الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( كتاب الذبائح ) .

                                                                                        قال جمهور الشراح : المناسبة بين المزارعة والذبائح كونها إتلافا في الحال للانتفاع في المآل فإن المزارعة إتلاف الحب في الأرض للانتفاع بما ينبت منها ، والذبح إتلاف الحيوان بإزهاق روحه للانتفاع به بعد ذلك قيل هذا إنما يقتضي تعقيب المزارعة بالذبائح دون تعقيب المساقاة وأجيب بأن المساقاة كالمزارعة في غالب الأحكام فكانت المناسبة المذكورة بين المزارعة والذبائح لدخول المساقاة في المزارعة ضمنا فاكتفي بذلك ، ويحتاج إلى معرفة تفسير الذكاة لغة وشرعا وركنها وشرط جوازها وحكمها . أما تفسيرها لغة فهي إما مشتقة من الحدة يقال سراج ذكي إذا كان يراه في غاية الحدة ويقال فلان ذكي إذا كان سريع الفهم والإدراك لحدة خاطره وفهمه ويقال مسك ذكي إذا كان طيب الرائحة يقوم منه الريح ، وإما مشتقة من الطهارة قال عليه الصلاة والسلام { دباغ الأديم ذكاة } أي طهارته وقال { ذكاة الأرض يبسها } أي طهارتها ، وكلا المعنيين موجود في الذكاة فإن فيها حدة من حيث إنها مسرعة إلى الموت وتطهر الحيوان عن الدماء المسفوحة والرطوبات السائلة النجسة

                                                                                        ، وأما ركنها فهو القطع ، والجرح ، وأما شرطها فأربعة : آلة قاطعة جارحة ، والثاني كون الذبح ممن له ملة حقيقة كالمسلم ، أو ادعاء كالكافر ، والثالث كون المحل من المحللات إما من كل وجه كمأكول اللحم أو من وجه كغيره وهو ما يباح الانتفاع بجلده وشعره ، والرابع التسمية عندنا لما سيأتي ، وأما حكمها فطهارة المذبوح وحل أكله إن كان من المأكولات وطهارة عينه للانتفاع إذا كان لا يؤكل كذا في المحيط ، وأما شرعا فهو قوله : والذبح إلى آخره ، وترجم بالذبائح والظاهر أنه أراد بالذبائح الذبح الذي هو الذكاة والمؤلف أبقاه على ظاهره فلذا قال : ( هي جمع ذبيحة وهي اسم لما يذبح ) يعني : الذبائح جمع ذبيحة والذبيحة اسم للشيء المذبوح ولا يخفى أن المناسب أن يترجم بالذبح لأنه فعل والمكلف إنما يبحث عن الأفعال أولا بالذات لا عن الأعيان إلا بطريق التبع وقوله : جمع ذبيحة الأولى تركه لأن الفقيه لا يبحث عن الإفراد والجمع وإنما يبحث عن الأحكام .

                                                                                        قال رحمه الله : ( والذبح قطع الأوداج ) لقوله عليه الصلاة والسلام { أفر الأوداج بما شئت } والمراد الحلقوم والمريء والودجان ، وإنما عبر عنه بالأوداج تغليبا وبه يحل [ ص: 191 ] المذبوح لقوله تعالى { إلا ما ذكيتم } ولأن المحرم هو الدم المسفوح وبالذبح يقع التمييز بينه وبين اللحم فيطهر به إن كان غير مأكول ويقال : ذكاء السن بالمد لنهاية الشباب ، وذكاة النار بالقصر لتمام اشتعالها ، وهي اختيارية واضطرارية فالأول الجرح ما بين اللبة واللحيين والثاني الجرح في أي موضع كان من البدن وهذا كالبدل عن الأول لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأول وإنما كان كذلك لأن الأول أبلغ في إخراج الدم من الثاني فلا يترك إلا بالعجز عنه ويكتفى بالثاني للضرورة لأن التكليف بحسب الوسع وذهب العراقيون من مشايخنا إلى أن الذبح محظور عقلا لما فيه من إيلام الحيوان ولكن الشرع أحله قال شمس الأئمة السرخسي في المبسوط : وهذا عندي باطل لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتناول اللحم قبل البعثة ولا يظن به أنه كان يأكل ذبائح المشركين لذبحهم بأسماء آلهتهم فعرفنا أنه كان يصطاد ويذبح بنفسه وما كان يفعل ما هو المحظور عقلا كالكذب والظلم والسفه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية