الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( والخطأ وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا ، فإذا هو مسلم أو عرضا فأصاب آدميا وما جرى بمجراه كالنائم إذا انقلب على رجل فقتله الكفارة والدية على العاقلة ) قوله وهو أن يرمي شخصا إلى آخره تفسير لنفس الخطإ ، فإنه على نوعين خطأ في القصد وخطأ في الفعل ، وقد بين النوعين بقوله وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا ، فإذا هو مسلم تفسير للخطإ في القصد لا في الفعل حيث أصاب ما رمى وإنما أخطأ في القصد أي الظن حيث ظن المسلم حربيا ولا الآدمي صيدا . وقوله أو عرضا فأصاب آدميا هذا بيان للخطإ في الفعل دون القصد فيكون معذورا أقول : في عبارة الشارح والمصنف هنا تسامح ، فإنه قال في تفسير الخطإ في القصد وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا إلى آخره .

                                                                                        وقال في تفسير الخطإ في الفعل وهو أن يرمي عرضا فيصيب آدميا ولا يخفى أن كل واحد من نوعي الخطإ غير منحصر فيما ذكره في تفسيره بل الذي ذكره في تفسير كل واحد منهما جزء من جزئياته فكان أخص منه جدا فلم يصلح ; لأن يكون تفسيرا له فكان الظاهر أن يقال في كل واحد منهما وهو نحو أن يرمي إشارة إلى العموم كما تداركه صاحب الوقاية حيث قال : وفي الخطإ قصدا كرميه مسلما ظنه صيدا أو حربيا فعلا كرميه عرضا فأصاب آدميا ا هـ .

                                                                                        ثم إن صدر الشريعة قال في شرح الوقاية الخطأ ضربان خطأ في القصد وخطأ في الفعل فالخطأ الذي في الفعل أن يقصد فعلا فيصدر منه فعل آخر كما إذا رمى الغرض فأخطأ فأصاب غيره هذا هو الخطأ في الفعل وأما الخطأ في القصد هو أن لا يكون الخطأ في الفعل وإنما يكون الخطأ في قصده ، فإن قصد بهذا الفعل حربيا لكن أخطأ في ذلك القصد وهو الغرض حيث لم يكن قصده ا هـ .

                                                                                        ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال الخطأ في الفعل أن لا يصدر عنه الفعل الذي قصده بل فعل آخر ، وليس كذلك ، فإنه إذا رمى عرضا فأصابه ثم رجع عنه أو تجاوز عنه إلى ما وراءه فأصاب رجلا يتحقق الخطأ في الفعل والشرط المذكور هاهنا مفقود في الصورتين ، ثم إن أخطأ من وجه آخر حيث اعتبر القصد فيه وذلك غير لازم ، فإذا سقط من يده خشبة أو [ ص: 334 ] لبنة فقتل رجلا يتحقق الخطأ في الفعل ولا قصد فيه ا هـ .

                                                                                        وقول المؤلف عرضا هذا معطوف على قيد .

                                                                                        وظاهره أن الرمي معتبر في الخطإ في الفعل ، وليس كذلك ، فإنه لو سقط منه خشبة أو لبنة فقتل رجلا هذا خطأ في الفعل ولا رمي . وقوله كنائم انقلب على رجل تفسير لما جرى مجرى الخطإ ; لأن هذا ليس بخطإ حقيقة ولما وجد فعله حقيقة وجب عليه ما أتلفه كفعل الطفل فجعله كالخطإ ; لأنه معذور كالمخطئ وإنما كان حكم المخطئ ما ذكره لقوله تعالى { فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ، وقد قضى به عمر رضي الله تعالى عنه في ثلاث سنين بمحضر من الصحابة من غير نكير فصار إجماعا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية