الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      فيمن تكفل لرجل برجل ورهنه رهنا وذلك بغير أمر الذي عليه الدين قلت : أرأيت إن تكفلت لرجل بكفالة وأعطيته بذلك رهنا ، أيجوز ذلك أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم ذلك جائز عند مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كان رهن الكفيل قد ضاع عند المرتهن ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إذا كان قيمة الرهن والدين سواء ، وكان مما يغيب عليه المرتهن فقد استوفى المرتهن حقه ; لأن الضياع منه إذا كانت الصفة كما وصفت لك ، ويكون للكفيل أن يرجع على الذي عليه الحق بقيمة رهنه ; لأن قيمة الرهن والدين سواء .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كنت إنما تكفلت بهذا الحق ، بغير أمر الذي عليه الحق وأعطيته الرهن ، بغير أمره فضاع الرهن وهو مما يغيب عليه المرتهن ، وكان قيمة الرهن والدين سواء ، أيكون لي أن أرجع على الذي عليه الدين بالدين الذي عليه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هذا رأيي ، وهذا مخالف للمسألة التي فوقها في القضاء ; لأنه لا يرجع ههنا على الراهن ، ويرجع بها على المرتهن ; لأن رهنه قد تلف عنده .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كنت قد رهنته بغير أمر الذي عليه الدين أو بأمره ، والرهن أكثر قيمة من الدين ، فضاع الرهن وهو مما يغيب عليه المرتهن ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إذا ضاع عند المرتهن ، وكنت قد رهنته بأمر الذي عليه الدين ، فلك أن ترجع بقيمة رهنك كله على الذي عليه الدين ، وإن شئت اتبعت المرتهن [ ص: 136 ] بفضل قيمة رهنك على الدين ، ورجعت على الذي كان عليه الدين بالدين ويكون الخيار في ذلك إليك ، تتبع بفضل قيمة رهنك على الدين أيهما شئت منهما . وأما مبلغ الدين من رهنك فإنما ترجع به على الذي أمرك بذلك ، وتبطل حق المرتهن . فإن أنت رجعت بفضل قيمة رهنك على الذي أمرك ، رجع آمرك بذلك على المرتهن فأخذه منه ; لأن المرتهن كان ضامنا لجميع الرهن حين قبضه ، ولم يكن في دينه وفاء بجميع قيمة الرهن . فلما هلك الرهن عنده ، قص له من الرهن مقدار دينه وغرم البقية ، وإن كان رهنه بغير أمر الذي عليه الدين ، وقيمته أكثر من الدين فضاع الرهن عند المرتهن فإن الذي رهن بغير أمر الذي عليه الدين ، يرجع بالدين على الذي عليه الدين ، ويرجع بفضل قيمة رهنه على المرتهن الذي له الدين ، وليس له أن يرجع بالفضل من قيمة رهنه على الذي عليه الدين ; لأنه لم يأمره بذلك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية