الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 25 ] 3 - باب

                                يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف

                                902 944 - حدثنا حيوة بن شريح: نا محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم- وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية، فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضا .

                                التالي السابق


                                وخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ، عن محمد بن حرب بهذا الإسناد، وزاد فيه ألفاظا بعد قوله: " ثم قام إلى الركعة فتأخر الذين سجدوا معه وحرسوا إخوانهم ".

                                ورواه النعمان بن راشد ، عن الزهري بهذا الإسناد، وزاد فيه زيادات كثيرة، ولفظه: " قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقمنا خلفه صفين، فكبر وركع وركعنا جميعا، الصفان كلاهما، ثم رفع رأسه، ثم خر ساجدا، وسجد الصف الذي يليه وثبت الآخرون قياما يحرسون إخوانهم، فلما فرغ من سجوده وقام خر الصف المؤخر سجودا، فسجد سجدتين، ثم قاموا فتأخر الصف المقدم الذي بين يديه، وتقدم الصف المؤخر، فركع وركعوا جميعا، وسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والصف الذي يليه، وثبت الآخرون قياما يحرسون إخوانهم، فلما قعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خر الصف المؤخر سجودا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                خرجه الدارقطني ، ومن طريقه البيهقي .

                                [ ص: 26 ] وفي هذه الرواية: أن الصفين ركعوا معه، ورواية الزبيدي تدل على أن بعضهم ركع معه، وبعضهم لم يركع.

                                ورواه أبو بكر بن أبي الجهم ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بذي قرد ، فصف الناس خلفه صفين، صف خلفه، موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا.

                                خرجه النسائي من طريق سفيان ، عنه.

                                وخرجه الإمام أحمد ، ولفظه: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف بذي قرد - أرض من أرض بني سليم - فصف الناس خلفه صفين، صفا موازي العدو، وصفا خلفه، فصلى بالذي يليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، فصلى بهم ركعة أخرى.

                                وفي رواية أخرى له: ثم سلم، فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ولكل طائفة ركعة .

                                وهذه الزيادة مدرجة من قول سفيان ; كذلك هو في رواية البيهقي .

                                وخرجه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما".

                                وقال البخاري في " المغازي": " وقال ابن عباس : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الخوف بذي قرد " - ولم يزد على ذلك.

                                [ ص: 27 ] وقال الشافعي : هو حديث لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله. قال: وإنما تركناه لاجتماع الأحاديث على خلافه، ولأنه لا يثبت عندنا مثله لشيء في بعض إسناده. انتهى.

                                وإذا اختلف أبو بكر بن أبي الجهم والزهري ، فالقول قول الزهري ، ولعل مسلما ترك تخريج هذا الحديث للاختلاف في متنه، وقد صحح الإمام أحمد إسناده.

                                قال - في رواية علي بن سعيد في صلاة الخوف -: قد روي ركعة وركعتان، ابن عباس يقول: ركعة ركعة، إلا أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم- ركعتان وللقوم ركعة، وما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- كلها صحاح.

                                وقال - في رواية حرب -: كل حديث روي في صلاة الخوف فهو صحيح الإسناد، وكل ما فعلت منه فهو جائز.

                                وقد حمل بعضهم معنى رواية أبي بكر بن أبي الجهم على معنى رواية الزهري ، وقال: إنما المراد أن الصفين صلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم حرس أحد الصفين في الركعة الأولى، والآخر في الثانية، وإنما لم يقضوا بعد سلام النبي - صلى الله عليه وسلم- لأنهم قضوا ما تخلفوا به عنه قبل سلامه، كما في رواية النعمان بن راشد ، عن الزهري .

                                وأما قوله: " فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان وللقوم ركعة"، فهو من قول سفيان ، كما هو مصرح به في رواية البيهقي ، وذلك ظن ظنه، قد خالفه غيره فيه.

                                ويشهد لهذا التأويل: أنه قد روي عن ابن عباس التصريح بهذا المعنى من وجه.

                                خرجه الإمام أحمد والنسائي من رواية ابن إسحاق : حدثني داود بن [ ص: 28 ] الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: ما كانت صلاة الخوف إلا كصلاة أحراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء، إلا أنها كانت عقبا، قامت طائفة منهم وهم جميعا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسجدت معه طائفة، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسجد الذين كانوا قياما لأنفسهم، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقاموا معه جميعا، ثم ركع وركعوا معه جميعا، ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قياما أول مرة، فلما جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانوا قياما لأنفسهم، ثم جلسوا فجمعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتسليم.

                                وخرج الإمام أحمد من رواية النضر أبي عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في غزاة فلقي المشركين بعسفان فأنزل الله وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر وكانوا في القبلة صلى المسلمون خلفه صفين فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكبروا معه- فذكر صلاة الخوف - وفيه: تأخر الصف الذين يلونه في الركعة الثانية وتقدم الآخرين- وقال في آخر الحديث: فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعضهم ينظر إليهم، قالوا: لقد أخبروا بما أردناهم .

                                [ ص: 29 ] وقال: صحيح على شرط البخاري .

                                وليس كما قال; والنضر أبو عمر ، ضعيف جدا.

                                وخرجه البزار - أيضا.

                                وقد تقدم حديث أبي عياش الزرقي في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسفان بهذا المعنى.

                                وروي - أيضا- من حديث جابر ، من رواية عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن جابر ، قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف وصفنا صفين، صف خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة ، فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم- ؟ وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعا.

                                قال جابر : كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم.


                                خرجه مسلم .

                                وخرجه - أيضا- من رواية أبي الزبير ، عن جابر ، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قوما من جهينة ، فقاتلونا قتالا شديدا - ثم ذكره بمعناه.

                                [ ص: 30 ] وروي - أيضا- من حديث حذيفة .

                                خرجه الإمام أحمد من رواية أبي إسحاق ، عن سليم بن عبد السلولي ، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان ، فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة : أنا، فأخر أصحابك يقومون طائفتين، طائفة خلفك وطائفة بإزاء العدو، فتكبر فيكبرون جميعا، ثم تركع فيركعون جميعا، ثم ترفع فيرفعون جميعا، ثم تسجد ويسجد معك الطائفة التي تليك، والطائفة التي بإزاء العدو قيام بإزاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود يسجدون، ثم يتأخر هؤلاء ويتقدم الآخرون، فقاموا مقامهم، فتركع ويركعون جميعا، ثم ترفع ويرفعون جميعا، ثم تسجد فتسجد الطائفة التي تليك، والطائفة الأخرى قائمة بإزاء العدو، فإذا رفعت رأسك من السجود سجدوا، ثم سلمت ويسلم بعضهم على بعض، وتأمر أصحابك إن هاجهم هيج من العدو، فقد حل لهم القتال والكلام .

                                وسليم بن عبد ، ذكره ابن حبان في " ثقاته".

                                وقد روي حديث حذيفة بألفاظ محتملة، وهذه الرواية مفسرة لما أجمل في تلك.

                                كما روى الأسود بن هلال ، عن ثعلبة بن زهدم ، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان ، فقام، فقال: أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة : أنا، فصلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، وانفضوا.

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود ، وهذا لفظه.

                                [ ص: 31 ] وخرجه النسائي ، ولفظه: فقام حذيفة ، فصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.

                                وفي رواية: قال له حذيفة : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بطائفة ركعة، صف خلفه، وأخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، فصلى بهم ركعة.

                                وروى أبو روق ، عن مخمل بن دماث ، قال: غزونا مع سعيد بن الحارث ، فقال: من شهد منكم صلاة الخوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال حذيفة : أنا، صلى بإحدى الطائفتين ركعة; والأخرى مستقبلة العدو، ثم ذهبت هذه الطائفة فقامت مقام أصحابهم، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعة، فصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة. وقد خرجه الإمام أحمد وغيره - أيضا.

