ، وهو غلط ; لأنه لو كان فرضا لاختص بما هو قربة وسيأتي وجه الفساد عنده في المسائل المذكورة في محله إن شاء الله تعالى وصحح الشارح وغيره قول الكرخي ، وفائدة الخلاف على رأي البردعي تظهر فيما إذا سبقه الحدث بعدما قعد قدر التشهد في القعدة الأخيرة فإن صلاته تامة فرضا عندهما وعند أبي حنيفة لم تتم صلاته فرضا فيتوضأ ويخرج منها بفعل مناف لها فلو لم يتوضأ ولم يأت بالسلام حتى أتى بمناف فسدت عنده لا عندهما واتفقوا على الوضوء والسلام كذا في منية المصلي وشرحها ، وفيه نظر سنذكره إن شاء الله تعالى

                                                                                        ثم اعلم أن هذه الفرائض المذكورة إذا أتى بها نائما فإنها لا تحتسب بل يعيدها كما إذ قرأ نائما أو ركع نائما وهذه المسألة يكثر وقوعها لا سيما في التراويح كذا في منية المصلي .

                                                                                        والحاصل أنهم اختلفوا في أن قراءة النائم في صلاته هل يعتد بها ؟ فقيل نعم واختاره الفقيه أبو الليث ; لأن الشرع جعل النائم كالمستيقظ في الصلاة تعظيما لأمر المصلي واختار فخر الإسلام وصاحب الهداية وغيرهما أنها لا تجوز ونص في المحيط والمبتغى على أنه الأصح ; لأن الاختيار شرط لأداء العبادة ولم يوجد حالة النوم قال في فتح القدير والأوجه اختيار الفقيه والاختيار المشروط قد وجد في ابتداء الصلاة ، وهو كاف ألا يرى أنه لو ركع وسجد ذاهلا عن فعله كل الذهول أنه يجزئه ا هـ وهذا يفيد أنه لو ركع وسجد حالة النوم يجزئه .

                                                                                        [ ص: 312 ] وقد نصوا على أنه لا يجزئه . قال في المبتغى ركع وهو نائم لا يجوز إجماعا ا هـ .

                                                                                        وفرقهم بين القراءة والركوع والسجود بأن كلا من الركوع والسجود ركن أصلي بخلاف القراءة لا يجدي نفعا وعرف من هذا أيضا جواز القيام حالة النوم أيضا ، وإن نص بعضهم على عدم جوازه ، وأما القعدة الأخيرة نائما ففي منية المصلي إذا نام في القعدة الأخيرة كلها فلما انتبه عليه أن يقعد قدر التشهد ، وإن لم يقعد فسدت صلاته ، ويخالفه ما في جامع الفتاوى أنه لو قعد قدر التشهد نائما يعتد بها ، وعلل له في التحقيق للشيخ عبد العزيز البخاري بأنها ليست بركن ومبناها على الاستراحة فيلائمها النوم فيجوز أن تحتسب من الفرض بخلاف سائر الأفعال فإن مبناها على المشقة فلا تتأدى في حالة النوم ، ويترجح أيضا بما رجحه المحقق في فتح القدير فيما لو قرأ نائما في قولهم لو ركع نائما إشارة إلى أنه لو ركع فنام في ركوعه أنه يجزئه ، وهو كذلك بل في المبتغى جاز إجماعا ، وفي المحيط لو نام في ركوعه وسجوده لا يعيد شيئا ; لأن الرفع والوضع حصل بالاختيار ، ثم اعلم ، أنه يتفرغ على اشتراط الاختيار في أداء هذه الأفعال المفروضة أن النائم في الصلاة لو أتى بركعة تامة تفسد صلاته ; لأنه زاد ركعة لا يعتد بها والمسألة في المحيط أيضا والله سبحانه أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وفيه نظر سنذكره إن شاء الله تعالى ) هو قوله وفيه نظر بل لا يكاد يصح لأنه إذا أتى بمناف بعد سبق الحدث فقد خرج منها بصنعه ولهذا قال الشارح الزيلعي ، وكذا إن سبقه الحدث بعد التشهد ، ثم أحدث متعمدا قبل أن يتوضأ تمت صلاته ولم يحك خلافا وإنما ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا خرج منها لا بصنعه كالمسائل الاثنى عشرية ا هـ .

                                                                                        ( قوله والاختيار المشروط قد وجد إلخ ) قال الحلبي في شرح المنية والجواب أنا نمنع كون الاختيار في الابتداء كافيا ولا نسلم أن الذاهل غير مختار [ ص: 312 ] ( قوله وعرف من هذا ) الظاهر أن الإشارة إلى الاقتصار المفهوم مما سبق أي عرف من اقتصارهم على القراءة والركوع والسجود جواز القيام حالة النوم ، وفيه خفاء بل مقتضى ما يأتي من الفرع عن المحيط أنه لا يجوز وكأنه لهذا لم يفرق الشرنبلالي بينه وبين غيره ، وكذا الشيخ علاء الدين تبعا لإطلاق عبارة متن التنوير ، وكذا الحلبي في شرحه الكبير ( قوله لأنه زاد ركعة لا يعتد بها ) قال في النهر مبني على اختيار فخر الإسلام في القراءة وأن القيام منه غير معتد به ا هـ . أي وعلى أن القيام غير معتد به فافهم




                                                                                        الخدمات العلمية