الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وكره خروجه من مسجد أذن فيه حتى يصلي وإن صلى لا إلا في الظهر والعشاء إن شرع في الإقامة ) لحديث ابن ماجه { من أدرك الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجوع فهو منافق } وأخرج الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال { كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر قال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم } والموقوف في مثله كالمرفوع وهذا يدل على أن الكراهة تحريمية وهي المحمل عند إطلاقها كما قدمناه واستثنى المشايخ منها ما إذا كان ينتظم به أمر جماعة أخرى بأن كان مؤذنا أو إماما في مسجد تتفرق الجماعة بغيبته فإنه يخرج بعد النداء لأنه ترك صورة تكميل معنى والعبرة للمعنى زاد في النهاية أو يكون خرج ليصلي في مسجد حيه مع الجماعة فلا بأس به مطلقا من غير قيد بالإمام والمؤذن ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى ما فيه إذ خروجه مكروه تحريما والصلاة في مسجد حيه مندوبة فلا يرتكب المكروه لأجل المندوب ولا دليل يدل على تقييدها بما ذكره وأطلقه المصنف فشمل ما أذن فيه وهو داخله أو دخل بعد الأذان والظاهر أن مرادهم من الأذان فيه هو دخول الوقت وهو داخله سواء أذن فيه أو في غيره كما أن الظاهر من الخروج من غير صلاة عدم الصلاة مع الجماعة سواء خرج أو كان ماكثا في المسجد من غير صلاة كما نشاهده في زماننا من بعض الفسقة حتى لو كانت الجماعة يؤخرون لدخول الوقت المستحب كالصبح مثلا فخرج إنسان من المسجد بعد دخول الوقت ثم رجع وصلى مع الجماعة ينبغي أن لا يكون مكروها ولم أره كله منقولا وقوله وإن صلى لا أي وإن صلى الفرض وحده لا يكره خروجه قبل أن يصلي مع الجماعة لأنه قد أجاب داعي الله مرة فلا يجب عليه ثانيا

                                                                                        والظاهر أن مرادهم عدم كراهة الخروج لا عدمها مطلقا لأن من صلى وحده فقد ارتكب المكروه وهو ترك الجماعة لأنها على الصحيح إما سنة مؤكدة أو واجبة ولم أر من نبه عليه واستثنى المصنف الظهر والعشاء عند الشروع في الإقامة فإنه يكره لمن صلى وحده أن يخرج قبل الصلاة مع الجماعة لأنه يتهم بمخالفة الجماعة عيانا والنفل بعد هاتين الصلاتين ليس بمكروه وأما في الفجر والعصر فلا يكره له الخروج لكراهة التنفل بعدهما وأما في المغرب فلما فيه من التنفل بالثلاث أو مخالفة الإمام إن أتمها أربعا وكل منهما مكروه كما سبق ولم يذكر المصنف حكم المكث في المسجد بلا صلاة أما في موضع لا يكره التنفل فالكراهة ظاهرة وأما في موضع يكره التنفل فذكر في المحيط أنه في العصر والمغرب والفجر يخرج لكراهة التطوع بعدها فإن مكث وإن لم يدخل معهم يكره لأن مخالفة الجماعة وزر عظيم ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله كما أن الظاهر من الخروج إلخ ) حمل في النهر الخروج على حقيقته وجعل المكث مفهوما بالدلالة فقال وإذا كان الخروج إعراضا كان عدم الصلاة مع المكث حين الإقامة بالإعراض أولى ثم اعترض على المؤلف بأن ما ذكره مما لا حاجة إليه وأن هذا المجاز لا قرينة عليه ( قوله لأن من صلى وحده فقد ارتكب المكروه ) أي ومن ارتكب مكروها تحريما تجب عليه إعادة الصلاة أو مكروها تنزيها تستحب كما سنذكره في الباب الآتي والراجح في المذهب وجوب صلاة الجماعة ومقتضاه أنه تجب إعادة من صلاها منفردا بالجماعة أو تسن ليوافق القاعدة المذكورة لكن قول المصنف فيما مر ولو صلى ثلاثا يتم ويقتدي متطوعا ينافي ذلك فالأولى تأويل القاعدة بأن يراد بالواجب والسنة الذي تعاد الصلاة بتركه ما كان من أجزاء الصلاة وماهيتها والجماعة وصف لها خارج عنها فلا تعاد الصلاة لتركه فليتأمل ( قوله أما في موضع لا يكره التنفل ) المراد بالموضع الوقت لا المكان ( قوله لأن مخالفة الجماعة وزر عظيم ) قال في النهر هذا يقتضي أنها أشد كراهة من التنفل وعلى هذا [ ص: 79 ] فينبغي أن يجب خروجه في هذه الحالة ا هـ .

                                                                                        لكن في التتارخانية عن الشامل لو قيد الثانية بالسجدة أتمها وخرج لأنه لا تطوع بعد الفجر والمكث معهم بلا صلاة من سوء الأدب .




                                                                                        الخدمات العلمية