الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولا في مسجد ) لحديث أبي داود مرفوعا { من صلى على ميت في المسجد فلا أجر له ، وفي رواية فلا شيء له } أطلقه فشمل ما إذا كان الميت والقوم في المسجد أو كان الميت خارج المسجد والقوم في المسجد أو كان الإمام مع بعض القوم خارج المسجد والقوم الباقون في المسجد أو الميت في المسجد و الإمام والقوم خارج المسجد وهو المختار خلافا لما أورده النسفي كذا في الخلاصة ، وهذا الإطلاق في الكراهة بناء على أن المسجد إنما بني للصلاة المكتوبة وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم وقيل لا يكره إذا كان الميت خارج المسجد ، وهو مبني على أن الكراهة لاحتمال تلويث المسجد والأول هو الأوفق لإطلاق الحديث كذا في فتح القدير فما في غاية البيان والعناية من أن الميت وبعض القوم إذا كانا خارج المسجد والباقون فيه لا كراهة اتفاقا ممنوع ، وقد يقال إن الحديث يحتمل ثلاثة أشياء : أن يكون الظرف ، وهو قوله في مسجد ظرفا للصلاة والميت وحينئذ فللكراهة شرطان كون الصلاة في المسجد ، وكون الميت فيه فإذا فقد أحدهما فلا كراهة ، الثاني أن يكون ظرفا للصلاة فقط فلا يكره إذا كان الميت في المسجد والقوم كلهم خارجه ، الثالث أن يكون ظرفا للميت فقط وحينئذ حيث كان خارجه فلا كراهة ، وما اختاروه كما نقلناه لم يوافق واحدا من الاحتمالات الثلاثة ; لأنهم قالوا بالكراهة إذا وجد أحدهما في المسجد : المصلي أو الميت ، كما قال في المجتبى وتكره سواء كان الميت والقوم في المسجد أو أحدهما ولعل وجهه أنه لما لم يكن دليل على واحد من الاحتمالات بعينه قالوا بالكراهة بوجود أحدهما أيا كان وظاهر كلام المصنف أن الكراهة تحريمية ; لأنه عطفه على ما لا يجوز من الصلاة راكبا ، وهي إحدى الروايتين مع أن فيه إيهاما ; لأن في المعطوف عليه لم تصح الصلاة أصلا ، وفي المعطوف هي صحيحة والأخرى أنها تنزيهية ورجحه في فتح القدير بأن الحديث ليس نهيا غير مصروف ، ولا قرن الفعل بوعيد بظني بل سلب الأجر ، وسلب الأجر لا يستلزم ثبوت استحقاق العقاب لجواز الإباحة ثم قرر تقريرا حاصله أنه لا خلاف بيننا وبين الشافعي على هذه الرواية ; لأنه يقول بالجواز في المسجد لكن الأفضل خارجه ، وهو معنى كراهة التنزيه وبه يحصل الجمع بين الأحاديث ا هـ .

                                                                                        لكن تترجح كراهة التحريم بالرواية الأخرى التي [ ص: 202 ] رواها الطيالسي كما في الفتاوى القاسمية من صلى على ميت في المسجد فلا صلاة له ، ولم يقيد المصنف كصاحب المجمع المسجد بالجماعة كما قيده في الهداية لعدم الحاجة إليه ; لأنهم يحترزون به عن المسجد المبني لصلاة الجنازة فإنها لا تكره فيه مع أن الصحيح أنه ليس بمسجد ; لأنه ما أعد للصلاة حقيقة ; لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة وحاجة الناس ماسة إلى أنه لم يكن مسجدا توسعة للأمر عليهم واختلفوا أيضا في مصلى العيدين أنه هل هو مسجد والصحيح أنه مسجد في حق جواز الاقتداء ، وإن لم تتصل الصفوف ; لأنه أعد للصلاة حقيقة لا في حرمة دخول الجنب والحائض كذا في المحيط وغيره ، واعلم أن ظاهر الحديث وكلامهم أنه لا أجر أصلا لمن صلى عليها في المسجد ، ولا يلزم منه عدم سقوط الفرض لعدم الملازمة بينهما ، ولم يذكر المصنف رحمه الله ما إذا اجتمعت الجنائز للصلاة قالوا الإمام بالخيار إن شاء صلى عليهم دفعة واحدة ، وإن شاء صلى على كل جنازة صلاة على حدة ، فإن أراد الثاني فالأفضل أن يقدم الأفضل فالأفضل ، فإن لم يفعل فلا بأس به ، وأما كيفية وضعها ، فإن كان الجنس متحدا ، فإن شاءوا جعلوها صفا واحدا كما يصطفون في حال حياتهم عند الصلاة ، وإن شاءوا وضعوا واحدا بعد واحد مما يلي القبلة ليقوم الإمام بحذاء الكل هذا جواب ظاهر الرواية ، وفي رواية الحسن أن الثاني أولى من الأول وإذا وضعوا واحدا بعد واحد ينبغي أن يكون الأفضل مما يلي الإمام ثم إن وضع رأس كل واحد بحذاء رأس صاحبه فحسن ، وإن وضع رأس كل واحد عند منكب الأول فحسن ، وإن اختلف الجنس وضع الرجل بين يدي الإمام ثم الصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية

                                                                                        والأفضل أن يجعل الحر مما يلي الإمام ويقدم على العبد ، ولو كان الحر صبيا كما في الظهيرية ، وإن كان عبدا وامرأة حرة فالعبد يوضع مما يلي الإمام والمرأة خلفه ، وفي فتح القدير ، ولو اجتمعوا في قبر واحد فوضعهم على عكس هذا فيقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة وفي الرجلين يقدم أكبرهما سنا وقرآنا وعلما كما فعله عليه السلام في قتلى أحد من المسلمين . ا هـ .

                                                                                        وفي البدائع ، ولو كان رجل وامرأة قدم الرجل مما يلي القبلة والمرأة خلفه اعتبارا بحال الحياة ، ولو اجتمع رجل وامرأة وصبي وخنثى وصبية دفن الرجل مما يلي القبلة ثم الصبي خلفه ثم الخنثى ثم الأنثى ثم الصبية ; لأنهم هكذا يصطفون خلف الإمام حالة الحياة وهكذا توضع جنائزهم عند الصلاة فكذا في القبر ا هـ . وهو سهو في قوله وهكذا توضع جنائزهم لما ذكرنا أنه على عكسه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ممنوع ) قال في النهر يمكن التوفيق بين كلامهم بأن نفي الكراهة اتفاقا في حق من كان خارجا وإثباتها فيمن كان داخلا وهذا لا معنى لإثباتها في حق الخارج بل لا ينبغي أن يكون فيه خلاف وهذا فقه حسن فتدبره . ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى ما فيه فإن المؤلف بنى المنع على التعليل الأول ، ولا شك أن من في المسجد وجدت فيه العلة ; لأنه شغله بما لم يبن له نعم يظهر التوفيق على التعليل الثاني فتدبر . ( قوله لكن ترجح كراهة التحريم إلخ ) قال الشيخ إسماعيل فيه نظر لجواز كونه ، مثل { لا صلاة لجار المسجد } ثم نقل عن مفتي الحنفية بمكة المشرفة قطب الدين في تاريخ مكة أنه أفتى بالجواز وعدم الكراهة كما هو رواية عن أبي يوسف ذكرها في المحيط لتظافر أهل الحرمين سلفا وخلفا على ذلك دليلا يؤدي إلى تأثيم السلف ، وقد رأيت رسالة للمنلا علي القاري مؤداها ذلك أيضا لكن رد الشيخ إسماعيل على قطب الدين بأنه لا يفتى بخلاف ظاهر المذهب على أنه جدير بالترجيح لما شاهدنا في عصرنا من نفساء ماتت فوضعت في باب الجامع الأموي فخرج منها دم ضمخ العتبة فالاحتياط عدم الإدخال ، ولعل أهل الحرمين على مذهب غيرنا . ا هـ .

                                                                                        وللعلامة قاسم رسالة خاصة نقل فيها الكراهة عن أئمتنا الثلاثة وحقق أنها تحريمية [ ص: 202 ] والله تعالى أعلم بحقيقة الحال - ( قوله : فإن كان الجنس متحدا إلخ ) قال الرملي هذا يوهم انحصار جواز الصف الواحد في متحد الجنس ، وما في التتارخانية يخالفه ، وفي شرح المنية للحلبي ، ولو اجتمعت الجنائز جاز أن يصلى عليهم صلاة واحدة ، ويجعلون واحدا خلف واحد ويجعل الرجال مما يلي الإمام ، ويستوي فيه الحر والعبد في ظاهر الرواية ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء ، وإن شاءوا جعلوهم صفا واحدا . ا هـ .

                                                                                        ففيه كما ترى جواز الشيئين تأمل ( قوله : وهو سهو إلخ ) أقول : هو قول لبعض العلماء فقد ذكر في البدائع ما نقله المؤلف عنه هنا في فصل الدفن وذكر قبله في فصل الصلاة أنه يوضع الرجال مما يلي الإمام والنساء خلف الرجال مما يلي القبلة ; لأنهم هكذا يصطفون خلف الإمام في حالة الحياة ثم إن الرجال يكونون أقرب إلى الإمام من النساء فكذا بعد الموت ومن العلماء من قال يوضع النساء مما يلي الإمام والرجال خلفهن ; لأن في الصلاة بالجماعة في حال الحياة صف النساء خلف صف الرجال إلى القبلة فكذا في وضع الجنائز ، ولو اجتمع جنازة رجل وصبي وخنثى وامرأة وصبية وضع الرجل مما يلي الإمام والصبي وراءه ثم الخنثى ثم المرأة ثم الصبية ; لأنهم هكذا يقومون في الصف خلف الإمام حال الحياة فيوضعون كذلك ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية