الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ، ومن استهل صلي عليه وإلا لا ) استهلال الصبي في اللغة أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته وقول من قال هو أن يقع حيا تدريس كذا في المغرب وضبطه في العناية بأنه بالبناء للفاعل ، وفي الشرع أن يكون منه ما يدل على حياته من رفع صوت أو حركة عضو ، ولو أن يطرف بعينه وذكر المصنف أن حكمه الصلاة عليه ويلزمه أن يغسل وأن يرث ويورث وأن يسمى ، وإن لم يبق بعده حيا لإكرامه ; لأنه من بني آدم ويجوز أن يكون له مال يحتاج أبوه إلى أن يذكر اسمه عند الدعوى به ، ولم يقيد المصنف بوجود الحياة فيه إلى أن يخرج أكثره ، ولا بد منه لما في المحيط قال أبو حنيفة إذا خرج بعض الولد وتحرك ثم مات ، فإن كان خرج أكثره صلي عليه ، وإن كان أقله لم يصل عليه ا هـ .

                                                                                        وفي آخر المبتغى بالمعجمة الولد إذا خرج رأسه ، وهو يصيح ثم مات قبل أن يخرج لم يرث ، ولم يصل عليه ما لم يخرج أكثر بدنه حيا ، فإن كان ذبحه رجل حال ما يخرج رأسه فعليه الغرة ، وإن [ ص: 203 ] قطع أذنه وخرج حيا ثم مات فعليه الدية ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى والبدائع اختلف في الاستهلال فعن أبي حنيفة لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ; لأن الصياح والحركة يطلع عليها الرجال وقالا يقبل قول النساء فيه إلا الأم فلا يقبل قولها في الميراث إجماعا ; لأنها متهمة بجرها المغنم إلى نفسها ، وإنما قبل قول النساء عندهما ; لأن هذا المشهد لا يشهده الرجال وقول القابلة مقبول في حق الصلاة في قولهم وأمه كالقابلة كما في البدائع لكن قيد بالعدالة فقال ; لأن خبر الواحد في الديانات مقبول إذا كان عدلا ا هـ .

                                                                                        ولما كانت الحركة دليل الحياة قالوا الحبلى إذا ماتت وفي بطنها ولد يضطرب يشق بطنها ويخرج الولد لا يسع إلا ذلك كذا في الظهيرية وأفاد بقوله وإلا لا أنه إذا لم يستهل لا يصلى عليه ويلزم منه أن لا يغسل ، ولا يرث ولا يورث ، ولا يسمى واتفقوا على ما عدا الغسل والتسمية واختلفوا فيهما فظاهر الرواية عدمهما وروى الطحاوي فعلهما ، وفي الهداية أنه المختار ; لأنه نفس من وجه ، وفي شرح المجمع للمصنف إذا وضع المولود سقطا تام الخلقة قال أبو يوسف يغسل إكراما لبني آدم وقالا يدرج في خرقة ولا يغسل والصحيح قول أبي يوسف وإذا لم يكن تام الخلق لا يغسل إجماعا ا هـ .

                                                                                        وبهذا ظهر ضعف ما في فتح القدير والخلاصة من أن السقط الذي لم تتم خلقة أعضائه المختار أنه يغسل ا هـ .

                                                                                        لما سمعت من الإجماع على عدم غسله ولعله سبق نظرهما إلى الذي تم خلقه أو سهو من الكاتب ثم اعلم أن قولهم هنا بأن من ولد ميتا لا يرث ولا يورث ليس على إطلاقه لما في آخر الفتاوى الظهيرية من المقطعات ومتى انفصل الحمل ميتا إنما لا يرث إذا انفصل بنفسه فأما إذا فصل فهو من جملة الورثة بيانه إذا ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا فهذا الجنين من جملة الورثة ; لأن الشارع أوجب على الضارب الغرة ووجوب الضمان بالجناية على الحي دون الميت وإذا حكمنا بحياته كان له الميراث ويورث عنه نصيبه كما يورث عنه بدل نفسه ، وهو الغرة ا هـ .

                                                                                        وهكذا في آخر المبسوط من ميراث الحمل ، وفي المبتغى السقط الذي لم تتم أعضاؤه هل يحشر قيل إذا نفخ فيه الروح يحشر وإلا فلا وقيل إذا استبان بعض خلقه يحشر ا هـ . وفي الظهيرية والذي يقتضيه مذهب علمائنا أنه إذا استبان بعض خلقه فإنه يحشر ، وهو قول الشعبي وابن سيرين ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله تدريس ) قال في النهاية أي هو تعليم من حيث التفرس في أن له حياة لا أن يشهد له اللغة [ ص: 203 ] ( قوله : وفي الهداية أنه المختار ) فيه غفلة عن عبارة الهداية فإنها غير متعرضة للتسمية وعدمها نعم في التبيين واختلفوا في غسله وتسميته فذكر الكرخي عن محمد أنه لم يغسل ، ولم يسم ، وذكر الطحاوي عن أبي يوسف أنه يغسل ويسمى . ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية والخلاصة والفيض والمجموع ، وفي تسميته كلام قاله الشيخ إسماعيل ( قوله ولعله سبق نظرهما إلخ ) قال في النهر ما في الخلاصة عزاه في الدراية إلى المبسوط والمحيط أفسبق نظر السرخسي وصاحب المحيط أيضا كلا ، وفي الظهيرية السقط الذي لم تتم أعضاؤه لا يصلى عليه باتفاق الروايات واختلفوا في غسله والمختار أنه يغسل ويدفن ملفوفا بخرقة وعزاه الشيخ إسماعيل إلى النهاية قال وجزم به في عمدة المفتي والفيض والمجموع والخانية والمبتغى ثم قال : وبهذا يظهر ضعف ما في المنبع من أنه لا يغسل إجماعا ، وفي شرح ابن الملك وغرر الأذكار اتفاقا ، وما في البحر غير واضح بل الظاهر تضعيف الإجماع والاتفاق . ا هـ .

                                                                                        لكن في الشرنبلالية يمكن التوفيق بأن من نفى غسله أراد الغسل المراعى فيه وجه السنة ، ومن أثبته أراد الغسل في الجملة كصب الماء عليه من غير وضوء وترتيب لفعله كغسله ابتداء بحرض وسدر .




                                                                                        الخدمات العلمية