الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأفاد بقوله ( أو لم يسب أحدهما معه ) أنه يصلى عليه إذا دخل دار الإسلام ، ولم يكن معه أحد أبويه تبعا لدار الإسلام ، وفي التبيين أي إذا لم يسب مع الصبي أحد أبويه فحينئذ يصلى عليه تبعا للسابي أو الدار ا هـ .

                                                                                        فجعل كلام المصنف شاملا لتبعية السابي ولتبعية الدار والظاهر أنه لم يتعرض لتبعية السابي فإن السبي في اللغة الأسر والسبي الأسرى المحمولون من بلد إلى بلد كما في ضياء الحلوم وفائدة تبعية السابي إنما تظهر في دار الحرب بأن وقع صبي في سهم رجل ومات الصبي في دار الحرب فإنه يصلى عليه تبعا للسابي وظاهر ما في ضياء الحلوم أنه لا بد من الحمل من دار الحرب إلى دار الإسلام حتى يسمى سبيا ، وفي فتح القدير واختلف بعد تبعية الولاد فالذي في الهداية تبعية الدار ، وفي المحيط عند عدم أحد الأبوين يكون تبعا لصاحب اليد وعند عدم صاحب اليد يكون تبعا للدار ولعله أولى فإن من وقع في سهمه صبي من الغنيمة في دار الحرب فمات يصلى عليه ويجعل مسلما تبعا لصاحب اليد ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر ; لأن تبعية اليد عند عدم الكون في دار الإسلام متفق عليه فلا يصلح مرجحا لما في المحيط من تقدم تبعية اليد على الدار

                                                                                        فالحاصل أن الاتفاق على التبعية بالجهات الثلاث ، وإنما محل الاختلاف في تقديم الدار على اليد فصاحب الهداية وقاضي خان وجمع على تقديم الدار على اليد ، وهو الأوجه لما نقله في كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام أنه لو سرق ذمي صبيا وأخرجه إلى دار الإسلام ومات الصبي فإنه يصلى عليه ويصير مسلما بتبعية الدار ، ولا يعتبر الأخذ حتى وجب تخليصه من يده ا هـ .

                                                                                        ولم يحك فيه خلافا ، وهي واردة على ما في المحيط فإن مقتضاه أن لا يصلى عليه تقديما لتبعية اليد على الدار إلا أن يكون على الخلاف وأطلق المصنف في الصبي ، ولم يقيده [ ص: 205 ] بغير العاقل وقيده المحقق ابن الهمام في تحريره بغير العاقل قال : وإن كان عاقلا استقل بإسلامه فلا يرتد بردة من أسلم منهما . ا هـ .

                                                                                        وهو ظاهر كلام الزيلعي فإنه علل تبعية اليد بأن الصغير الذي لا يعبر عن نفسه بمنزلة المتاع وعزاه إلى شرح الزيادات فظاهرهما أنه لو سبي صبي عاقل مع أحد أبويه الكافر فإنه لا يكون كافرا تبعا لأبيه الكافر ويكون مسلما تبعا للدار ويحتاج إلى صريح النقل وكلامهم يدل على خلافه فإنهم جعلوا الولد تابعا لأبويه إلى البلوغ ولا تزول التبعية إلى البلوغ نعم تزول التبعية إذا اعتقد دينا غير دين أبويه إذا عقل الأديان فحينئذ صار مستقلا ، وفي الظهيرية وإذا ارتد الزوجان والمرأة حامل فوضعت المرأة الولد ثم مات الولد لا يصلى عليه وحكم الصلاة عليه يخالف حكم الميراث ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن المراد بالتبعية التبعية في أحكام الدنيا لا في العقبى فلا يحكم بأن أطفالهم من أهل النار ألبتة بل فيه خلاف قيل يكونون خدم أهل الجنة وقيل إن كانوا قالوا : بلى يوم أخذ العهد عن اعتقاد ففي الجنة وإلا ففي النار ، وعن محمد أنه قال فيهم إني أعلم أن الله لا يعذب أحدا بغير ذنب وهذا ينفي التفصيل وتوقف فيهم أبو حنيفة كذا في فتح القدير ، وفي القنية صبي سبي مع أبيه ثم مات أبوه في دار الإسلام ثم مات الصبي لا يصلى عليه لتقرر التبعية بالموت ا هـ .

                                                                                        وحكم المجنون البالغ في هذه الأحكام كحكم الصبي العاقل فيكون فيه الأوجه الثلاثة في التبعية كما صرح به الأصوليون .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وظاهر ما في ضياء الحلوم أنه لا بد إلخ ) أي وحينئذ فلا يكون مما نحن فيه ; لأن الكلام في السبي ، وهو ما دام في دار الحرب لا يسمى سبيا فلا فائدة لذكر السابي قلت الذي يظهر أن ما في ضياء الحلوم ليس المراد منه ظاهره لمخالفته لما في الصحاح والقاموس ; لأنهما ذكرا أنه يقال سبى العدو سبيا وسباه أسره كاستباه فهو سبي وهي سبي أيضا ، والجمع سبايا فأفاد أن السبي يطلق على الأسر ، وعلى المأسور [ ص: 205 ] أي على المصدر واسم المفعول من غير مراعاة قيد الحمل من بلد إلى بلد نعم ذكر ذلك القيد في سبي الخمرة فيقال سبيت الخمرة سبيا وسباء إذا حملتها من بلد إلى بلد فهي سبية ( قوله وكلامهم يدل على خلافه ) قال المحقق ابن أمير حاج في شرح التحرير في فصل الحاكم بعد ذكر التبعية للأبوين ثم للدار ثم للسابي ما نصه الذي في شرح الجامع الصغير لفخر الإسلام ويستوي فيما قلنا أن يعقل أو لا يعقل إلى هذا أشار في هذا الكتاب ونص عليه في الجامع الكبير فلا جرم إن قال في شرحه أو أسلم أحد أبويه يجعل مسلما تبعا سواء كان الصغير عاقلا أو لم يكن ; لأن الابن يتبع خير الأبوين دينا . ا هـ .

                                                                                        أقول : ورأيته أيضا في شرح السير الكبير للإمام السرخسي في باب الوقت الذي يمكن فيه المستأمن من الرجوع إلى أهله وذلك حيث قال بعد كلام وبهذا تبين خطأ من يقول من أصحابنا إن الذي يعبر عن نفسه لا يصير مسلما تبعا لأبويه فقد نص هاهنا على أنه يصير مسلما يمنع من الرجوع إلى دار الحرب . ا هـ ونص أيضا في هذا الباب على أن التبعية تنتهي ببلوغه عاقلا .




                                                                                        الخدمات العلمية