الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وفسد اقتداء رجل بامرأة أو صبي ) أما الأول فلما قدمناه من الحديث ونقل في المجتبى الإجماع عليه ، وأما إمامة الصبي [ ص: 381 ] فلأن صلاته نفل لعدم التكليف فلا يجوز بناء الفرض عليه لما سيأتي ، قيد بالرجل ; لأن اقتداء المرأة بالمرأة صحيح مكروه ، وكذا اقتداء الصبي بالصبي صحيح وقيد بالمرأة ; لأن الاقتداء بالرجل جائز سواء نوى الإمامة أو لا ، وبالخنثى فيه تفصيل ، فإن كان المقتدي رجلا فهو غير صحيح لجواز أن يكون امرأة ، وإن كان امرأة فهو صحيح إلا أنه يتقدم ولا يقوم وسط الصف حتى لا تفسد صلاته بالمحاذاة ، وإن كان خنثى لا يجوز لجواز أن يكون امرأة والمقتدي رجلا كذا ذكرالإسبيجابي ، وقيد بفساد الاقتداء ; لأن صلاة الإمام تامة على كل حال

                                                                                        وأطلق فساد الاقتداء بالصبي فشمل الفرض والنفل وهو المختار كما في الهداية وهو قول العامة كما في المحيط ، وهو ظاهر الرواية كما ذكره الإسبيجابي وغيره ; لأن نفل البالغ مضمون حتى يجب القضاء إذا أفسده ونفل الصبي ليس بمضمون حتى لا يجب القضاء عليه بالإفساد فيكون نفل الصبي دون نفل البالغ فلا يجوز أن يبني القوي على الضعيف ولا يرد عليه الاقتداء بالظان أي بمن ظن أن عليه فرضا ، ثم تبين خلافه فإن الاقتداء به صحيح نفلا مع أن نفل المقتدي مضمون عليه بالإفساد حتى يلزمه القضاء ونفل الإمام ليس بمضمون عليه حتى لا يلزمه القضاء ; لأنه مجتهد في وجوب قضائه على الظان فإن زفر يقول بوجوبه فاعتبر الظن العارض عدما في حق المقتدي بخلاف الصبي ، ومشايخ بلخ جوزوا اقتداء البالغ بالصبي في غير الفرض قياسا على المظنون ، وقد علمت جوابه ، وفي النهاية والاختلاف راجع إلى أن صلاة الصبي هل هي صلاة أم لا ؟ قيل ليست بصلاة وإنما يؤمر بها تخلقا ، ولهذا لو صلت المراهقة بغير قناع فإنه يجوز وقيل هي صلاة ، ولهذا لو قهقه المراهق في الصلاة يؤمر بالوضوء ا هـ .

                                                                                        فظاهره ترجيح أنها ليست بصلاة ، ولهذا كان المختار عدم جواز الاقتداء به في كل صلاة ، وفي السراج الوهاج لو اقتدى الرجل بالمرأة ، ثم أفسدها لا يلزمه القضاء ولا يكون تطوعا وظاهره مع ما في المختصر صحة الشروع وسيأتي اختلاف التصحيح فيه ، وفي نظائره وأشار المصنف إلى أنه لا يجوز الاقتداء بالمجنون بالأولى لكن شرط في الخلاصة أن يكون مطبقا أما إذا كان يجن ويفيق يصح الاقتداء به في حالة الإفاقة قال ولا يجوز الاقتداء بالسكران .

                                                                                        [ ص: 381 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 381 ] ( قوله وإن كان خنثى إلخ ) قال الرملي يعلم به فساد اقتداء الخنثى بالمرأة لاحتمال أنه رجل فيكون فيه اقتداء الرجل بالمرأة وهو لا يجوز ولم يذكر هذه لظهورها ( قوله مع أن نفل المقتدي مضمون عليه إلخ ) ذكر المسألة كذلك في السراج ، وقال فلو خرج الظان منها لم يجب عليه قضاؤها بالخروج عند أصحابنا الثلاثة ويجب على المقتدي القضاء ا هـ .

                                                                                        وظاهره أن وجوب القضاء على المقتدي بخروج إمامه منها أي بإفساده لها ويخالفه ما في الفصل العاشر من التتارخانية في صلاة التطوع نقلا عن العيون حيث قال روى ابن سماعة عن محمد بن الحسن قال رجل افتتح الظهر وهو يظن أنه لم يصلها فدخل رجل في صلاته يريد به التطوع ثم ذكر الإمام أنه ليس عليه الظهر فرفض صلاته فلا شيء عليه ولا على من اقتدى به ا هـ .

                                                                                        ( قوله فاعتبر الظن العارض عدما ) إنما كان عارضا ; لأنه عارض غير ممتد عرض بعد أن لم يكن كما في السراج ( قوله ومشايخ بلخ إلخ ) قال في الهداية وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ ولم يجوزه مشايخنا ومنهم من حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد رحمه الله والمختار أنه لا يجوز في الصلوات كلها ا هـ .

                                                                                        والمراد بالسنن المطلقة السنن الرواتب وصلاة العيد على إحدى الروايتين والوتر عندهما والكسوفان والاستسقاء عندهما ، وقوله ولم يجوزه مشايخنا يعني البخاريين ، وقوله ومنهم إلخ أي قالوا لا يجوز بلا خلاف بين أصحابنا في السنن ، وكذا في النفل عند أبي يوسف ويجوز فيه عند محمد والمختار قول أبي يوسف كذا في فتح القدير وبما تقرر تعلم ما في كلام النهر حيث قال ومنهم من حقق الخلاف في النفل المطلق فجعل الجواز قول محمد والمنع قول أبي يوسف أما التراويح فلا يجوز إجماعا ا هـ حيث اقتصر على التراويح .

                                                                                        ( قوله فظاهره ترجيح أنها ليست بصلاة ) قال في النهر والذي ينبغي اعتماده هو الثاني بدليل أن المراهقة لو حاذت رجلا في الصلاة تفسد صلاته وإن كان ما في الدراية ظاهرا في ترجيح الأول ( قوله وظاهره مع ما في المختصر صحة الشروع ) أي ظاهر ما ذكره في السراج حيث قال ثم أفسدها فإنه يقتضي صحة الشروع سابقة على الإفساد وإلا لم يكن وهو ظاهر كلام المتن أيضا حيث قصر الفساد على الاقتداء فإنه يقتضي صحة الشروع وإلا لم يوجد الاقتداء فلا يناسب القول بفساده ، وفي بعض النسخ عدم صحة الشروع بزيادة لفظة عدم وهو غير صحيح على أن المؤلف سيذكر فيما سيأتي في اختلاف التصحيح تحت قول المتن ومفترض بمتنفل أنه في السراج صحح أنه يصير شارعا .




                                                                                        الخدمات العلمية