الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة نصف شهر في بلد أو قرية ) متعلق بقوله قصر أي قصر إلى غاية دخول المصر أو نية الإقامة في موضع صالح للمدة المذكورة فلا [ ص: 142 ] يقصر ، أطلق في دخول مصره فشمل ما إذا نوى الإقامة به أو لا ، وشمل ما إذا كان في الصلاة كما إذا سبقه حدث ، وليس عنده ماء فدخله للماء إلا اللاحق إذا أحدث ودخل مصره ليتوضأ لا يلزمه الإتمام ، ولا يصير مقيما بدخوله المصر كذا في الفتاوى الظهيرية وشمل ما إذا كان سار ثلاثة أيام أو أقل لكن المذكور في الشرح أنه يتم إذا سار أقل بمجرد العزم على الرجوع ، وإن لم يدخل مصره ; لأنه نقض للسفر قبل الاستحكام إذ هو يحتمل النقض قال في فتح القدير وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان إذا كان بينه وبين بلده يومان ، وفي المجتبى لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة أو دخول الوطن أو الرجوع قبل الثلاثة ا هـ .

                                                                                        والمذكور في الخانية والظهيرية وغيرهما أنه إذا رجع لحاجة نسيها ثم تذكرها ، فإن كان له وطن أصلي يصير مقيما بمجرد العزم على الرجوع ، وإن لم يكن له وطن أصلي يقصر ا هـ .

                                                                                        والذي يظهر أنه لا بد من دخول المصر مطلقا ; لأن العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لا استكمال سفر ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك فقد تمت العلة لحكم السفر فيثبت حكمه ما لم تثبت علة حكم الإقامة وروى البخاري تعليقا أن عليا خرج فقصر ، وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له : هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد أنه صلى ركعتين والكوفة بمرأى منهم فقيل له إلى آخره وقيد بنية الإقامة ; لأنه لو دخل بلدا ، ولم ينو أنه يقيم فيها خمسة عشر يوما ، وإنما يقول غدا أخرج أو بعد غد أخرج حتى بقي على ذلك سنين قصر ، وفي المجتبى والنية إنما تؤثر بخمس شرائط أحدها ترك السير حتى لو نوى الإقامة ، وهو يسير لم يصح وثانيها صلاحية الموضع حتى لو أقام في بحر أو جزيرة لم تصح واتحاد الموضع والمدة والاستقلال بالرأي ا هـ .

                                                                                        وأطلق النية فشمل الحكمة كما لو وصل الحاج إلى الشام وعلم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم لا يقصر ; لأنه كناوي الإقامة كذا في المحيط وشمل ما إذا نواها في خلال الصلاة في الوقت فإنه يتم سواء كان في أولها أو وسطها أو في آخرها وسواء كان منفردا أو مقتديا أو مدركا أو مسبوقا أما اللاحق إذا أدرك أول الصلاة ، والإمام مسافر فأحدث أو نام فانتبه بعد فراغ الإمام ونوى الإقامة لم يتم ; لأن اللاحق في الحكم كأنه خلف الإمام فإذا فرغ الإمام فقد استحكم الفرض فلا يتغير في حق الإمام فكذا في حق اللاحق ، ولو نواها بعد ما صلى ركعة ثم خرج الوقت فإنه يتحول فرضه إلى الأربع ، ولو خرج الوقت ، وهو في الصلاة فنوى الإقامة فإنه لا يتحول فرضه إلى الأربع في حق تلك الصلاة كذا في الخلاصة وقيد بنصف شهر ; لأن نية إقامة ما دونها لا توجب الإتمام لما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قدراها بذلك والأثر في المقدرات كالخبر وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة مع أصحابه سبعة أيام ، وهو يقصر وقيد بالبلد والقربة ; لأن نية الإقامة لا تصح في غيرهما فلا تصح في مفازة ، ولا جزيرة ولا بحر ، ولا سفينة ، وفي الخانية والظهيرية والخلاصة ثم نية الإقامة لا تصح إلا في موضع الإقامة ممن يتمكن من الإقامة وموضع الإقامة العمران والبيوت المتخذة من الحجر والمدر والخشب لا الخيام والأخبية والوبر ا هـ .

                                                                                        وقيد الشارحون اشتراط صلاحية الموضع بأن يكون سار ثلاثة أيام فصاعدا أما إذا لم يسر ثلاثة أيام فلا يشترط أن تكون الإقامة في بلد أو قرية بل تصح ، ولو في المفازة وفيه من البحث ما قدمناه وقول المصنف حتى يدخل مصره أولى من قول صاحب المجمع إلى أن يدخل وطنه ; لأن الوطن مكان الإنسان ومحله كما في المغرب ، وليس الإتمام متوقفا على دخوله بل على دخول مصره ، وإن لم يدخل وطنه ويصير المصر مصرا للإنسان بكونه ولد فيه واختلفوا فيما إذا دخل المسافر مصرا و تزوج بها والظاهر أنه يصير مقيما لحديث عمر رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 143 ] { من تزوج في بلدة فهو منها } والمسافرة تصير مقيمة بنفس التزوج عندهم كذا في القنية .

                                                                                        [ ص: 142 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 142 ] ( قوله إذ هو يحتمل النقض ) أي ; لأنه لم يتم علة فكانت الإقامة نقضا للعارض لا ابتداء علة الإتمام ، ولو قيل العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لاستكمال سفر ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك فقد تمت العلة لحكم السفر فيثبت حكمه ما لم يثبت علة حكم الإقامة احتاج إلى الجواب كذا في الفتح وعن هذا الإشكال نشأ قول المؤلف الآتي والذي يظهر إلخ قال في النهر مجيبا : وأنت خبير بأن إبطال الدليل لمعنى لا يستلزم إبطال المدلول ( قوله وروى البخاري إلخ ) قال الرملي قال المرحوم شيخ شيخنا شيخ الإسلام علي المقدسي هذه حكاية حال طرقها الاحتمال ، وهو أنه جاوز المدة على الكمال ا هـ .

                                                                                        أقول : وقد يجاب عن أصل الإشكال بأن العلة المذكورة إنما هي علة ابتداء أما العلة بقاء فهي استكمال المدة ( قوله أما إذا لم يسر ثلاثة أيام فلا يشترط إلخ ) أقول : الظاهر أن هذا فيما إذا عزم على الرجوع ونقض السفر كما مر أما إذا أبقى على قصده الأول ، ولم ينقض سفره ونوى الإقامة في المفازة لا تصح نيته ، ولو [ ص: 143 ] قبل أن يسير ثلاثة أيام تأمل نعم سيأتي اختلاف الرواية في أن وطن الإقامة هل يشترط فيه تقدم السفر أم لا فراجعه .




                                                                                        الخدمات العلمية