الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو تلاها خارج الصلاة فسجد وأعادها فيها ) أي أعاد تلاوتها في الصلاة ( سجد أخرى ) ; لأن الصلاتية أقوى فلا تكون تبعا للأضعف ( قوله : وإن لم يسجد أولا كفته واحدة ) وهي صلاتية تنوب عنها وعن الخارجية ; لأن المجلس متحد والصلاتية أقوى فصارت الأولى تبعا لها فلو لم يسجد في الصلاة سقطتا ; لأن الخارجية أخذت حكم الصلاتية فسقطت تبعا لها أراد بالاكتفاء أن يكون بشرط اتحاد المجلس ، فإن تبدل مجلس التلاوة مع مجلس الصلاة فلكل سجدة ، وإنما أفردها بالذكر مع دخولها تحت قوله كمن كررها في مجلس لا في مجلسين لمخالفتها لها في أنه إذا سجد للخارجية لا تكفي عن الصلاتية بخلاف ما إذا لم تكن صلاتية وسجد للأولى ثم أعادها فإن السجدة السابقة تكفي .

                                                                                        والحاصل أنه يجب التداخل في هذه على وجه تكون الثانية مستتبعة للأولى إن لم يسجد للأولى ; لأن اتحاد المجلس يوجب التداخل ، وكون الثانية قوية منع من جعل الأولى مستتبعة إذ استتباع الضعيف للقوي عكس المعقول ونقض للأصول فوجب التداخل على الوجه المذكور وأشار إلى أنه لو تلاها المصلي بعدما سمعها من غيره مرة أو مرارا تكفيه سجدة واحدة وقيد بكون الأولى تلاها خارج الصلاة ; لأنه لو قرأها في الصلاة أولا ثم سلم فأعادها في مكانه ذكر في كتاب الصلاة أنه يلزمه أخرى ; لأن المتلوة في الصلاة لا وجود لها لا حقيقة ، ولا حكما والموجود هو الذي يستتبع دون المعدوم بخلاف ما إذا كانت الأولى خارجة وأنها باقية بعد التلاوة حكما وذكر في النوادر وأنه [ ص: 135 ] لا يلزمه

                                                                                        ووفق الزاهد السرخسي بينهما بحمل الأولى على ما إذا أعادها بعد الكلام وحمل الثاني على ما إذا كان قبله فلو لم يسجدها في الصلاة حتى سجدها الآن قال في الأصل أجزأه هاهنا ، وهو محمول على ما إذا أعادها بعد السلام قبل الكلام ; لأنه لم يخرج عن حرمة الصلاة فكأنه كررها في الصلاة وسجد إذ لا يستقيم هذا الجواب فيما إذا أعادها بعد الكلام ; لأن الصلاتية قد سقطت عنه بالكلام كذا في البدائع وصحح التوفيق في المحيط وهذا يفيد أن الصلاتية تقضى بعد السلام قبل أن يتكلم وإن لم يأت بمناف لحرمتها فينبغي أن يقيد قولهم الصلاتية لا تقضى خارجها بهذا وأن يراد بالخارج الخارج عن حرمتها ( قوله كمن كررها في مجلس لا في مجلسين ) فإنه يكفيه واحدة في الأول دون الثاني والأصل فيه ما روي أن { أن جبريل عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله كان يسمع ويتلقن ثم يقرأ على أصحابه وكان لا يسجد إلا مرة واحدة } ، وهو مروي عن عدة من الصحابة ولأن المجلس جامع المتفرقات ولأن في إيجاب السجدة لكل تلاوة حرجا خصوصا للمعلمين والمتعلمين ، وهو منفي بالنص قيد بسجدة التلاوة ; لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأن سمعه أو ذكره في مجلس واحد مرارا فيها اختلاف فبعضهم قاسها عليها وبعضهم منعه وأوجبها لكل مرة ; لأنه من حقوق العباد ، ولا تداخل فيها ، وهو جفاء له كما ورد في الحديث وقدمنا ترجيحه وأما تشميت من عطس في مجلس واحد مرارا فأوجبه بعضهم كل مرة والصحيح أنه إن زاد على الثلاث لا يشمته لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال للعاطس في مجلسه بعد الثلاث قم فانتثر فإنك مزكوم

                                                                                        وفي المجتبى ولا خلاف في وجوب تعظيم اسمه تعالى عند ذكره في كل مرة وأطلقه فشمل ما إذا تلا مرارا ثم سجدوا ما إذا تلا وسجد ثم تلا بعده مرارا في مجلس واحد ، وهو تداخل في السبب دون الحكم ومعناه أن يجعل التلاوة المتعددة كتلاوة واحدة تكون الواحدة منها سببا والباقي تبع لها وهو أليق بالعبادات إذ السبب متى تحقق لا يجوز ترك حكمه ; ولهذا يحكم بوجوبها في موضع الاحتياط حتى تبرأ ذمته بيقين والتداخل في الحكم أليق في العقوبات ; لأنها شرعت للزجر فهو ينزجر بواحدة فيحصل المقصود فلا حاجة إلى الثانية ، والفرق بينهما أن التداخل في السبب ينوب فيه الواحدة عما قبلها وعما بعدها ، وفي التداخل في الحكم لا تنوب إلا عما قبلها حتى لو زنى ثم زنى في المجلس يحد ثانيا بخلاف حد القذف إذا أقيم مرة ثم قذفه مرارا لم يحد ; لأن العار قد اندفع بالأول لظهور كذبه وقيد بكون الآية واحدة ; لأن من قرأ القرآن كله في مجلس واحد لزمه أربع عشرة سجدة ; لأن المجلس لا يجعل الكلمات المختلفة الجنس بمنزلة كلام واحد كمن أقر لإنسان بألف درهم ولآخر بمائة دينار ولعبده بالعتق لا يجعل المجلس الواحد الكل إقرارا واحدا ، وكذا الحرج منتف وأطلق في المجلس فشمل ما إذا طال فإنه لا يتبدل به حتى لو تلاها في الجامع في زاوية ثم تلاها في زاوية أخرى لا يجب عليه إلا سجدة واحدة وكذلك حكم السماع وكذلك البيت والمحمل والسفينة في حكم التلاوة والسماع سواء كانت السفينة واقفة أو جارية وكذلك لا يختلف بمجرد القيام ولا بخطوة وخطوتين وكلمة أو كلمتين ، ولا بلقمة أو لقمتين بخلاف ما إذا كان كثيرا وبخلاف ما إذا نام مضطجعا أو باع ونحوه فإنه يتبدل المجلس

                                                                                        وكذا لو أرضعت صبيا وكل عمل يعلم أنه قطع للمجلس بخلاف التسبيح ونحوه فإنه ليس بقاطع كالنوم قاعدا وفي الدوس وتسدية الثوب ورحا الطحن والانتقال من غصن إلى غصن والسبح في نهر أو حوض يتكرر على الأصح ، ولو كررها راكبا على الدابة وهي تسير يتكرر إلا إذا كان في الصلاة ; لأن الصلاة جامعة [ ص: 136 ] للأماكن إذ الحكم بصحة الصلاة دليل اتحاد المكان قالوا إذا كان معه غلام يمشي ، وهو في الصلاة راكبا وكررها تكرر الوجوب على الغلام دون الراكب وهذا إذا كان في ركعة واحدة وأما إذا كان كررها في ركعتين فالقياس أن تكفيه واحدة ، وهو قول أبي يوسف الأخير ، وفي الاستحسان أن يلزمه لكل تلاوة سجدة وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وهذه من المسائل الثلاث التي رجع فيها أبو يوسف عن الاستحسان إلى القياس إحداها هذه والثانية أن الرهن بمهر المثل لا يكون رهنا بالمتعة قياسا وهو قول أبي يوسف الأخير ، وفي الاستحسان أن يكون رهنا بها ، وهو قوله الأول وقول محمد والثالثة إذا جنى العبد جناية فيما دون النفس واختار المولى الفداء ثم مات المجني عليه القياس أن يخير المولى ثانيا ، وهو قوله الأخير ، وفي الاستحسان لا يخير ، وهو قوله الأول وقول محمد ، وعلى هذا الخلاف إذا صلى على الأرض وقرأ آية السجدة في ركعتين ، ولو سمعها المصلي الراكب من رجل ثم سارت الدابة ثم سمعها ثانيا عليه سجدتان هو الصحيح ; لأنها ليست بصلاتية ، ولو سارت الدابة ثم نزل فتلاها أخرى يلزمه أخرى كذا في المحيط ، وفي فتح القدير