                                فهذا الاختلاف في حديث حذيفة يشبه الاختلاف في حديث ابن عباس ، وبعضه محتمل، وبعضه مفسر، فيرد المحتمل إلى المفسر المبين، كما قلنا في حديث ابن عباس . والله - سبحانه وتعالى- أعلم.

                                وقد ذهب أكثر العلماء إلى صحة الصلاة على وجه الحرس، على ما في حديث أبي عياش الزرقي وما وافقه من رواية جابر وابن عباس وحذيفة ، وقد أمر بها حذيفة كما سبق.

                                [ ص: 32 ] وروى حطان بن عبد الله ، أن أبا موسى صلاها في بعض حروبه، واستحبها طائفة منهم إذا كان العدو في جهة القبلة ، منهم: سفيان وإسحاق وأبو يوسف .

                                وروي عن أبي حنيفة : أنه لا يجوز الصلاة بها، ولا يجوز إلا على حديث ابن مسعود وما وافقه، كما سبق.

                                والصلاة بهذه الصفة والعدو في جهة القبلة إذا لم يخش لهم كمين حسن; فإن أكثر ما فيها تأخر كل صف عن متابعة الإمام في السجدتين وقضاؤهما في الحال قبل سلامه، وتكون الحراسة في السجود خاصة، وهذا قول الشافعي وأصحابه.

                                وللشافعية وجه آخر: أنهم يحرسون في الركوع مع السجود، وقد سبق في رواية البخاري لحديث ابن عباس ما يدل عليه.

                                واعلم أن البخاري لم يخرج في " أبواب صلاة الخوف " مما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في أنواع صلاة الخوف سوى حديث ابن عمر ، وابن عباس ، وخرج في " المغازي " حديث جابر وسهل بن أبي حثمة ، وذكر حديث أبي هريرة - تعليقا.

                                فأما حديث جابر ، فقال:

                                " وقال أبان : نا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- بذات الرقاع - فذكر الحديث إلى أن قال-: وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم- أربع ركعات وللقوم ركعتين".

                                هكذا ذكره تعليقا.

                                [ ص: 33 ] وخرجه مسلم مسندا من حديث أبان ، ولفظه: قال: فنودي بالصلاة - وذكره.

                                في الحديث: دليل على أن صلاة الخوف ينادى لها بالأذان والإقامة كصلاة الأمن ، ولا أعلم في هذا خلافا، إلا ما حكاه أصحاب سفيان الثوري في كتبهم، عنه، أنه قال: ليس في صلاة الخوف أذان ولا إقامة في حضر ولا سفر.

                                وخرج الدارقطني من حديث الحسن ، عن جابر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يحاصر بني محارب بنخل ثم نودي في الناس: أن الصلاة جامعة - وذكر معنى حديث أبي سلمة ، وصرح فيه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- سلم بين كل ركعتين .

                                وقد خرجه النسائي - مختصرا - من رواية حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن جابر - بذكر السلام - أيضا، وليس فيه: ذكر: الصلاة جامعة.

                                ورواه قتادة - أيضا - عن سليمان اليشكري ، عن جابر - بذكر السلام بين كل ركعتين، وفيه: أن يومئذ أنزل الله في إقصار الصلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح، وفي الحديث أن ذلك كان بنخل

                                والحسن ، لم يسمع من جابر ، وقتادة ، لم يسمع من سليمان اليشكري .

                                وقد رواه أشعث ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه صلى [ ص: 34 ] في خوف ثقيف ركعتين، ثم سلم، ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أربعا، ولأصحابه ركعتين ركعتين.

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في " صحيحه".

                                وعند أبي داود : وبذلك كان يفتي الحسن .

