الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 437 ] 99 - باب

                                الجهر في المغرب

                                731 765 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور .

                                التالي السابق


                                وخرجه في ( المغازي ) من طريق معمر ، عن الزهري ، وزاد فيه : وذلك أول ما دخل الإيمان في قلبي .

                                وهذا كان قبل أن يسلم جبير بن مطعم ، وكان قدم المدينة لفداء أسارى بدر .

                                وخرج الإمام أحمد من طريق سعد بن إبراهيم ، سمعت بعض إخوتي يحدث ، عن أبي ، عن جبير بن مطعم ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في فداء المشركين - وفي رواية : في فداء أهل بدر - ، وما أسلم يومئذ ، قال : فانتهيت إليه وهو يصلي المغرب ، وهو يقرأ فيها بالطور ، قال : فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن .

                                وفي هذا دليل على قبول رواية المسلم لما تحمله من العلم قبل إسلامه .

                                وقد روي أنه سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد .

                                وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقراءة في صلاة الليل .

                                والأحاديث المذكورة في الباب الماضي تدل على الجهر بالقراءة في المغرب ؛ فإن عامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم القراءة في المغرب بسورة ذكر أنه سمعه [ ص: 438 ] يقرأ بها ، وفي ذلك دليل على الجهر .

                                والجهر بالقراءة في المغرب إجماع المسلمين رأيا وعملا به ، لم يزل المسلمون يتداولونه بينهم ، من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى الآن .

                                وأدنى الجهر أن يسمع من يليه ، هذا قول أصحابنا والشافعية وغيرهم .

                                وقد سبق عن ابن مسعود ، قال : من أسمع أذنيه فلم يخافت ، وهو يدل على أدنى الجهر أن يسمع نفسه .

                                روى وكيع ، عن سفيان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن هلال ، عن ابن مسعود ، قال : لم يخافت من أسمع أذنيه .

                                ومنتهى الجهر أن يسمع من خلفه إن أمكن ذلك من غير مشقة ، وقد كان عمر بن الخطاب يسمع قراءته في المسجد من خارجه .

                                وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله لنبيه : ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون قراءتك ولا تخافت بها عن أصحابك ، أسمعهم القرآن ، ولا تجهر ذلك الجهر وابتغ بين ذلك سبيلا يقول : بين الجهر والمخافتة .

                                خرجاه في ( الصحيحين ) ولفظه لمسلم .

                                والجهر فيما يجهر فيه سنة ، لا تبطل الصلاة بتركه عند جمهور العلماء .

                                [ ص: 439 ] وحكي عن ابن أبي ليلى أنه تبطل الصلاة بتركه ، وهو وجه ضعيف لأصحابنا إذا تعمد ذلك .

                                وإنما يجهر الإمام إذا صلى من يأتم به ، فأما المنفرد ، فاختلفوا : هل يسن له الجهر ، أم لا ؟

                                فقال الشافعي وأصحابه : يسن له الجهر ، وحكاه بعضهم عن الجمهور .

                                ومذهب أبي حنيفة وأحمد : إنما يسن الجهر لإسماع من خلفه ؛ ولهذا أمر من خلفه بالإنصات له ، كما قال تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وقد سبق أنها نزلت في الصلاة ، وأما المنفرد فيجوز له الجهر ولا يسن .

                                قال أحمد : إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر ؛ إنما الجهر للجماعة . 1

                                وكذا قال طاوس : إن شاء جهر ، وإن شاء لم يجهر .

                                ومن أصحابنا من كرهه للمنفرد .

                                ونص أحمد على أن المنفرد إذا صلى صلاة الكسوف جهر فيها بالقراءة ، فخرج القاضي أبو يعلى من ذلك رواية باستحباب الجهر للمنفرد في الفرائض .

                                وبينهما فرق ؛ فإن صلاة الكسوف تطول فيها القراءة ، فيحتاج المنفرد إلى الجهر فيها ؛ كقيام الليل ، بخلاف الفرائض .



                                الخدمات العلمية