                                                                                        واعلم أن تكرار الوجوب في التسدية بناء على المعتاد في بلادهم من أنها أن يغرس الحائك خشبات يسوي فيها السدى ذاهبا وآيبا أما على ما هي ببلاد الإسكندرية وغيرها بأن يدبرها على دائرة عظمى ، وهو جالس في مكان واحد فلا يتكرر الوجوب ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أن اختلاف المجلس حقيقي باختلاف المكان ، وحكمي باختلاف الفعل ، ولو تبدل مجلس السامع دون التالي تكرر الوجوب على السامع واختلفوا في عكسه والأصح أنه لا يتكرر على السامع ; لأن السبب في حقه السماع ، ولم يتبدل مجلسه فيه ، وعلى ما صححه المصنف في الكافي من أن السبب في حقه التلاوة والسماع شرط يتكرر الوجوب عليه ; لأن الحكم يضاف إلى السبب لا الشرط ، وإنما تكرر الوجوب عليه في المسألة الأولى مع اتحاد مجلس السبب ; لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكما لاتحاد مجلسه لا حقيقة فلم يظهر ذلك في حق السامع فاعتبرت حقيقة التعدد فتكرر الوجوب فعلى هذا يتكرر على السامع إما بتبدل مجلسه أو بتبدل مجلس التالي ، وفي القنيةتلا آية السجدة ويريد أن يكررها للتعليم في المجلس فالأولى أن يبادر فيسجد ثم يكرر ا هـ .

                                                                                        وقد يقال إن الأولى أن يكررها ثم يسجد آخرا لما أن بعضهم قال : إن التداخل في الحكم لا في السبب حتى لو سجد للأولى ثم أعادها لزمته أخرى كحد الشرب والزنا نقله في المجتبى فالاحتياط على هذا التأخير كما لا يخفى ، وفي القنية أيضا ، ولو صليا على الدابة فقرأ أحدهما آية السجدة في الصلاة مرة ، والآخر في صلاته مرتين وسمع كلاهما من صاحبه فعلى من تلاها مرتين سجدة واحدة [ ص: 137 ] خارج الصلاة ، وعلى صاحبه سجدتان . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال : بل الواجب على من تلاها مرتين سجدتان أيضا صلاتية بتلاوته وخارجية بتلاوة صاحبه ثم رأيته - بحمد الله تعالى - في فتاوى قاضي خان أن على كل منهما سجدتين صلاتية بتلاوته وخارجية بسماعه من صاحبه ، وأطال الكلام في بيانه فراجعه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله بشرط اتحاد المجلس ) ذكر في النهر عن البدائع عدم الاشتراط فقال اتحد المجلس أو اختلف وكذا قال في الدرر ، وإن اختلف قال الرملي ومثل ما في البحر في غاية البيان والنهاية والزيلعي وغيرها فظاهر ما في النهر نقلا عن البدائع والدرر مخالف لما في البحر وغيره والظاهر أن فيه اختلافا وينبغي ترجيح ما في البحر تأمل ا هـ .

                                                                                        قلت ذكر في النهر بعد ما نقلناه عنه وهذا على إطلاقه ظاهر الرواية ، وفي رواية النوادر لا تكفيه الواحدة ومنشأ الخلاف هل بالصلاة يتبدل المجلس أو لا ا هـ .

                                                                                        أي هل يتبدل حكما أم لا يتبدل أصلا كما بسطه في غاية البيان ثم قال وأفرد هذه المسألة بالذكر مع دخولها تحت قوله كمن كررها في مجلس إلى آخر ما ذكره أخوه هنا وحينئذ فما في النهر مشكل ; لأن تعميمه أولا ينافي ما ذكره منشأ للخلاف ، وما بعده ، وقد ذكر الخلاف الشارح الزيلعي ولكن بعد تعليله لكفاية الواحدة باتحاد المجلس كما علل المؤلف ، ولا غبار عليه ، وقد ذكر في الشرنبلالية ما يفيد الجواب حيث ذكر أن قول الدرر ، وإن اختلف المجلس بناء على تسليم الوجه لرواية النوادر ، وهو أن المجلس يتبدل بالصلاة حكما وإلا فعلى الظاهر فهو متحد حقيقة وحكما ويمكن حمل ما في النهر على هذا ، وعليه فلا مخالفة بينه وبين ما في البحر وغيره ، ولا خلاف تأمل .

                                                                                        ( قوله ثم سلم ) قال الرملي يعني ثم سلم ، ولم يسجد لها فيها فلو سجد لها فيها وأعادها في مكانه لا تلزمه أخرى كما يستفاد من إطلاق قولهم كمن كررها في مجلس ، وعلى قول البعض أن التداخل فيها في الحكم لا في السبب تلزمه أخرى ا هـ .