                                وصلاة الخوف على هذه الصفة: أن يصلي الإمام أربع ركعات ويصلي كل طائفة خلفه ركعتين، لها صورتان:

                                إحداهما: أن يسلم الإمام من كل ركعتين، فهو جائز عن الشافعي وأصحابه.

                                واختلفوا: هل هي أفضل من صلاة ذات الرقاع - التي يأتي ذكرها ؟ على وجهين لهم.

                                وكذلك اختار الجوزجاني هذه الصلاة على غيرها من أنواع صلوات الخوف; لما فيها من تكميل الجماعة لكل طائفة.

                                واختلف أصحابنا في ذلك:

                                فمنهم من أجازها في صلاة الخوف دون غيرها، وهو منصوص أحمد ، وهو قول الحسن البصري - أيضا- واختاره طائفة من أصحابنا.

                                ومن أصحابنا من قال: هي مخرجة على الاختلاف عن أحمد في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل، كما سبق ذكره.

                                ومنع منها أصحاب أبي حنيفة ; لذلك.

                                والصورة الثانية: أن لا يسلم الإمام، ويكون ذلك في سفر، فينبني على أنه: هل يصح أن يقتدي القاصر بالمتم في السفر؟

                                [ ص: 35 ] والأكثرون على أنه إذا اقتدى المسافر بمن يتم الصلاة فأدرك معه ركعة فصاعدا ، فإنه يلزمه الإتمام.

                                فإن أدرك معه دون ركعة، فهل يلزمه الإتمام؟

                                قال الزهري وقتادة والنخعي ومالك : لا يلزمه، وهو رواية عن أحمد .

                                والمشهور عنه: أنه يلزمه الإتمام بكل حال، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور .

                                وقالت طائفة: لا يلزمه الإتمام، وله القصر بكل حال وهو قول الشعبي وطاوسا وإسحاق .

                                فعلى قول هؤلاء: لا تردد في جواز أن يصلي الإمام أربع ركعات في السفر، وتصلي معه كل طائفة ركعتين.

                                وعلى قول الأولين: فهل يجوز ذلك في صلاة الخوف خاصة؟ فيه لأصحابنا وجهان.

                                ومن منع ذلك قال: ليس في حديث جابر تصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يسلم بين كل ركعتين.

                                بل قد ورد ذلك صريحا في روايات متعددة، فتحمل الروايات المحتملة على الروايات المفسرة المبينة.

                                ثم قال البخاري :

                                " وقال أبو الزبير ، عن جابر : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنخل ، فصلى الخوف".

                                وقال - أيضا-:

                                [ ص: 36 ] " وقال معاذ : ثنا هشام ، عن أبي الزبير ، عن جابر : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- بنخل - فذكر صلاة الخوف".

                                وقد خرجه النسائي من رواية سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنخل ، والعدو بيننا وبين القبلة ، فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فكبروا جميعا، ثم ركع فركعوا جميعا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم- والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما قاموا سجد الآخرون مكانهم الذي كانوا فيه، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ثم ركع فركعوا جميعا، ثم رفع فرفعوا جميعا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم- والصف الذين يلونه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وجلسوا سجد الآخرون مكانهم، ثم سلم.

                                قال جابر: كما يفعل أمراؤكم.


                                وخرجه مسلم - بمعناه - من رواية زهير بن معاوية ، عن أبي الزبير ، وليس عنده: " بنخل ".

                                وذكر البخاري - أيضا- تعليقا، عن جابر من طريقين آخرين، فقال:

                                " وقال بكر بن سوادة : حدثني زياد بن نافع ، عن أبي موسى ، أن جابرا حدثهم: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- بهم يوم محارب وثعلبة .

                                وقال ابن إسحاق : سمعت وهب بن كيسان : سمعت جابرا : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى ذات الرقاع من نخل ، فلقي جمعا من غطفان ، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضا، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم- ركعتي الخوف". انتهى.

