الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله أو ارتث بأن أكل أو شرب أو نام أو تداوى أو مضى وقت الصلاة ، وهو يعقل أو نقل من المعركة أو أوصى ) بيان للشرط السادس ، وهو عدم الارتثاث ، وهو في اللغة من الرث ، وهو الشيء البالي وسمي به مرتثا ; لأنه قد صار خلقا في حكم الشهادة وقيل مأخوذ من الترثيث ، وهو الجريح وفي مجمل اللغة ارتث فلان أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وحاصله في الشرع أن ينال بعد مرافق الحياة فبطلت شهادته في حكم الدنيا فيغسل ، وهو شهيد في حكم الآخرة فينال الثواب الموعود للشهداء وذكر في البدائع أن المرتث في الشرع من خرج عن صفة القتلى وصار إلى حال الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل إليه شيء من منافعها ا هـ .

                                                                                        وهو أضبط مما تقدم أطلق في الأكل والشرب والنوم والتداوي فشمل القليل والكثير وأطلق في مضي الوقت فشمل ما إذا كان قادرا على الأداء أو لا لضعف بدنه لا لزوال عقله ، وقيده في التبيين بأن يقدر على أدائها حتى يجب القضاء بتركها ورده في فتح القدير بقوله الله أعلم بصحته وفيه إفادة أنه إذا لم يقدر على الأداء لا يجب القضاء ، فإن أراد إذا لم يقدر للضعف مع حضور العقل فكونه يسقط به القضاء قول طائفة والمختار هو ظاهر كلامه في باب صلاة المريض أنه لا يسقط ، وإن أراد لغيبة العقل فالمغمى عليه يقضي ما لم يزد على صلاة يوم وليلة فمتى يسقط [ ص: 214 ] القضاء مطلقا لعدم قدرة الأداء من الجريح ا هـ .

                                                                                        وقد يقال : إن مراده الأول وكون عدم القدرة للضعف لا يسقط القضاء على الصحيح هو فيما إذا قدر بعده أما إذا مات على حاله فلا إثم لعدم القدرة عليها بالإيماء وقيد بقوله ، وهو يعقل ; لأنه لو مضى الوقت ، وهو لا يعقل لا يغسل ، وإن زاد على يوم وليلة أو نفل من المعركة لعدم الانتفاع بحياته فلو أخر ، وهو يعقل وجعله قيدا في الكل لكان أولى كما أنه لا بد من استثناء من نقل من المعركة خوفا من أن تطأه الخيل فإنه لا يغسل ; لأنه ما نال شيئا من الراحة كما في الهداية وتعقبه في غاية البيان بأنا لا نسلم أن الحمل من المصرع ليس بنيل راحة ا هـ .

                                                                                        وصرح في البدائع بأن النقل من المعركة يزيده ضعفا ويوجب حدوث آلام لم تحدث لولا النقل والموت يحصل عقب ترادف الآلام فيكون النقل مشاركا للجراحة في إثارة الموت فلم يمت بسبب الجراحة يقينا فلذا لم يسقط الغسل بالشك ا هـ .

                                                                                        فالارتثاث فيه ليس للراحة بل لما ذكره ، وأطلق في النقل فشمل ما إذا وصل إلى بيته حيا أو مات على الأيدي كما في البدائع وأشار إلى أنه لو قام من مكانه إلى مكان آخر فإنه يكون مرتثا بالأولى كما في البدائع وإلى أنه لو باع أو ابتاع فهو مرتث وأطلق في الوصية فشملت ما كان بأمور الدنيا وبأمور الآخرة وفيه اختلاف معروف والأظهر أنه لا خلاف فجواب أبي يوسف بأنه يكون مرتثا فيما إذا كان بأمور الدنيا وجواب محمد بعدمه فيما إذا كان بأمور الآخرة ; لأن الوصية بأمور الدنيا من أمر الأحياء فقد أصابه مرافق الحياة فنقص معنى الشهادة فأما الوصية بأمور الآخرة من أمور الموتى وصنيع من أيس من نفسه فيوصي بما يكفن به ويخلص رقبته ويبرد جلدته من النار ويدخر لنفسه ذخيرة الآخرة كما في وصية سعد بن الربيع لما بلغه سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله على سلامته الآن طابت نفسي للموت أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأقرئ الأنصار مني السلام وقل لهم : لا عذر لكم عند الله إن قتل محمد وفيكم عين تطرف كذا في المحيط وشمل الوصية بكلام قليل أو كثير كما في غاية البيان واستثنى في الخانية الوصية بكلمتين

                                                                                        وقالوا إذا تكلم ، فإن كان طويلا كان مرتثا وإلا فلا ويمكن حمله على كلام ليس بوصية توفيقا بينهما لكن ذكر أبو بكر الرازي أنه لو أكثر من كلامه في الوصية فطال غسل ; لأن الوصية بشيء من أمر الميت فإذا طالت أشبهت أمور الدنيا كذا في غاية البيان ومن الارتثاث ما إذا أواه فسطاط أو خيمة كذا في الهداية يعني ، وهو في مكانه وإلا فهي مسألة النقل من المعركة ، وفي التبيين وهذا كله إذا وجد بعد انقضاء الحرب ، وأما قبل انقضائها فلا يكون مرتثا بشيء مما ذكرنا ا هـ . .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وفيه إفادة ) أي في كلام التبيين [ ص: 214 ] ( قوله وصرح في البدائع بأن النقل إلخ ) أجاب عنه العلامة المقدسي في شرحه بأن لقائل أن يقول تزايد الآلام وإن حدث فهو ناشئ من الجراحة فلا تنقص به الشهادة إنما تنقص بحصول الرفق والراحة .




                                                                                        الخدمات العلمية