                                                                                        وفيه [ ص: 135 ] نظر بل الكلام فيما إذا سجد لها فيها كما يرشد إليه التعليل وعبارة الزيلعي و النهر صريحة في أنه سجد لها فيها ( قوله وهذا يفيد إلخ ) الإشارة إلى قوله فلو لم يسجدها في الصلاة إلخ وقوله : وإن لم يأت بمناف حق التعبير أن يقال : ولم يأت بحذف إن وقوله وأن يراد بالخارج من حرمتها الظاهر عطفه بأو بدل الواو أي إن قولهم : الصلاتية لا تقضى خارجها إما أن يقيد بهذه الصورة أي تخصيص منه هذه الصورة وإما أن يراد بخارجها خارج حرمتها ( قوله وكذلك البيت ) قال في النهر إلا إذا كان كبيرا كدار السلطان [ ص: 136 ]

                                                                                        ( قوله وأما إذا كررها في ركعتين ) قال في النهر واختلف في الصلاة قال الثاني هي واحدة وقال محمد الانتقال من ركعة إلى أخرى يوجب الاختلاف ; لأن القول بالتداخل يؤدي إلى إخلاء إحدى الركعتين عن القراءة فتفسد قلنا ليس من ضرورة الاتحاد بطلان العدد في حق حكم آخر كذا في الفتح ، وهو ظاهر في ترجيح قول الثاني إلا أنه في السراج جعل قول محمد استحسانا وقيده بما إذا صلى بغير الإيماء أما به فإن لمرض فلا وإن لكونه على الدابة اختلفوا على قوله قال بعضهم يتكرر وآخرون لا ، ثم قال في الفتح ما علل به لمحمد يفيد تقييد الصلاة بالنفل والوتر مطلقا ، وفي الفرض بالركعة الثانية أما بعد أداء فرض القراءة فينبغي أن تكفيه واحدة إذ المانع من التداخل منتف مع وجود المقتضي وهذا البحث منقول ففي السراج لو أعادها في الثالثة أو الرابعة اختلفوا فيه على قول محمد ( قوله فالقياس أن تكفيه واحدة ) قال في الخانية وبالقياس نأخذ ا هـ .

                                                                                        ( قوله فالحاصل أن اختلاف المجلس حقيقي إلخ ) ، وكذا اتحاده حقيقي كالبيت ونحوه وحكمي كما لو أكل لقمتين أو مشى خطوتين كما في النهر

                                                                                        ( قوله : وقد يقال إن الأولى إلخ ) قال الرملي المبادرة أولى في العبادة ، ولا يمنع منه قول البعض لضعفه بالنسبة إلى الظاهر تأمل ا هـ .

                                                                                        ومثله في شرح الشيخ إسماعيل وقال لا سيما إذا كان بعض الحاضرين محتمل الذهاب قبل التمام كما يتفق في الدروس فإنه ربما لا يأتي بها ، وقد يتوهم لعدم سجود المعلم عدم الوجوب والاحتياط العمل بأقوى الدليل فالأولى أن يبادر ( قوله فعلى من تلاها مرتين سجدة واحدة إلخ ) قال الرملي أي غير السجدة الصلاتية إذ لا كلام في وجوبها وقوله : وعلى صاحبه سجدتان أي خارج الصلاة كذلك فيكون عليه ثلاث سجدات وهذه رواية النوادر وكلام هذا الشارح يدل على أنه فهم من كلام القنية أنه لا يجب على الأول سجدة خارجية فقط ، وليس كذلك ا هـ .

                                                                                        قلت : وهذا الحمل يرشد إليه تعبير قاضي خان حيث فصل بين ما يجب في الصلاة ، وما يجب خارجها وقد اختار خلاف ما في القنية فإنه قال : وفي ظاهر الرواية لا تلزمه بقراءة صاحبه إلا سجدة واحدة ، وعليه الاعتماد ; لأنا إن نظرنا إلى مكان السامع [ ص: 137 ] كان واحدا ، وإن نظرنا إلى مكان التالي فمكانه جعل كمكان واحد في حقه فيجعل كذلك في حق السامع أيضا ; لأن السماع بناء على التلاوة ا هـ . وعبارة الظهيرية كالقنية .




                                                                                        الخدمات العلمية