الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو ترك السورة أولى العشاء قرأها في الأخريين مع الفاتحة جهرا ، ولو ترك الفاتحة لا ) أي لا يقرؤها في الأخريين وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ، وقال أبو يوسف لا يقضي واحدة منهما ; لأن الواجب إذا فات عن وقته لا يقضى إلا بدليل ، ولهما : وهو الفرق بين الوجهين : أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه يترتب عليه السورة فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة ، وهذا خلاف الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة ; لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع ، وهذه المسألة مربعة فالقول الثالث ما رواه الحسن عن أبي حنيفة أنه يقضيهما ، وقال عيسى بن أبان يقضي الفاتحة دون السورة ; لأنها أهم الأمرين ، وفي تعبيره بالخبر في قوله قرأها تبعا للجامع الصغير إشارة إلى الوجوب ; لأن الأخبار في الوجوب آكد من الأمر وصرح في الأصل بالاستحباب فإنه قال : أحب إلي أن يقضي السورة في الأخريين ، وإنما كان [ ص: 358 ] مستحبا ; لأنه لا يمكن مراعاتها من كل وجه في القضاء ; لأنها ، وإن كانت مؤخرة عن الفاتحة فهي غير موصولة بها ; لأن السورة في الشفع الثاني والفاتحة في الأول ، وفي غاية البيان والأصح ما قاله في الجامع الصغير ; لأنه آخر التصنيفين ، وفي فتح القدير : ولا يخفى أن ما في الأصل أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال أيضا : إن الإخبار إنما يكون آكد من الأمر لو كان من الشارع أما من الفقهاء فلا يدل على الوجوب بل والأمر منهم لا يدل عليه فكان المذهب الاستحباب ، ثم ظاهر الكتاب أنه يجهر بالسورة والفاتحة وجعله الشارح ظاهر الرواية وصححه في الهداية ; لأن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة شنيع وتغيير النفل وهو الفاتحة أولى وصحح التمرتاشي أنه يجهر بالسورة فقط وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب وفخر الإسلام الصواب قولا بعدم التغيير ولا يلزم الجمع بينهما في ركعة ; لأن السورة تلتحق بموضعها تقديرا ، ولم يبين كيف يرتبهما ؟ فقيل : يقدم السورة ، وقيل : الفاتحة وينبغي ترجيحه ، وفي قوله مع الفاتحة إشارة إلى أنه إذا أراد قضاء السورة ليس له ترك الفاتحة فتصير واجبة كالسورة ، وفيه قولان وينبغي ترجيح عدم الوجوب كما هو الأصل فيها وقيد بكونه ترك الفاتحة في الأوليين ; لأنه لو نسي الفاتحة في الركعة الأولى أو الثانية وقرأ السورة ، ثم تذكر قبل الركوع فإنه يأتي بها ويعيد السورة في ظاهر المذهب ; لأنه إذا أتى بها تكون فرضا كالسورة فصار كما لو تذكر السورة في الركوع فإنه يأتي بها ويعيد الركوع .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فلو قضاها في الأخريين تترتب الفاتحة على السورة ) إذ التقدير أنه قرأ السورة ، ثم يقضي الفاتحة في الشفع الثاني ، والذي وقع في الشفع الثاني بعد الذي وقع في الشفع الأول فتكون الفاتحة بعد السورة وهذا خلاف الموضوع قال في العناية ونوقض بترتب الفاتحة التي في الشفع الثاني على السورة التي في الركعة الثانية من الشفع الأول فإنه تترتب الفاتحة على السورة ، وهو مشروع لا محالة ، وأجيب بأن ذلك على وجه الدعاء وليس الكلام فيه ، وإنما الكلام في قراءة الفاتحة على وجه قراءة القرآن [ ص: 358 ] ( قوله أما من الفقهاء فلا يدل على الوجوب إلخ ) قال في النهر : لا يخفى أن أمر المجتهد ناشئ من أمر الشارع فكذا إخباره ، نعم ، قال في الحواشي السعدية : إنما يكون دليلا إذا كان مستعملا في الأمر الإيجابي ، وهو ممنوع وأقول : لم لا يجوز أن يكون المراد الاستحباب وتكون القرينة عليه ما في الأصل كما أريد بما مر من قوله افترش رجله اليسرى ووضع يديه على فخذيه وأمثال ذلك




                                                                                        الخدمات العلمية