                                وأبو موسى ، ليس هو الأشعري، بل تابعي، ذكره أبو داود ، وذكر في حديثه: أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم- ركعتان، ولكل طائفة ركعة.

                                [ ص: 37 ] وقد رواه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكر بن سوادة بهذا الإسناد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة ، بكل طائفة ركعة وسجدتين.

                                وذكر أبو مسعود الدمشقي وغيره: أن أبا موسى هذا هو علي بن رباح اللخمي ، وقيل: إنه أبو موسى الغافقي، واسمه: مالك بن عبادة ، وله صحبة.

                                قال صاحب " التهذيب": والقول الأول أولى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

                                وأما حديث سهل بن أبي حثمة :

                                فقال البخاري :

                                " ثنا قتيبة ، عن مالك ، عن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، عمن شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم .

                                قال مالك : وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف.

                                حدثنا مسدد : ثنا يحيى ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال: يقوم الإمام [ ص: 38 ] مستقبل القبلة ، وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، ووجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيجيء أولئك فيركع بهم ركعة، فله ثنتان، ثم يركعون ويسجدون سجدتين.

                                حدثنا مسدد : ثنا يحيى ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                حدثنا محمد بن عبيد الله : ثنا ابن أبي حازم ، عن يحيى : سمع القاسم : أخبرني صالح بن خوات ، عن سهل ، حدثه - قوله".

                                حاصل الاختلاف في إسناد هذا الحديث الذي خرجه البخاري هاهنا: أن يزيد بن رومان رواه عن صالح بن خوات ، عمن شهد النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع، ولم يسمه.

                                ورواه القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، واختلف عليه في رفعه ووقفه:

                                فرواه يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن القاسم ، فوقفه على سهل .

                                وقد خرجه البخاري هاهنا من طريق يحيى القطان وابن أبي حازم ، عن يحيى الأنصاري .

                                كذلك رواه شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، فرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                قال الإمام أحمد : رفعه عبد الرحمن ، ويحيى لم يرفعه. ثم قال: حسبك بعبد الرحمن ، هو ثقة ثقة ثقة. قيل له: فرواه عن عبد الرحمن غير شعبة ؟

                                [ ص: 39 ] قال: ما علمت. ثم قال: قد رواه يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، عمن صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فهذا يشد ذاك.

                                يريد: أنه يقوي رفعه.

                                ونقل الترمذي في " علله" عن البخاري ، أنه قال: حديث سهل بن أبي حثمة هو حديث حسن، وهو مرفوع، رفعه شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم . انتهى.

                                ولكن رواه حرب الكرماني ، عن إسحاق بن راهويه ، عن الثقفي ، عن يحيى الأنصاري ، وقال في حديثه: " من السنة".

                                وهذا - أيضا- رفع له.

                                وهو غريب عن الأنصاري .

                                ورواه عبد الله العمري ، عن أخيه عبيد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات ، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

                                وأخطأ في قوله: " عن أبيه"، إنما هو: " عن سهل ": قاله أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان .

                                وقالا - أيضا- رواه أبو أويس ، عن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات ، عن أبيه - أيضا- وأخطأ - أيضا- في قوله: " عن أبيه".

                                وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره: أن الذي قال صالح بن خوات في رواية يزيد بن رومان ، عنه: " حدثني من شهد النبي - صلى الله عليه وسلم"، هو سهل بن أبي حثمة ، كما قاله القاسم ، عن صالح .

                                قال أبو حاتم : وسهل بن أبي حثمة بايع تحت الشجرة، وكان دليل النبي [ ص: 40 ] - صلى الله عليه وسلم - ليلة أحد، وشهد المشاهد كلها إلا بدرا.

                                قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت رجلا من ولده، سأله أبي عن ذلك، فأخبره به.

                                ولكن ذكر أكثر أهل السير كالواقدي والطبري وغيرهما: أن سهل بن أبي حثمة توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمان سنين.

                                قال الواقدي والطبري : وقد حفظ عنه، وقيل: إن الذي كان دليل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد وشهد معه المشاهد هو أبو حثمة والد سهل . والله سبحانه أعلم.

                                وقد ذكر الإمام أحمد وأبو داود أن رواية يحيى بن سعيد ، عن القاسم تخالف رواية يزيد بن رومان في السلام; فإن في رواية يزيد بن رومان : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- سلم بالطائفة الثانية، وفي رواية يحيى بن سعيد : أنهم قضوا الركعة بعد سلامه.

                                وقد خرجه أبو داود من رواية مالك ، عن يحيى بن سعيد كذلك، وفي حديثه: فركع بهم وسجد بهم ويسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون.

                                وقد روى يحيى القطان الحديث، عن يحيى الأنصاري ، ورواه عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، وقال: لا أحفظ حديثه، ولكنه مثل حديث يحيى .

                                كذا خرجه الترمذي وابن ماجه .

                                وكذلك في رواية البخاري : أن يحيى القطان رواه عن شعبة مثل حديث يحيى بن سعيد .

                                [ ص: 41 ] ولكن بينهما فرق في السلام:

                                فقد رواه معاذ بن معاذ ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بهذا الإسناد، وقال فيه: وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم.

                                كذلك خرجه مسلم من طريقه.

                                ورجح ابن عبد البر رواية يحيى القطان ، عن شعبة ، على رواية معاذ بن معاذ ، عنه، وقال في القطان : هو أثبت الناس في شعبة.

                                وخالفه البيهقي ، ورجح رواية معاذ بن معاذ ; لأن يحيى القطان لم يحفظ حديث شعبة .

                                وقال: رواه - أيضا- روح بن عبادة ، عن شعبة ، كما رواه عنه معاذ . قال: وكذلك رواه الثوري ، عن يحيى الأنصاري بخلاف رواية مالك ، عنه. قال: وهذا أولى أن يكون محفوظا; لموافقته رواية عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، ورواية مالك . عن يزيد بن رومان .

                                قلت: فقد رواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن القاسم ، وقال: أما عبد الرحمن فرفعه، وساق الحديث، وفي آخره: ثم يقعد حتى يقضوا ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم.

                                وهذا يوافق رواية معاذ ، وغندر مقدم في أصحاب شعبة .

                                [ ص: 42 ] وقد ذهب كثير من العلماء إلى استحباب صلاة الخوف على ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- بذات الرقاع في هذا الحديث.

                                قال القاسم بن محمد : ما سمعت في صلاة الخوف أحب إلي منه.

                                وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والثوري - في رواية- وحكاه إسحاق عن أهل المدينة وأهل الحجاز ، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي ، وحكاه الترمذي ، عن إسحاق .

                                وصرح إسحاق في رواية ابن منصور على أنه يجوز العمل به، ولا يختاره على غيره من الوجوه.

                                إلا أنهم اختلفوا: هل تقضي الطائفة الركعة الثانية قبل سلام الإمام، أو بعده ؟

                                فعند الشافعي وأحمد وداود : تقضي قبل سلام الإمام، ثم يسلم بهم.

                                وهو رواية عن مالك ، ثم رجع عنها، وقال: إنما يقضون بعد سلام الإمام، وهو قول أبي ثور وأبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، ذكره في كتابه " الشافي".

                                ونص أحمد على أن هذه الصلاة تصلى وإن كان العدو في جهة القبلة .

                                وقال القاضي أبو يعلى : إنما تصلى إذا كان العدو في غير جهة القبلة ، وكذلك حمل بعض أصحاب سفيان قوله على ذلك.

                                قال بعض أصحابنا: نص أحمد محمول على ما إذا لم يمكن صلاة عسفان لاستتار العدو، وقول القاضي محمول على ما إذا أمكن أن يصلوا صلاة عسفان لظهور العدو.

                                وكذا قال أصحاب الشافعي ، لكنهم جعلوا ذلك شرطا لاستحباب صلاة ذات الرقاع، لا لجوازها.

                                [ ص: 43 ] قال البخاري :

                                " وقال أبو هريرة : صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة نجد صلاة الخوف ".

                                وهذا الحديث خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية حيوة وابن لهيعة - إلا أن النسائي كنى عنه برجل آخر - كلاهما، عن أبي الأسود ، أنه سمع عروة بن الزبير يحدث، عن مروان بن الحكم ، أنه سأل أبا هريرة : هل صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف ؟ قال أبو هريرة : نعم. قال مروان : متى؟ قال أبو هريرة : عام غزوة نجد، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى صلاة العصر، فقامت طائفة معه، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إلى الكعبة ، فكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبروا جميعا: الذين معه والذين مقابلو العدو، ثم ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعة واحدة، وركعت الطائفة الذين معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاعد، ومن كان معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسلموا جميعا، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة .

                                واللفظ لأبي داود .

                                ولفظ النسائي : فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان.

                                فتحمل - حينئذ- رواية أبي داود على أنه كان لكل واحد من الطائفتين ركعة [ ص: 44 ] مع النبي - صلى الله عليه وسلم- والركعة الأخرى هو صلاها لنفسه، وعلى مثل ذلك تحمل كثير من أحاديث صلاة الركعة في الخوف.

                                ورواية ابن إسحاق ، عن أبي الأسود ، عن عروة أنه سمع أبا هريرة ومروان بن الحكم يسأله - فذكر الحديث بمعناه.

                                خرجه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما ".

                                ورواية من روى عن عروة ، عن مروان ، عن أبي هريرة أشبه بالصواب-: قاله الدارقطني .

                                ونقل الترمذي في " علله" عن البخاري ، أنه قال: حديث عروة ، عن أبي هريرة ، حسن.

                                وقد روي هذا الحديث عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن أبي هريرة .

                                خرجه الأثرم .

                                وليس في حديثه: أن الطائفتين كبرت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- في أول صلاته.

                                وروي عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة ، عن عائشة .

                                خرجه أبو داود .

                                ولفظ حديثه: قالت: كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جالسا، ثم سجدوا هم لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون [ ص: 45 ] القهقرى حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى فقاموا فكبروا، ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسجدوا معه، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم سجدوا لأنفسهم الثانية، ثم قامت الطائفتان جميعا فصلوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعا، ثم عاد فسجد الثانية فسجدوا معه سريعا كأسرع الإسراع جاهدا، لا يألون إسراعا، ثم سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلموا، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد شاركه الناس في الصلاة كلها .

                                فقد اضطرب ابن إسحاق في لفظ الحديث وإسناده.

                                وقد رواه هشام بن عروة ، عن أبيه - مرسلا - بنحو حديث أبي عياش الزرقي .

                                ذكره أبو داود - تعليقا.

                                وقد أجاز الإمام أحمد وإسحاق وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وابن جرير وجماعة من الشافعية صلاة الخوف على كل وجه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وإن رجحوا بعض الوجوه على بعض.

                                وأما صلاة الخوف ركعة، فيأتي الكلام عليه فيما بعد - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

                                وظاهر كلام البخاري : أنه يجوز.

                                وقد نقل الترمذي عنه في " العلل"، أنه قال: كل الروايات في صلاة الخوف عندي صحيح، وكل يستعمل، وإنما هو على قدر الخوف، إلا حديث [ ص: 46 ] مجاهد ، عن أبي عياش ، فإني أراه مرسلا.

                                وهذا يدل على أنه يستعمل كل وجه من وجوه صلاة الخوف على قدر ما تقتضيه حال الخوف، ويكون ذلك الوجه أصلح له.

                                وروي نحو ذلك عن سليمان بن داود الهاشمي ، وحكي عن إسحاق - أيضا- وقاله بعض أصحابنا.



                                الخدمات العلمية