الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                757 790 - حدثنا أبو الوليد، نا شعبة، عن أبي يعفور، قال: سمعت مصعب بن سعد يقول: صليت إلى جنب أبي، فطبقت بين كفي، ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي، وقال: كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب.

                                التالي السابق


                                أبو يعفور ، هو: العبدي الكوفي، اسمه: وقدان . وقيل: واقد ، وهو أبو يعفور الأكبر .

                                وهذا الحديث قد ذكر ابن المديني وغيره أنه غير مرفوع، ومرادهم: أنه ليس فيه تصريح بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- لكنه في حكم المرفوع، فإن الصحابي إذا قال: " أمرنا - أو نهينا - بشيء "، وذكره في معرض الاحتجاج به قوى الظن برفعه؛ لأنه غالبا إنما يحتج بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهيه.

                                وقد ورد التصريح برفعه من وجه فيه ضعف، من رواية عكرمة بن إبراهيم الأزدي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مصعب بن سعد ، قال: قلت لأبي: رأيت أصحاب ابن مسعود يطبقون أيديهم، ويضعونها بين ركبهم إذا ركعوا، فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل الشيء زمانا، ثم يدعه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركع - أو قال -: أشهد أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ركع يضع راحتيه على ركبتيه، ويفرج بين أصابعه .

                                [ ص: 46 ] خرجه يعقوب بن شيبة في " مسنده ".

                                وقال: عكرمة بن إبراهيم ، منكر الحديث.

                                وذكر يحيى بن معين ، أنه قال: ليس فيه شيء.

                                وروى عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، قال: قال عبد الله : علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبق يديه بين ركبتيه. قال: فبلغ ذلك سعدا ، فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا.

                                يعني: الإمساك على الركبتين
                                .

                                خرجه أبو داود والنسائي والدارقطني .

                                وقال: إسناد صحيح ثابت.

                                وهذه الرواية - أيضا - تدل على رفع الأمر بالإمساك بالركبتين، لأن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتطبيق لا يترك بأمر غيره بما يخالفه.

                                وروى أبو عبد الرحمن السلمي قال: قال لنا عمر : إن الركب سنت لكم، فخذوا بالركب .

                                خرجه الترمذي .

                                وقال: حديث حسن صحيح.

                                [ ص: 47 ] وخرجه النسائي ، ولفظه: قال: قال عمر : إنما السنة الأخذ بالركب . وفي رواية عن أبي عبد الرحمن ، عن عمر ، قال: سنت لكم الركب، فأمسكوا بالركب .

                                وسماع أبي عبد الرحمن من عمر ، قد أنكره شعبة ويحيى بن معين .

                                وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجوه متعددة وضع اليدين على الركبتين في الركوع من فعله وأمره، وليس شيء منها على شرط البخاري .

                                وهذا هو السنة عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأجمع عليه أئمة الأمصار.

                                وكان ابن مسعود يطبق في ركوعه، فيجعل أحد كفيه على الآخر، ويجعلها بين ركبتيه، وقد رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان يأمر أصحابه بذلك.

                                وقد خرج حديثه مسلم في " صحيحه ".

                                وبه أخذ أصحابه، منهم: علقمة والأسود وأبو عبيدة بن عبد الله.

                                وكان النخعي يذهب إليه ثم رجع إلى ما روي عن عمر -: ذكره الإمام أحمد وغيره.

                                وذكر أكثر العلماء: أن التطبيق كان شرع أولا، ثم نسخ حكمه، واستدلوا بحديث سعد وما في معناه.

                                وروى حصين ، عن عمرو بن مرة ، عن خيثمة ، عن أبي سبرة الجعفي ، قال: قدمت المدينة، فجعلت أطبق كما يطبق أصحاب عبد الله وأركع، فقال رجل: ما حملك على هذا؟ قلت: كان عبد الله يفعله، وذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله. قال: صدق عبد الله ، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ربما صنع الأمر [ ص: 48 ] ثم أحدث الله له الأمر الآخر، فانظر ما أجمع عليه المسلمون فاصنعه. فلما قام كان لا يطبق.

                                وذكره الأثرم - تعليقا - بمعناه، وعنده فقال لي رجل من المهاجرين - فذكره.

                                وأكثر العلماء على أن وضع اليدين على الركبتين في الركوع من سنن الصلاة ، ولا تبطل الصلاة بتركه ولا بالتطبيق.

                                وروى عاصم بن ضمرة ، عن علي ، أن الراكع مخير بين أن يضع يديه على ركبتيه أو يطبق.

                                وذهب طائفة من أهل الحديث إلى المنع من التطبيق، وإبطال الصلاة به؛ للنهي عنه كما دل عليه حديث سعد ، منهم: أبو خيثمة زهير بن حرب وأبو إسحاق الجوزجاني .

                                وقال أبو بكر بن أبي شيبة - فيمن طبق ولم يضع يديه على ركبتيه -: أحب إلي أن يعيد.

                                ونقل إسحاق بن منصور ، عن أحمد ، أنه سئل عن قول سفيان : من صلى بالتطبيق يجزئه؟ فقال أحمد : أرجو أن يجزئه. فقال إسحاق بن راهويه كما قال، إذا كان به علة.

                                وحمل أبو حفص البرمكي - من أصحابنا - قول أحمد على ما إذا كان به علة، فإن لم يكن به علة فلا تجزئه صلاته، إلا أن لا يعلم بالنهي عنه.

                                وتوقف أحمد في إعادة الصلاة مع التطبيق في رواية أخرى.

                                فعلى قول هؤلاء: يكون وضع اليدين على الركبتين في الركوع من واجبات الصلاة.

                                [ ص: 49 ] وقد روي عن طائفة من السلف ما يدل على ذلك، فإنه روي عن جماعة، أنهم قالوا: إذا وضع يديه على ركبتيه أجزأه في الركوع.

                                وممن روي ذلك عنه: سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن سيرين ومجاهد وعطاء ، وقال: هو أدنى ما يجزئ في الركوع.



                                الخدمات العلمية