الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولم تقض الصلاتية خارجها ) أي خارج الصلاة ; لأن السجدة المتلوة في الصلاة أفضل من غيرها ; لأن قراءة القرآن في الصلاة أفضل منها في غيرها فلم يجز أداؤها خارج الصلاة ; لأن الكامل لا يتأدى بالناقص وهذا إذا لم تفسد الصلاة أما إن تلاها في الصلاة ، ولم يسجد ثم فسدت الصلاة فعليه السجدة خارجها ; لأنها لما فسدت بقي مجرد تلاوة فلم تكن صلاتية ، ولو أداها فيها ثم فسدت لا يعيد السجدة ; لأن بالمفسد لا يفسد جميع أجزاء الصلاة ، وإنما يفسد الجزء المقارن فيمتنع البناء عليه كذا في القنية ويستثنى من فسادها ما إذا فسدت بالحيض قال في الخلاصة : المرأة إذا قرأت آية السجدة في صلاتها فلم تسجد حتى حاضت تسقط عنها السجدة ، وفي فتح القدير ثم صواب النسبة فيه صلوية برد ألفه واوا وحذف التاء ، وإذا كانوا قد حذفوها في نسبة المذكر إلى المؤنث كنسبة الرجل إلى بصرة مثلا فقالوا بصري لا بصرتي كي لا يجتمع تاءان في نسبة المؤنث فيقولون بصرتية فكيف بنسبة المؤنث إلى المؤنث ، . ا هـ .

                                                                                        وفي العناية أنه خطأ مستعمل ، وهو عند الفقهاء خير من صواب نادر انتهى .

                                                                                        ثم مقتضى قواعدهم أنه إذا لم يسجد في الصلاة حتى فرغ فإنه يأثم ; لأنه لم يؤد الواجب ، ولم يمكن قضاؤها لما ذكرنا وهذا من الواجبات الذي إذا فات وقته تقرر الإثم على المكلف ، والمخرج له عنه التوبة كسائر الذنوب وإياك أن تفهم من قولهم بسقوطها عدم الإثم فإنه خطأ فاحش كما رأيت بعضهم يقع فيه ثم رأيت بعد ذلك التصريح به في البدائع قال وإذا لم يسجد لم يبق عليه إلا الإثم ومحل سقوطها ما إذا لم يركع لصلاته ، ولم يسجد لها صلبية أما إن ركع أو سجد صلبية فإنه ينوب عنها إذا كان على الفور ، ولم يذكره المصنف رحمه الله ، وحاصله على ما ذهب إليه الأصوليون أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة قياسا لما فيه من معنى الخضوع ، ولا ينوب استحسانا ; لأنه خلاف المأمور به وقدم القياس هنا على الاستحسان لقوة أثره الباطن وعكسه في المجتبى فقال : تلاها وركع للتلاوة مكان السجود يجزئه قياسا لا استحسانا والأصح أنه يجزئه استحسانا لا قياسا وبه قال علماؤنا ا هـ .

                                                                                        ووجه الأصح أن القياس لا يقتضي عدم جوازه ; لأنه الأمر الظاهر بالسجود ، والركوع خلاف السجود ولكن الحق الأول لتصريح محمد به فإنه قال في الكتاب ، فإن أراد [ ص: 133 ] أن يركع بالسجدة نفسها هل يجزئه ذلك قال أما في القياس فالركوع في ذلك ، والسجدة سواء ; لأن كل ذلك صلاة وأما في الاستحسان فينبغي له أن يسجد وبالقياس نأخذ ا هـ .

                                                                                        وحاصله على ما ذكره الفقهاء كما في البدائع ملخصا أن المتلوة خارج الصلاة تؤدى على نعت سجدات الصلاة المتلوة في الصلاة ، الأفضل أن يسجد لها ثم إذا سجد وقام يكره له أن يركع كما رفع رأسه سواء كان آية السجدة في وسط السورة أو عند ختمها ، وبقي بعدها إلى الختم قدر آيتين أو ثلاث فينبغي أن يقرأ ثم يركع فينظر إن كانت الآية في الوسط فإنه ينبغي أن يختمها ثم يركع ، وإن كانت عند الختم فينبغي أن يقرأ آيات من سورة أخرى ثم يركع ، وإن كان بقي إلى الختم قدر آيتين أو ثلاث كما في بني إسرائيل وإذا السماء انشقت ينبغي أن يقرأ بقية السورة ثم يركع ، فإن وصل إليها سورة أخرى فهو أفضل ، ولو لم يسجد ، وإنما ركع ذكر في الأصل أن القياس أنهما سواء والاستحسان أنه لا يجزئه وبالقياس نأخذ والتفاوت ما بينهما أن ما ظهر من المعاني فقياس ، وما خفي فاستحسان ولا ترجيح في الخفي لخفائه ولا للظاهر لظهوره فيرجع إلى طلب الرجحان إلى ما اقترن بهما من المعاني فمتى قوي الخفي أخذوا به ومتى قوي الظاهر أخذوا به وهاهنا قوي دليل القياس فأخذوا به لما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما أجازا أن يركع عن السجود في الصلاة ، ولم يرد عن غيرهما خلافه فكان كالإجماع ثم اختلفوا في محل القياس والاستحسان فذكر العامة أنه في إقامة الركوع مقام السجدة في الصلاة

                                                                                        وقال بعضهم إنه خارج الصلاة بأن تلاها في غير الصلاة فركع ، وليس هذا بسديد بل لا يجزئه ذلك قياسا واستحسانا ; لأن الركوع خارج الصلاة لم يجعل قربة فلا ينوب مناب القربة وعن محمد بن سلمة أن السجدة الصلبية هي التي تقوم مقام سجدة التلاوة لا الركوع ويرده ما صرح به محمد في الكتاب كما أسلفناه ، ولو لم يركع حتى طالت القراءة لم يجز ، وإن نواه عن السجدة ، وكذا السجدة الصلبية لا تنوب عنها إذا طالت القراءة ; لأنها صارت دينا لوجوبها مضيقا والدين يقضى بما له لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى به الدين وإذا لم تطل القراءة لا يحتاج الركوع أو السجدة الصلبية في إقامتها عن سجود التلاوة إلى النية فالفرض ينوب عن تحية المسجد ، وإن لم ينو ، ومن المشايخ من قال يحتاج إلى النية وذكر الإسبيجابي أنه لو لم توجد النية منه عند الركوع لا يجزئه ، ولو نوى في الركوع فيه قولان ، ولو نوى بعد رفع الرأس منه لا يجوز بالإجماع وأكثر المشايخ لم يقدروا لطول القراءة شيئا فكان الظاهر أنهم فوضوا ذلك إلى رأي المجتهد وبعضهم قالوا : إن قرأ آية أو آيتين لم تطل وإن قرأ ثلاثا طالت وصارت بمحل القضاء والظاهر أن الثلاث لا تعدم الفور ا هـ .

                                                                                        واختار قاضي خان أن الركوع خارج الصلاة ينوب عنها ، وفي المجتبى ، وإنما ينوب الركوع عنها بشرطين : أحدهما النية والثاني أن لا يتخلل بين التلاوة والركوع ثلاث آيات إلا إذا كانت الآيات الثلاث من آخر السورة كبني إسرائيل وإذا السماء انشقت ا هـ .

                                                                                        واختلف فيما إذا ركع على الفور للصلاة وسجد هل المجزئ عن سجدة التلاوة الركوع أو السجود فقيل الركوع ; لأنه أقرب ، وقيل السجود ; لأن الركوع بدون النية لا يجزئ ، وفي السجود اختلاف وفائدته تظهر فيما إذا تلا الفاتحة وعشرين آية مثلا ، آخرها آية [ ص: 134 ] السجدة وركع عقبها ثم رفع رأسه وقرأ عشر آيات مثلا ثم سجد ، ولم يكن نواها في الركوع يجب عليه سجدة التلاوة على حدة أما إذا سجد عقب الركوع فإنه خرج عن العهدة لا محالة في ظاهر الرواية نواها في الركوع أو لم ينو ا هـ .

                                                                                        وفي القنية ، ولو نواها في الركوع عقب التلاوة ، ولم ينوها المقتدي لا ينوب عنه ويسجد إذا سلم الإمام ويعيد القعدة ، ولو تركها تفسد صلاته ا هـ .

                                                                                        ثم قال السجود أولى من الركوع لها في صلاة الجهر دون المخافتة وقيد المصنف بكونها لا تقضى خارجها ; لأنه لو أخرها من ركعة إلى ركعة فإنها تقضى ما دام في الصلاة ; لأن الصلاة واحدة لكن لا يلزم جواز التأخير بل المراد الإجزاء لما في البدائع من أنها واجبة على الفور ، وأنه إذا أخرها حتى طالت القراءة تصير قضاء ويأثم ; لأن هذه السجدة صارت من أفعال الصلاة ملحقة بنفس التلاوة ; ولذا فعلت فيها مع أنها ليست من أصل الصلاة بل زائدة بخلاف غير الصلاتية فإنها واجبة على التراخي على ما هو المختار . ا هـ . .

                                                                                        [ ص: 132 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 132 ] ( قوله : ولو أداها فيها ثم فسدت لا يعيد السجدة ) قال في النهر لكن في الخانية لو تلاها في نافلة فأفسدها وجب قضاؤها دون السجدة وهذا بالقواعد أليق ; لأنها بالإفساد لم تخرج عن كونها صلاتية وبهذا التقرير استغنى عن قول البحر ويستثنى من فسادها ما إذا فسدت بالحيض إلا أن يحمل ما في الخانية على ما إذا كان بعد سجودها ا هـ .

                                                                                        أقول : كلام الخانية صريح في ذلك ونصه : مصلي التطوع إذا قرأ آية وسجد لها ثم فسدت صلاته وجب عليه قضاؤها ، ولا تلزمه إعادة تلك السجدة [ ص: 133 ] ( قوله لا يجوز بالإجماع ) أي بإجماع الذين شرطوا النية في نيابته عنها كذا في حاشية نوح أفندي ( قوله واختار قاضي خان إلخ ) قال في النهر فالمروي في الظاهر أنه يجوز كذا في البزازية ا هـ .

                                                                                        لكن في نسختي البزازية في غير الظاهر ، وكذا رأيته في نسخة أخرى من البزازية ثم إن ما في الخانية لا يدل على اختياره فإنه قال روي أنه يجوز ذلك ( قوله هل المجزي عن سجدة التلاوة الركوع أو السجود ) أقول : الظاهر أن المراد الركوع مع النية وإلا فالذي يظهر تعين أن المجزي هو السجود ، يدل هل ما قلناه أنه ذكر في التتارخانية عن المحيط هذا الترديد ثم ذكر عقبه أنه لا خلاف أن الركوع لا ينوب بدون النية وذكر الخلاف في السجود تأمل ، وعلى هذا فقول المؤلف ; لأن الركوع إلخ غير ظاهر تأمل

                                                                                        ( قوله وفي السجود اختلاف ) أي اختلاف في أجزائه بدون النية فقال محمد بن سلمة وجماعة من أئمة بلخ لا ينوب ما لم ينو وغيرهم قالوا النية ليست بشرط وأما الركوع فلا خلاف في أنه لا ينوب بدون النية هكذا ذكره الشيخ إسماعيل وغيره عن المحيط لكن قد مر عن البدائع التسوية بين الركوع والسجود في عدم الاحتياج إلى النية فهو مخالف لما هنا ، وفي الخلاصة أجمعوا أن سجدة التلاوة تتأدى بسجدة الصلاة ، وإن لم ينو التلاوة واختلفوا في الركوع ، وقد نقل في الفتح عن البدائع الإجماع على إجزاء الصلبية بدون نية فتوافق ما في الخلاصة والبدائع على مخالفة ما في المحيط في الفصلين لكن ذكر في الفتح عبارة البدائع بطولها ، وفي آخرها التصريح بوجوب النية في إيقاع الصلبية عن التلاوة فيما إذا لم تطل القراءة على ما هو أصل الصورة ثم قال فلم يصح ما تقدم من نقل الإجماع على عدم اشتراطها ا هـ .

                                                                                        [ ص: 134 ] ( قوله : وفي القنية ، ولو نواها في الركوع إلخ ) قال في النهر وينبغي حمله على الجهرية ا هـ .

                                                                                        قلت : لعل وجهه والله تعالى أعلم ما يأتي عن القنية أيضا أن الركوع أولى في صلاة المخافتة وعلله في التتارخانية بقوله لئلا يلتبس الأمر على القوم فإنه يفيد أنه لا يلزم القوم نيتها في الركوع ; لأنه لا علم لهم بتلاوته وإلا لم يحصل عليهم التباس بخلاف الجهرية قال بعض الفضلاء ، فإن قلت لم لا ينوب السجود الذي بعد هذا الركوع عن السجدة التلاوية في حق المقتدي قلت ; لأنه لما نوى الإمام الركوع تعين له فلا ينوب عن سجدة التلاوية في حق المقتدي ، وإن نواه ، فإن قلت من أين يعلم المقتدي أن إمامه نواه في الركوع قلت يمكن أن يخبره الإمام قبل أن يتكلم أو يخرج من المسجد فيأتي به .




                                                                                        الخدمات العلمية