الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( والدابة للركوب والحمل والثوب للبس ) يعني يجوز استئجار هذه الأشياء لما ذكر إذا عين الراكب والحمل أو أطلق ; لأن لها منافع معلومة قيد بالركوب ليحترز عما إذا استأجرها كما تقدم وباللبس ليحترز عما إذا استأجر الثوب ليزين به دكانه كما تقدم ، وفي الذخيرة استأجر دابة ليحمل عليها حنطة من موضع كذا إلى منزله وكان كلما رجع يركبها فعطبت الدابة ، قال أبو بكر الرازي يضمن ; لأنه استأجرها للحمل دون الركوب فكان غاصبا بالركوب ، وقال الفقيه أبو الليث في الاستحسان لا يضمن ; لأن العادة جرت بين الناس بذلك فصار مأذونا فيه ، ثم شرع يبين أنها تارة تكون مطلقة وتارة تكون مقيدة .

                                                                                        قال رحمه الله ( فإن أطلق أركب وألبس من شاء ) يعني إذا أطلق له الركوب واللبس جاز له أن يركب الدابة ويلبس الثوب من شاء والمراد بالإطلاق أن يقول على أن تركب من تشاء وتلبس من تشاء ا هـ .

                                                                                        كلام الشارح وفسر الإطلاق بهذا تاج الشريعة وصاحب العناية والغاية وفسر صاحب النهاية والكفاية ومعراج الدراية الإطلاق بأن يقول استأجرتها للركوب ولم يزد عليه أو اللبس ولم يزد عليه [ ص: 14 ] اعلم أن استئجار الدابة والثوب على ثلاثة أضرب : الأول أن يقول عند العقد استأجرتها للركوب أو للبس ولم يزد عليه . والثاني أن يزيد في قوله على أن أركب من أشاء وألبس من أشاء . والثالث أن يقول على أن أركب أنا أو فلان أو ألبس أنا أو فلان ، ففي الوجه الأول يفسد العقد ; لأن الركوب واللبس مختلفان اختلافا فاحشا فإن أركب شخصا ومضت المدة تنقلب صحيحة ويجب المسمى استحسانا ; لأنه ارتفع الموجب للفساد وهو الجهالة ولا ضمان عليه إن هلكت ; لأنه غير متعدد وفي الوجه الثاني يصح العقد ويجب المسمى ويتعين أول من يركب سواء كان المستأجر أو غيره ; لأنه تعين من الأصل فصار كأنه نص عليه ابتداء وفي الثالث ليس له أن يتعداه ; لأن التعيين مفيد فإذا تعدى صار ضامنا وحكم الحمل حكم الركوب في جميع ما ذكرنا وفي قاضي خان استأجرت المرأة درعا لتلبسه ثلاثة أيام إن كان الثوب بدله كان لها أن تلبسه في الأيام والليالي وإن كانت صيانة تلبسه في النهار وفي أول الليل وآخره وليس لها أن تلبسه كل الليل فإن لبسته كل الليل وباتت فيه حتى جاء النهار برئت من الضمان إن لم يتخرق ا هـ .

                                                                                        وفي البقالي استأجر دابة ليحمل عليها فحمل عليها رجلا لا يضمن ، ولو استأجر دابة ليطحن عليها وما بين مقدار ما يعمل به فإنه يجوز وله أن يعمل عليها مقدار ما تحمل ، وفي المحيط ينعقد فاسدا فإذا عمل عليها مقدار ما يحمل يعود جائزا ويجب المسمى استحسانا فظهر أن المشيئة في قوله ما شاء مقيدة بقدر حملها وفي المحيط استأجر ثوبا ليلبسه ليذهب إلى مكان كذا فلم يذهب إلى ذلك الموضع ولبسه في غير ذلك الموضع يكون مخالفا ولا أجر عليه ، وقال الفقيه أبو الليث عندي أنه غير مخالف ويجب الأجر ; لأن هذا خلاف إلى خير وليس هذا كمن استأجر دابة ليذهب إلى موضع كذا فركبها في المصر في حوائجه فهو مخالف ; لأن الدابة لا يجوز إيجارها إلا إذا بين المكان وفي الثوب لا يحتاج إلى بيان المكان ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة وإذا تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل عليها من مرض منهم أو من أغمي عليه منهم فهذا فاسد .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية