الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( كتاب إحياء الموات )

                                                                                        مناسبة هذا الكتاب بكتاب الكراهية يجوز أن يكون من حيث إن هذا الكتاب مشتمل على ما يكره وما لا يكره ويكفي فيها أدنى المناسبة والكلام هنا في وجوه : الأول في معناه لغة ، والثاني في معناه شرعا ، والثالث في شرطه ، والرابع في سببه ، والخامس في دليله ، والسادس في حكمه أما دليله فقوله : عليه الصلاة والسلام { من أحيا أرضا ميتة فهي له } ، وأما معناه لغة قال في الصحاح والموات بالفتح ما لا روح فيه والموات أيضا الأرض التي لا مالك لها من الآدميين وفي القاموس الموات كغراب وسحاب ما لا روح فيه والأرض لا مالك لها من الآدميين . ا هـ . وشرعا ما سيأتي في عبارة المؤلف .

                                                                                        وسبب المشروعية تعلق البناء المقرر على الوجه الأكمل ، وشرطه سيأتي في حكم تملك المحيي ما أحياه قال : رحمه الله ( وهي أرض تعذر زراعتها لانقطاع الماء عنها أو لغلبته عليها غير مملوكة بعيدة من العامر ) فقوله " هي أرض " بمنزلة الجنس يشمل ما تعذر وغيره ، وقوله " تعذر " أخرج غيره فلا يكون مواتا وقوله " لانقطاع الماء عنها أو لغلبته عليها " بيان لسبب التعذر وقوله " غير مملوكة " أخرج ما كان كذلك وهو مملوك فلا يكون مواتا وقوله " بعيدة عن العامر " أخرج القريبة فلا تكون مواتا قال الشارح وهذا تفسير لموات الأرض وإنما سميت مواتا إذا كانت بهذه الصفة لبطلان الانتفاع بها تشبيها بالميت قال الشارح : وأما تفسير الحياة فظاهر قال في العناية والإحياء شرعا أن يكرب الأرض ويسقيها فإن كربها ولم يسقها أو سقاها ولم يكربها فليس بإحياء وفي الكافي لو فعل أحدهما يكون إحياء وعن أبي يوسف الإحياء البناء والغراس أو الكرب أو السقي وعن محمد : الكرب الإحياء وفي الغياثية عن محمد الكرب ليس بإحياء إلا أن يبذرها وعن شمس الأئمة الإحياء أن يجعلها صالحة للزراعة وفي الخانية لو بنى في بعض أرض الموات أو زرع فيها كان ذلك إحياء لذلك البعض دون غيره إلا أن يكون ما عمر أكثر من النصف في قول أبي يوسف وقال محمد إذا كان الموات في وسط الإحياء يكون إحياء للكل ا هـ .

                                                                                        والإحياء لغة الإنبات سواء كان بفعل فاعل من شراء وغير ذلك لا يقال لماذا عرف المؤلف الموات دون الإحياء ، والمناسب أن يعرفهما معا ; لأنا نقول : أراد بيان الأكمل وإنما ترك تعريف الإحياء قال الشارح : لأنه ظاهر وقوله " غير مملوكة " يعني في دار الإسلام ; لأن الميت على الإطلاق ينصرف إلى الكامل وكماله بأن [ ص: 239 ] لا يكون مملوكا لأحد لأنها إذا كانت مملوكة لمسلم أو ذمي كان ملكه باقيا لعدم ما يزيله فلا يكون مواتا فإذا عرف المالك فهي له وإن لم يعرف كانت لقطة يتصرف فيها الإمام كما يتصرف في اللقطة ولو ظهر لها مالك بعد ذلك أخذها وضمن من زرعها إن نقصت بالزراعة وإلا فلا شيء عليه وقول القدوري فما كان منها عاديا مراده بالعادي ما قدم خرابه كأنه منسوب إلى عاد لخراب عهدهم وجعل المملوك في دار الإسلام إذا لم يعرف له مالك من الموات ; لأن حكمه كالموات ; لأنه لا يعرف له مالك بعينه وليس هو مواتا حقيقة على ما بينا وقوله " بعيدة عن العامر " هو قول أبي يوسف .

                                                                                        والبعيدة أن تكون بحيث لو وقف إنسان في أقصى العامر وصاح بأعلى صوته لم يسمع منه فهو موات وإن كان يسمع فليس بموات ; لأن أهل العامر يحتاجون إليه لرعي مواشيهم وطرح حصائدهم فلم يكن انتفاعهم به منقطعا وعند محمد يعتبر حقيقة الانتفاع حتى لا يجوز إحياء ما ينتفع به أهل القرية وإن كان بعيدا ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريبا وشمس الأئمة اعتمد قول أبي يوسف وفي التتارخانية إذا عرف أنها كانت مملوكة في الأول ولم يعرف مالكها الآن قال القاضي أبو علي السغدي عن أستاذه الحكم : إنه يجوز للإمام أن يدفعها إلى رجل ويأذن له في الإحياء فتصير لمن أحياها وفي نوادر هشام إذا كان بها آثار عمارة من بناء وبئر ولا يعرف مالكها الآن لا يسع لأحد أن يحييها أو يتملكها أو يأخذ منها ترابا وفي رسالة أبي يوسف لهارون الرشيد هي لمن أحياها وليس للإمام أن يخرجها من يده وعليه فيها الخراج ، وروى هشام عن محمد في الكفور الخربة والأماكن الخربة إذا رفع الرجل منها التراب ، وألقاه في أرضه قال إذا كان القصور والخراب تعرف أنه من بناء قبل الإسلام فهي بمنزلة الموات لا بأس بذلك وإن خربت بعد الإسلام وكان لها أرباب لكن لا يعرفون لا يسع لأحد أن يأخذ منها شيئا ; لأنها بمنزلة دورهم ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية