الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                814 [ ص: 275 ] 159 - باب

                                الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

                                وكان أنس ينفتل عن يمينه وعن يساره، ويعيب على من يتوخى - أو يعمد - الانفتال عن يمينه.

                                التالي السابق


                                الانفتال : هو الانحراف عن جهة القبلة إلى الجهة التي يجلس إليها الإمام بعد انحرافه، كما سبق ذكره.

                                وحكمه: حكم الانصراف بالقيام من محل الصلاة.

                                وقد نص عليه إسحاق وغيره.

                                وقد ذكر البخاري ، عن أنس ، أنه كان ينفتل عن يمينه ويساره، ويعيب على من يتوخى الانفتال عن يمينه - يعني: يتحراه ويقصده.

                                وفي " مسند الإمام أحمد " من رواية أبي الأوبر الحارثي ، عن أبي هريرة ، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينفتل عن يمينه وشماله.

                                وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة.

                                وفي رواية للإمام أحمد : " ينصرف " بدل: " ينفتل ".

                                وخرج مسلم في هذا الباب حديث البراء بن عازب ، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه.

                                [ ص: 276 ] وخرجه من رواية أخرى ليس فيها: " ثم يقبل علينا بوجهه ".

                                ولكن روي تفسير هذه اللفظة بالبداءة بالتفاته إلى جهة اليمين بالسلام.

                                خرجه الإسماعيلي في " حديث مسعر من جمعه "، ولفظه: كان يعجبنا أن نصلي مما يلي يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان يبدأ بالسلام عن يمينه.

                                وفي رواية أخرى له: أنه كان يبدأ بمن على يمينه، فيسلم عليه.

                                قال أبو داود : كان أبو عبد الله - يعني: أحمد - ينحرف عن يمينه.

                                وقال ابن منصور : كان أحمد يقعد ناحية اليسرى، ويتساند.

                                قال القاضي أبو يعلى : وهما متفقان؛ لأنه إذا انحرف عن يمينه حصل جلوسه ناحية يساره.

                                قال: وقال ابن أبي حاتم : سمعت.. يقول: تدبرت الأحاديث التي رويت في استقبال النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس بوجهه، فوجدت انحرافه عن يمينه أثبت.

                                وقال ابن بطة من أصحابنا: يجلس عن يسرة القبلة.

                                ونقل حرب ، عن إسحاق ، أنه كان يخير في ذلك كالانصراف.

                                وللشافعية وجهان: أحدهما: التخيير كقول إسحاق . والثاني: أن الانفتال عن يمينه أفضل.

                                ثم لهم في كيفيته وجهان:

                                أحدهما - وحكوه عن أبي حنيفة -: أنه يدخل يمينه في المحراب ويساره إلى الناس، ويجلس على يمين المحراب.

                                والثاني - وهو أصح عند البغوي وغيره -: بالعكس.

                                [ ص: 277 ] واستدلوا له بحديث البراء بن عازب الذي خرجه مسلم .

                                وأما الانصراف: فهو قيام المصلي وذهابه من موضع صلاته إلى حاجته، فيذهب حيث كانت حاجته، سواء كانت من جهة اليمين أو اليسار، ولا يستحب له أن يقصد جهة اليمين مع حاجته إلى غيرها، هذا قول جمهور العلماء، وروي عن علي وابن مسعود وابن عمر والنخعي وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق .

                                وإنما كان أكثر انصراف النبي -صلى الله عليه وسلم- عن يساره؛ لأن بيوته كانت من جهة اليسار.

                                وقد خرجه الإمام أحمد مصرحا بذلك من رواية ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه، أن ابن مسعود حدثه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عامة ما ينصرف من الصلاة على يساره إلى الحجرات.

                                فإن لم يكن له حاجة في جهة من الجهات، فقال الشافعي وكثير من أصحابنا: انصرافه إلى اليمين أفضل، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه التيمن في شأنه كله.

                                وحمل بعضهم على ذلك حديث السدي ، قال: سألت أنسا : كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ فقال: أما أنا فأكثر ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ينصرف عن يمينه .

                                خرجه مسلم .

                                والسدي، هو: إسماعيل بن عبد الرحمن ، وقد تكلم فيه غير واحد، [ ص: 278 ] ووثقه أحمد وغيره. وعن يحيى فيه روايتان.

                                ولم يخرج له البخاري ، وأظنه ذكر هاهنا الأثر الذي علقه عن أنس ليعلل به هذا الذي رواه عنه السدي . والله أعلم.

                                وحكى ابن عبد البر ، عن الحسن وطائفة من العلماء: أن الانصراف عن اليمين أفضل.

                                وقد حكاه ابن عمر عن فلان، وأنكره عليه، ولعله يريد به ابن عباس - رضي الله عنهما.

                                وسئل عطاء : أيهما يستحب؟ قال: سواء، ولم يفرق بين أن يكون له حاجة، أو لا.

                                وخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث عائشة ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينصرف عن يمينه وشماله .

                                وهو من رواية بقية ، عن الزبيدي ، أن مكحولا حدثه، إن مسروق بن الأجدع حدثه، عن عائشة .

                                وهذا إسناد جيد.

                                لكن رواه عبد الله بن سالم الحمصي - وهو ثقة ثبت - عن الزبيدي ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول بهذا الإسناد.

                                قال الدارقطني : وقوله أشبه بالصواب.

                                وسليمان بن موسى ، مختلف في أمره.

                                وروى قبيصة بن الهلب ، عن أبيه، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤمنا، [ ص: 279 ] فينصرف على جانبيه جميعا، عن يمينه وشماله .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي .

                                وقال: حديث حسن، وعليه العمل عند أهل العلم.

                                قال: وصح الأمران، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.



                                الخدمات العلمية